الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

هدايا ساعي البريد: روائع القصص العالمية للناشئة




في البداية أحب أن أشكر الأخت المبدعة والكريمة هدى الجهوري على نشر استطلاع حول مشروع القرية القارئة.
منذ ساعة التقيت اليوم بصاحب المشروع الصديق والأخ أحمد الراشدي والذي يعمل باحثا ثقافيا بالمنتدى الأدبي، وكنت أتمنى أن يخبرني الصديق أحمد عن هذا المشروع قبل قراءة هذا الاستطلاع ولكن لا بأس في ذلك.قبل شهور عثرت على مكتبة صغيرة في روي بالقرب من محل يبيع أدوات طبية وكان في هذه المكتبة الكثير من الكتب والأشرطة الدينية وفي إحدى الزوايا المهملة والمليئة بالغبار- يبدو أن هذا الغبار لن يتركني وشأني- عثرت على سلسلة بعنوان "روائع القصص العالمية للناشئة" وهي عبارة عن 27 قصة ترجمها وأعدها الدكتور محمد حمود ونشرتها دار النديم وتعكس هذه القصص بعض القيم والأساطير والمعتقدات من مختلف أنحاء العالم ويسرني إهدء مشروع القرية القارئة هذه السلسلة من القصص التي تناقلتها الأمم عبر العصور السالفة بما فيها من وقائع وأمور غريبة تأسر القارئ وتستثير خياله فتراه يعايش واقعها متشوقا لقراءة المزيد منها فيطلق لمخيلته البشرية لتعلو به إلى مستوى الأسطورة فيرسم في خياله نهاية أحداثها بشاعرية وسهولة في محاولة منه للوصول إلى معنى القصة الخفي بعد تجاوز معناها الظاهر ليقف مواقف أبطالها بلذة ونشوة.
في نهاية كل قصة هناك مجموعة من الأسئلة لإضافة المتعة والفائدة إلى القراء الصغار والشباب كما تستقطب هذه القصص الكبار.



كنز يعلوه الغبار



مررت الليلة الماضية بالقرب من مكتبة المعرفة في كورنيش مطرح،وكلما مررت بهذا المكان لفتت انتباهي أرفف الكتب خلف الواجهة الزجاجية للمكتبة فهناك الكثير من الكتب الخاصة بأدب الطفل وبعض هذه الكتب تم ترتبيها وتنظيمها وهناك مجموعة أخرى تم تكديسها هنا وهناك. السمة الغالبة على هذه الكتب هي اصفرار أغلفة الكثير منها ويعلوها غبار النسيان. هناك مجموعة منها طبعت في نهاية السبعينيات وبداية وأواسط الثمانينيات من القرن الماضي. قبل شهور قليلة قمت بشراء بعض الكتب وكانت على شكل مجموعات ولم أجد أي صعوبة في العثور على الأجزاء الناقصة وأتذكر يدي المليئة بالغبار والذي لم تسلم منه هذه المرة أيضا.
وقد قررت شراء كمية أكبر وخاصة أن كل من مضمون هذه الكتب وكذلك السعر يغري أي قارئ مهتم بأدب الطفل، وأثناء بحثي مر بي أحد الموزعين وأخذ بعض الصحف اليومية المتبقية ونظر إلي بفضول وسألني ماذا أفعل هنا؟ فأجبته بأنني أبحث عن كنز ثمين فقال لي ضاحكا: عن أي كنز تتحدث في عصر الانترنت وألعاب الفيديو والتقنيات الحديثة؟ واصلت بحثي واخترت مجموعة من الكتب التي وجدتها أكثر من جيدة ومناسبة.
ما تزال هذه المكتبة تحتفظ بالكثير من الكتب إلى جانب الأدوات المكتبية والقرطاسية وما يزال هناك بعض التوازن بين الكتب والمواد الأخرى – على الرغم من قلة الإقبال على الكتب- والوضع هنا يختلف عن المكتبات الشرائية الأخرى إلى حد ما.
متى ستتخلص الكتب القيمة من الكساد والغبار ومتى ستصل إلى أصدقائها؟










الاثنين، 27 سبتمبر 2010

ألف ليلة وليلة



تبرئة "ألف ليلة وليلة" بعد الدعوى التي رفعها ضدها محامون، حدث مضحك فالدعوى التي رفعها السادة المحامون ليست هذه المرة ضد كتب طه حسين أو صادق جلال العظم، إنها ضد أشهر كتاب في التراث العربي، هي أشبه بالمطالبة بإزالة تماثيل الفراعنة والأهرام وأبو الهول بحجة أنها أصنام.

عباس بيضون، كاتب لبناني

بالون



الجو لاهب وحار وليس ثمة في العلاء غير الشمس والنسور والسماء.



إنني أطير نحو موتي السريع...

لم يبق سوى القليل من الوقت لأحكي لكم حكايتي، كنت عصارة لبنية ولزجة في جسد أمي أسبح بكل سعادة داخل هذا الجسد الواقف أمام النهر، وكانت أمي العزيزة تشرب من مياهه الندية بنهم كبير، يغازلها النسيم فترقص طربا.. وتخشخش وترن خلاخيل الحياة في قدميها..تتأمل نفسها في مرايا الفضة في الليل ومرايا الذهب في الفجر..كانت تبتسم للشفق عندما يقدم لها مرايا وردية ونحاسية.. زهور المساء نامت على كتفها والسحب فتحت صدورها لتسكب أعذب بلورها عليها وعلى الأمهات الأخريات حيث يحتوي الهكتار الواحد من الأرض على 400 أم مثلها ولكن أجملهن أمي.


إنني أطير نحو موتي السريع...

كم تمنيت أن أكون مثل أمي يجلس تحت ظلي العشاق وأنظر خلسة إلى أحدهم وهو يمسك بيد محبوبته ويطبع قبلة عذبة على جبينها وأضم طيور الجمال والمحبة إلى صدري وتداعب يدي الخضراء خدود الأطفال الناعمة وتخرج الفراشات من تحت التراب الذي يخفي جذوري وعروقي.


إنني أطير نحو موتي السريع...




كان ذلك اليوم باردا جدا كان جسد أمي العزيزة يهتز وشعرت بقطعة صلبة تنهشه وأحدثت فيه ثقبا كبيرا وتدفقت بسرعة إلى الخارج وبدأت رحلتي الجديدة بعيدا عن أمي ورأيت رفاقي يخرجون من الأجساد الأخرى.. يد متعبة تعاني الأكزيما قامت بتجميعي في إناء وسقطت أجزاء مني خارج الإناء فشعرت برغبة كبيرة في البكاء والصراخ فلا أحد هنا ليداوي جروح أمي ولكن البرد منعني فنمت.


إنني أطير نحو موتي السريع.....


صحوت وظننت بأني مازلت عند النهر ووجدت نفسي وحيداً في مكان معتم وبارد كم كانت الحياة جميلة عند ذلك النهر حيث نسمات الهواء البارد والشمس الراحلة تصبغ سطح النهر بلون برتقالي محبب..نظرت حولي فوجدت بعض العمال المنبطحين في الزوايا المعتمة. وسمعت أحدهم يتنهد بعمق ويقول بأسى: نعمل هنا منذ شهور طويلة وإلى يومنا هذا لم نستلم قرشا واحد إلى متى سوف يستمر هذا الحال؟


أياد كثيرة عبثت بي وفصلوا المزيد من أجزائي عني وسمعت صوتا كله جشع يقول: هذه العصارة غنية وفوائدها الاقتصادية كثيرة وتحتوي على العديد من البروتينات المهمة علينا أن نستخرجها والباقي نصنع منه أشياء أخرى.


إنني أطير نحو موتي السريع.....


استمر العبث ولا أدري ما الذي حل بي؟ تغير لوني إلى الأحمر وأصبحت أكثر صلابة ونفخوا هواء فاسدا بداخلي، ووضعوني بجوار ألوان أخرى في محل كبير وكان عزائي الوحيد هو تلكم العيون البريئة التي تنظر إلي من خلف زجاج المحل وتحاول الوصول إلي ولكنها لا تستطيع وخاصة تلك الطفلة الفقيرة ابنه البائع المتجول كنت أحب مراقبتها وهي نائمة على سطح عربة والدها تراقب النجوم وتبتسم، وجاء أحدهم ودخل المحل كانت ملامحه شقية وعابثة.. نقل بصره بسرعة في كل أرجاء المحل ونظر إلي عدة مرات وهو يمسح وجهه بأصابعه المتسخة ودس يده في جيبه وأخرج منها ريالا قديما كان قد سرقه من حقيبة والدته وأخذني معه، وركض بسرعة وهو يمسكني بقوة ،أزعجتني عفونة حذائه وعرق رجليه الكريه تعثر بحجر كبير ووقع على الأرض ووجدت نفسي وحيدا أطير نحو موتي السريع.


إنني أموت..أموت..


الأحد، 26 سبتمبر 2010

الكتاب في قرية وادي قري ذلك الذي تصادقه كل بنات القرية

استطلاع: هدى الجهورية


“لا توجد في بيوتهن أي مكتبة، ولا حتى كتاب واحد للأطفال” هكذا يقول أحمد بن ناصر بن حمد الراشدي مضيفا قوله “عرفتُ ذلك نظرا لصغر قريتنا، ومن سؤالي للأهالي وللفتيات حول وجود مكتبة في البيوت”.
من هنا كبر هاجس الراشدي الذي يعمل باحثا ثقافيا بالمنتدى الأدبي، بضرورة توفير مكتبة في قريته الصغيرة “وادي قري” التي تبعد عن مركز الولاية سمائل ما يقارب 25 كم على الطريق المتجه لولاية نزوى.
يصارحنا الراشدي في بداية حواره معنا أن لمدونة الصديق أحمد المعيني “أكثر من حياة” الفضل في إضاءة فكرة القرية القارئة، وذلك من خلال المبادرات والأفكار الكثيرة التي ينشرها بشكل مستمر، والتي تشجع على تعزيز فعل القراءة، “عندما التمعت شرارة الفكرة في ذهني، بدأت أفكر جديا في مشروع القرية القارئة”.


اقرئي وثقي بنفسك



حكى لنا الراشدي الخطوات التي اتبعها ليتضح في أذهان أهالي القرية، "قمتُ باستطلاع شفهي سألتُ فيه عن الفئات الأكثر تفوقا وحبا للقراءة في قريتنا، أهم من الفتيان أم من الفتيات؟ فجاءت أغلب الأجوبة إن الفتيات أكثر تميزا في الدراسة، وحبا للقراءة وأكثر تقبلا، فقررتُ أن أبدأ المرحلة الأولى من المشروع بإطلاقه للفتيات وحددتُ الفئة المستهدفة من سن 11 سنة فما فوق، وقلتُ في نفسي: إذا صار للفكرة انتشار في القرية، سأطورها في المرحلة الثانية لتشمل الفتيان والفتيات.
بعدها انتقيت من مكتبتي الخاصة ما يقارب ثمانين كتابا ما بين كتب في القصة القصيرة، والرواية، والحكاية الشعبية العمانية والعربية والعالمية، وكتب في تنمية المهارات والذات، وقصص الأطفال. رتبتها بعناية فائقة في مكتبة صغيرة وضعتها في صالة البيت. ثم اخترت ما يقارب خمسة وعشرين كتابا من مكتبتي الخاصة، لستُ محتاجا لها، بعضها جديد وبعضها مستعمل أي قرأته وأريد التخلص منه (كتب في القصة القصيرة والرواية والنقد والمعارف العامة)، فقررت أن تكون هذه الكتب هدايا للقارئات. وقمت بوضعها في طاولة مجاورة للمكتبة الصغيرة، ونسقتها بطريقة بارزة وجذابة. ثم طبعت إعلانا ملونا يتضمن شروط الاشتراك في المشروع، وقررت أن يكون شعار مشروع القرية القارئة هو "اقرئي وثقي بنفسك"، وذلك لترسيخ فكرة النتيجة الإيجابية التي تتحقق من القراءة، وهي الثقة بالنفس وتنمية الشخصية، ووزعت في أماكن معينة في القرية، كما كلفت فتيات عائلتي بالإعلان عن المشروع شفهيا".


اقرأ ثلاثة واربح كتابا



ولم يكتف الراشدي بإتاحة فرصة القراءة وحسب، وإنما وضع محفزات للقراءة أيضا حيث أن كل فتاة تنهي قراءة 3 كتب تربح كتابا هدية تختاره بنفسها من بين الخمسة والعشرين كتابا، ولكن يترتب عليها بعد قراءة كل كتاب أن تكتب رسالة توجهها لمؤلف أو مؤلفة الكتاب، وذلك لكي يتأكد الراشدي من جدية القراءة. "وضعتُ بجوار الكتب أظرف رسائل، لتأخذ كل فتاة ظرفا عندما تستعير الكتاب وتضع فيه الرسالة بعد الانتهاء من قراءته"، ثم أردف قائلا: "وحتى أضمن أن تصلني رسائل مقبولة وجيدة قمت بتنظيم دورة للفتيات من سن 11 سنة فما فوق بعنوان (كيف تكتبين رسالة) لمدة ساعتين في مجلس القرية قبل أن أطلق هذا المشروع". وكان الراشدي قد تعلم ذلك من حضوره لدورة أقامتها الكاتبة أزهار أحمد، لتعليم الأطفال كيفية كتابة الرسائل، وذلك في النادي الثقافي بالقرم، "قمتُ بتقليد وتكرار الدورة في قريتي، وربطها مع فكرة مشروع القرية القارئة".


رسائل صغيرة وآراء



أما عن النتائج التي ترتبت على هذا المشروع فقد أخبرنا الراشدي قائلا: "لاحظتُ إقبالا لا بأس به من قبل الفتيات على استعارة الكتب، وقراءتها، وأكثر ما أسعدني وأبهجني أن بعضهن حصلن إلى الآن على أربعة كتب كهدايا في فترة قصيرة، وقد تأكدت من مدى جديتهن في القراءة، وذلك من مضمون الرسائل التي تأتي مرفقة مع كل كتاب انتهين من قراءته". يصف لغة الرسائل وطريقتها قائلا: "في الأغلب جاءت لغة الرسائل بسيطة وتتضمن الأفكار التي أعجبت بها القارئة والأفكار التي لم تتوافق معها، وشكر لمؤلف أو مؤلفة الكتاب".
وأردف قائلا: "كنتُ حريصا بشدة على معرفة أي المراحل العمرية لديها رغبة أكثر في القراءة وأي الكتب يقبلن عليها بشدة وينجذبن لها حتى أستطيع توفيرها، وأتابع هذا من خلال متابعة دفتر الاستعارة والاستفسار من زوجتي عن ذلك، فلاحظت أن الفتيات من سن 4-10 سنوات لديهن ميل أكبر لكتب وقصص الأطفال وهذا شيء طبيعي يتناسب مع أعمارهن، لجماليتها، ونوعية ورقها والصور الكبيرة والمبهجة التي تحتويها، وكذلك قصر القصص فيها، أما الفتيات من سن 11-15 لاحظت أنهن يقبلن أكثر على القصص والروايات والحكايات الشعبية، و فتيات الجامعة يرغبن في الروايات أكثر من أي شيء آخر. الفئة من سن 11-15 سنة أكثر الفئات مواظبة على الاستعارة والرغبة في الحصول على كتب كهدية.


حماس زوجتي



تساءلنا عن موقف أولياء الأمور من الفكرة، ونحن نعلم تماما أنه ما دام البيت بدون كتب فكيف يستشعر ولي الأمر أهمية الكتاب في حياة ابنته فقال الراشدي: "في الحقيقة لم أجد أي معارضة أو رفض من قبل أولياء الأمور، أولا بحكم الجيرة والقرابة التي تجمعني بهم وما يصاحبها من احترام وتقدير لي ولأسرتي، كما تعودت أنا ومجموعة من الأصدقاء الشباب في القرية على إقامة مثل هذه المشروعات والمبادرات الثقافية للكبار والصغار وللرجال والنساء، والأهالي هم الذين يشجعوننا ويطالبوننا بالمزيد". وعن آلية الاستعارة من مكتبة منزلية قال: "زوجتي هي التي كانت تقوم بإعارتهن وتقديم النصح لهن فيما يناسب أعمار كل واحدة منهن وهي التي تستقبلهن في البيت وتقوم بتسجيل اسم كل واحدة والكتاب الذي استعارته، وذلك بحكم قربها منهن ووجودها في البيت. كذلك طبيعة عملها في رياض الأطفال ومعرفتها بالفتيات وبرغباتهن، جعلها تتحمس لفكرة المشروع وتشجع الفتيات عليه"، وأردف قائلا: "أما أنا فبحكم ارتباطي بعملي الرسمي وارتباطاتي الاجتماعية والخاصة خارج البيت فقد كان دوري كمستشار أفيدهن عن طريق الرد على أسئلتهن، وذلك لقراءتي السابقة لأغلب الكتب الموضوعة للاستعارة، ومعرفتي بمؤلفيها وأحيانا كانت تردني أسئلة عن بقية مؤلفات كاتب ما لا توجد في مكتبة المشروع ، وخاصة من الفتيات الجامعيات فأدلهن على كتب أخرى في مكتبتي الخاصة".



الانقطاع عن الاستعارة



وعن أكبر الصعوبات التي وقفت في وجه المشروع قال: "الانقطاع عن الاستعارة، لذلك سعيت بعد شهر من انطلاق المشروع أن أزور بعض الكتّاب والأدباء، لأحكي لهم عن فكرتي وأطلب مشورتهم وكتبهم كدعم لفكرة المشروع، فقد لاحظت أن تلك الكتب التي حصلت عليها شجعت الفتيات على التواصل والاستمرار، ولديّ خطة لمعرض الكتاب القادم لتزويد كتب الهدايا بكتب قريبة من أعمارهن ودراستهن، وأن أزور كتّاباً وأدباء آخرين لأحصل منهم على دعم.


العريمي والقاسمي



أما الخطوة التي تليت الإقبال الجيد الذي لمسه الراشدي على مكتبته، "قمتُ بزيارة بعض الكتّاب في بيوتهم، وعرضتُ عليهم المشروع، وحصلت منهم على عدد من النسخ من كتبهم ووضعتها ضمن كتب الهدايا، منهم الكاتب والروائي محمد عيد العريمي الذي أهداني نسخا من كتبه، "حز القيد" و"بين الصحراء والماء" و"مذاق الصبر"، والشاعر زهران القاسمي الذي أهداني نسخا من كتابه الأخير "سيرة حجر"، يوجد الآن في بيت كل فتاة شاركت معنا، ومازالت في مشروع قريتنا القارئة ما لا يقل عن 3 كتب.
وعند سؤاله ماذا بعد ذلك ؟ أجابنا: "بعدما لاحظت إقبالا كبيرا من قبل الفتيات على قراءة كتب الأطفال، أرى أن تلك فرصة كبيرة كي أعلن أنني الآن في مرحلة الشروع في تكوين مكتبة خاصة بكتب الأطفال في قريتي، تُقدم خدمات الاستعارة والإهداء للأطفال وللأمهات والآباء فعلى من لديه رغبة للمساهمة، لتزويد هذه المكتبة بكتب أطفال فأنا أرحب به أو لعله يرشدني إلى جهات تساعدني في تمويل المشروع، بكتب أطفال.


أريد كتابا للمعارف




تحدثنا إلى الفتيات المستفيدات من مشروع قرية قري، ابتسام بنت خلفان، 15 سنة قالت: "قبل التعرف على مكتبة الراشدي قرأتُ، مجموعة قصص الأنبياء، وبعض قصص الأطفال، كنت قد اشتريتها أنا وأختي من مكتبة تجارية في سمائل، أما ما دفعني إلى مكتبة الراشدي هو أننا كنا في إجازة صيفية، فأحببت أن أستغل وقت الفراغ وأرفع من مستوى معلوماتي وثقافتي". الكتاب الذي لفت انتباه ابتسام هو: الممثل لأزهار أحمد، "أعجبني فيه كثيرا طريقة حكي القصص وأسلوبها، كما لفت انتباهي كتاب حكايات من تراث الإمارات". أما الكتاب الذي تمنت ابتسام قراءته ولم تعثر عليه إلى الآن، "كتاب في الثقافة العامة يضم معلومات في مختلف العلوم، ولكني سعيدة أني حصلت على 3 كتب هدية ومازلت متواصلة في الاستعارة والقراءة".



"أهل الكهف" في مدرستي


صفاء بنت إبراهيم، 13سنة، كانت تقرأ في السابق كتبا بسيطة في تفسير القرآن، استعارتها من مكتبة المدرسة، "أعجبتني فكرة مكتبة الراشدي، وتواصلت مع زوجته، وقد حصلت على 6 كتب هدايا اخترتها بنفسي". كان هدف صفاء، ودافعها الأول أن تحصل على معلومات جديدة من المطالعة.
لفت انتباه صفاء مسرحية "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم، "أعجبني الحوار الجميل الذي دار بين شخصيات المسرحية، وحتى أستفيد مما قرأته، لدي رغبة أن أعرض المسرحية على بعض زميلاتي في المدرسة لنمثلها على مسرح المدرسة".


قالت الوردة للسنونو


مرام بنت خلفان،12سنة، في بدايتها الأولى قرأت كتاب الكشتبان الذهبي، وهو عبارة عن قصة أطفال، وكتاب الأميرة والضفدع وقد حصلت عليهما من مركز مصادر التعلم في المدرسة، أما رواية الأم وجنينها فقد اشترتها لها أختها من معرض الكتاب، وكانت تقرأ أيضا مجلة اسمها سندريلا.
أم مرام لها الفضل في اتجاه مرام إلى مشروع القرية، "تحمستُ بفضل أمي، ولأحصل على كتب كهدايا ؛لأنني أرغب أن تكون لي مكتبة خاصة في البيت. وقد حصلت حتى الآن على كتابين ولا زلت أرغب في المزيد".
أما الكتاب الذي أحبته مرام فهو كتاب، "قالت الوردة للسنونو" لزكريا تامر، "أسلوب سرد القصص جميل وممتع، أعجبتني فيه قصة تدور حول الحمار والأرنب تظهر ذكاء الأرنب، وكنت أتمنى أن أجد كتبا حول قصص الأنبياء حتى أستفيد منها في دراستي".



القراءة والحياة


وعن ما تصنعه القراءة من تغيير في حياة الواحد منّا قالت ابتسام أنه أصبح لديها شغف ورغبة كبيرة في الاستمرار في المشروع واستعارة الكتب الجديدة، "قبل إعلان هذا المشروع كنت أعاني من وجود فراغ كبير، ولا أجد ما أملأه به، وقد تعرفت الآن على كتّاب جدد مثل أزهار أحمد وتغريد النجار صاحبة قصص الأطفال، وبشرى خلفان صاحبة قصص صائد الفراشات الحزين، وحسين العبري صاحب رواية المعلقة الأخيرة، وغيرهم وقبل ذلك لم أكن أعرفهم كما حصلت على معلومات جديدة".
لم تكن صفاء ومرام في السابق تهتمان بالكتب أو بالمطالعة، لكنها أصبحت اليوم ممارسة مهمة في حياتهما، وكل واحدة منهما تسعى لأن تكبر المكتبة الصغيرة في بيتها ، بالاستعارة أو الشراء من المكتبات أو المعارض.

السبت، 25 سبتمبر 2010

شياطين الشاي*




بقلم محسن العبيدي الصفار

قديما لم يكن احد من الناس في أفغانستان يستعمل السكر مع الشاي وكان الناس يحلون الشاي بالفواكه الطبيعية ويستمتعون بطعم الشاي الأصلي دون أن يغيره السكر وفي احد الأيام قرر احد التجار الكبار ممن يتعاونون مع الانجليز أن يفتتح مصنعا للسكر في المدينة, وبالفعل قام بذلك ولكنه ومع بدء الإنتاج واجه مشكلة كبيرة تكمن في عدم رغبة أي احد في شراء السكر وبدأ المنتج يتكدس في المخازن والتاجر يزداد هلعا حتى راودته فكرة خبيثة وهي أن يستعين بأحد المتلبسين بعباءة الدين والدين منه براء وطلب منه أن يجد له حلا قبل أن يخترب بيته فوافق الأخير على طلبه بشرط أن يدفع له التاجر 10 % من قيمة كل السكر الذي سيبيعه , وافق التاجر بسرور, فما قيمة 10% مقابل أن ينقذ مصنعه ورأسماله من الإفلاس المحتم وبعد الاتفاق خرج الدجال وفكر بطريقة يقنع بها الناس بشراء السكر مستغلا إيمانهم وتدينهم وفطرتهم البريئة حتى تفتق فكره الخبيث عن فكرة شيطانية , وفي يوم الجمعة طلب الإذن من إمام المسجد أن يعتلي المنبر كي يقول شيئا هاما , اذن له الإمام بذلك وصعد صاحبنا على المنبر وقال :
- أيها الناس إني قد رأيت ليلة أمس في منامي احد ملائكة الرحمن وقد أمرني أن لا اشرب الشاي إلا مع السكر فانه من رحيق زهور الجنة ومن يشربه فله في كل رشفة ألف ثواب وفي كل كيلو يشتريه ألف ألف حسنة وانتم تعرفونني وتعرفون مدى زهدي وورعي واني أصدقكم الحديث والرؤيا اللهم إني قد بلغت اللهم فأشهد .
ما إن سمع الناس البسطاء هذا الكلام حتى هرعوا بعد الصلاة يطلبون السكر في كل دكان والكل يشتري أكثر من حاجته كي ينال ثوابا أكثر و ما هي إلا أيام حتى فرغت المخازن وعاد المصنع يعمل بكامل طاقته الإنتاجية ولا يكاد يستطيع أن يلبي الطلبات التي أخذت تنهال عليه من كل مكان .
ذهب مدعي الدين إلى التاجر كي يطالبه بحصته من الأرباح المتفق عليها ولكن التاجر الجشع استكثر عليه المبلغ وقال له:
- يا عزيزي كل ما فعلته هو إلقاء خطبة في الجامع لم تستغرق سوى دقيقتين ولا احد يعلم إن كان احد استمع إليها أم لا ولكني إنسان منصف وسأعطيك 1% من الأرباح بدلا من 10 % وهذا جل ما استطيع فعله لك .
خرج صاحبنا غاضبا على خسارته المبلغ الضخم الذي وعده به التاجر وعقد العزم على أن ينتقم منه شر انتقام فكرر فعلته وطلب من إمام المسجد أن يسمح له باعتلاء المنبر فخاطب الناس وقال:
- أيها الناس إني قد رأيت ملاكا في المنام أمس وقال لي حذار من هذا السكر الذي يباع عندكم فأنه مخلوط بعظام الموتى المطحونة ومن يضعه في الشاي فستكون الشياطين في قدحه طوال الوقت فحذاري حذاري, اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد .
ما إن سمع الناس هذا الكلام حتى ألقى كل منهم ما لديه من سكر في القمامة وألغيت الطلبات وعاد الكساد إلى مصنع التاجر وتملكه الرعب بعد السرور وعرف أن مدعي التدين قد انتقم منه شر انتقام فزاره في بيته واخذ يطيب خاطره وقال له :
- يا عزيزي هذا مزاح برئ ولم اعن أي كلمة قلتها وأنا تاجر شريف أفي بوعودي ولو على قطع رأسي والاتفاق الذي عقدناه محترم وهذه حصتك مما سبق بيعه وهذا تعهد خطي وعليه ختمي بحصتك فيما سيتم بيعه لاحقا فسارع وأنقذني قبل فوات الأوان .
اخذ صاحبنا النقود وفرح بها وكرر نفس فعلته وصعد إلى المنبر وخاطب الناس قائلا:
- أيها الناس قد شرفني الملاك بزيارة ثالثة وقال لي لم تضيعون ثواب شرب الشاي مع السكر؟ فقلت له وماذا عن الأرواح الخبيثة والشياطين؟ فقال لي هذه بسيطة تضعون ملعقة في الشاي وتضربون بها السكر فتطردون الشياطين وتنعمون بالثواب.
ومن يومها كل من لديه بضاعة كاسدة يبحث عن طريقة كي يلصقها بالدين مستغلا طيبة الناس وتعلقهم بدينهم فيفرغ جيوبهم ويملأ جيوبه على حساب بؤسهم وصحتهم .


* مقتبسة من التراث الأفغاني



الثلاثاء، 21 سبتمبر 2010

أمي



عشت مع أمي وأبي حياة جميلة، كانت مدرستي بعيدة وكنت أركب الدراجة الهوائية مع والدي وأذهب إلى المدرسة كل يوم، مات والدي وتساقطت حجارة منزلنا، صنعت أمي من حجارة منزلنا ومن الطين ألعاباً ودمى وكنت أساعدها، رأيتها تمزج دموعها بالطين والتراب، وكرهت بيع هذه الدمى، رسمت أمي وجميع الأمهات في العالم ورسمت قبر والدي وعلى حجارته الزهور والورود ورسمت جميع قبور الآباء في العالم، هنأ الجميع أمي لأنني أصبحت مبدعاً ومن كبار الرسامين، ولم يمسح أحد دموعها.

الاثنين، 20 سبتمبر 2010

قصة للأطفال: ماذا حدث للكيس؟


تنهد الكيس الأصفر البلاستيكي والمربع الشكل داخل صندوق القمامة الحديدي كان يعاني من الحر الشديد والروائح المزعجة وكانت بجواره دمية ممزقة الثوب ومكسورة الذراع فقال لها: " كان بإمكانهم الاحتفاظ بي واستخدامي مرة أخرى أو عدة مرات فليس بي أي ثقوب وجسمي قوي وما يزال يتحمل الأشياء الثقيلة"

تنهدت الدمية وبقيت صامتة وهي تنظر إليه.
شعر الكيس بالغضب والحزن ونظر إلى صديقته الدمية مجددا وقال: "أحلم برحلة طويلة حول العالم أرى فيها البحر والسماء والبساتين الخضراء والورود والعصافير، وربما أجد من يهتم بأمري"
وصاحت الدمية في وجهه " اذهب حيث تشاء أنا لن أذهب معك"
وفجأة اندفعت قطة جائعة داخل صندوق القمامة وحاولت العثور على بقايا بعض الأطعمة وأثناء بحثها قامت بإلقاء الكيس الأصفر خارج الصندوق.
ووقع الكيس على الأرض وتمنى أن يهب الهواء بقوة ويأخذه في رحلة جميلة إلا أن الهواء كان ساكنا ولم يتوقف الكيس عن الشكوى والتذمر فالحرارة أشد في الخارج.
ومرت حمامة برية بالقرب منه ووضعت رأسها داخل الكيس فقال لها: "مرحبا بك يا سيدة حمامة هل تحتاجين إلى كيس كبير وقوي؟"
قالت الحمامة: " أنا وزوجي العزيز نقوم ببناء عش لأطفالنا وأنت دافئ ولكنك كبير الحجم لن تنفعنا" وأخبرها بأنه يرغب في القيام برحلة طويلة فأخذته معها وطارت وبسبب حجمه الكبير لم تتمكن الحمامة من الاحتفاظ به وسقط في أحد الأنهار.
مياه النهر باردة ومنعشة وساعدته على إزالة الأوساخ العالقة به فشعر ببعض السعادة واندفع باتجاه التيار بعيدا بعيدا.
فتحت الغيوم أبوابها وصعدت نسمات لطيفة من وراء الجبال ووصلت إلى الكيس الأصفر فأرخى نفسه لكي تحمله النسمات بعيدا وطار في السماء وظل يعلو ويعلو حتى لم يعد باستطاعته رؤية النهر.
ورأى غيمة صغيرة أمامه فجلس فوقها يستريح ونظر حوله كان منظر الحقول والبساتين جميلا في الأسفل.
قالت الغيمة له: هل ترغب في القيام بجولة حول العالم معي فرد الكيس: "يسعدني ذلك كثيرا ولكنني أرغب أولا في رؤية ذلك البستان الجميل في الأسفل" وأرخى نفسه من جديد وكان الهواء خفيفا فسقط في البستان.
هناك شاهد مجموعة كبيرة من زهور القطيفة وكانت بألوان بيضاء وصفراء وحمراء وبرتقالية وزرقاء وانحنت نحوه زهرة قطيفة عجوز صفراء اللون ففتح فمه وسقطت بذورها بداخله.
وهبت الريح بقوة مجددا وأرخى الكيس نفسه فحملته الريح بعيدا والتقى بصديقته الغيمة مرة أخرى وقال لها: "ليتني أجد أحدا ينتفع بي" وقالت له الغيمة: "اعرف مدينة صغيرة وجميلة يسكنها رجل فنان يصنع طائرات ورقية جميلة سآخذك إلى منزله لعله يستفيد منك"
وتابع الكيس رحلته الجميلة مع الغيمة وأخبرته الغيمة بأنهم فوق المدينة التي يسكنها صديقها الفنان وعندما اقتربت الغيمة من منزل الفنان أرخى الكيس نفسه وسقط على عتبة نافذة المنزل بالقرب من إناء الزهور الكبير وكانت النافذة مفتوحة.
حين رأى الفنان صانع الطائرات الورقية الكيس ابتسم وقال: " ياله من كيس أصفر وجميل شكله مربع وهو قوي ويصلح لصناعة طائرة ورقية جميلة" وأخذه معه إلى الداخل.
وعندما فتح الكيس وجد بداخله بذور زهرة القطيفة وشعر الفنان بسعادة كبيرة وأخذ البذور ووضعها في إناء الزهور الكبير عند نافذته وأحب الكيس الأصفر هذا الفنان الطيب واللطيف كثيرا.
في اليوم التالي جلب الفنان معه خرامة ورق وقلم ومسطرة ومقص وأشرطة لاصقة وملونة وعلبة ألوان وعيدان غير متساوية في الطول وبكرة خيط كبيرة.
وضع الكيس على الطاولة واخذ القلم والمسطرة وقام بتحديد الزوايا التي يرغب فيها ووضع العلامات المناسبة ثم رسم خطوط واضحة فأصبحت العلامات متصلة وقام بقص الكيس ليأخذ شكلا هندسيا جديدا يتوافق مع شكل المعين وأحضر خرامة الورق وخرم أطراف الكيس.
أخبره الكيس الأصفر عن رحلته الرائعة بالتفصيل فرسم الفنان على ظهر الكيس نهرا متدفقا وبالقرب منه بستان جميل فيه الكثير من الزهور والورود، كما رسم غيمة بيضاء وحمامة برية وشمس ذهبية وترك الكيس لبعض الوقت حتى تجف الألوان. ثم أخذ العيدان وقام بتثبيتها في المكان المخروم كما زين الطائرة الجديدة بالأشرطة الملونة وثبت الخيط في جميع الجوانب،وربط الخيط في وسط الطائرة بقوة وهكذا تغير حال الكيس.
وقرر الفنان أن يشارك بطائرته الورقية في مهرجان الطائرات الورقية الذي تقيمه مدينته مرة كل عام ويجتمع فيه الصغار والكبار من كل مكان.



السبت، 18 سبتمبر 2010

هدايا ساعي البريد: موعد مع الحياة


كانت رحلتنا الأخيرة لأداء مناسك العمرة أكثر من رائعة وفي طريقنا إلى المدينة المنورة توقفنا في مطار الرياض حوالي 3 ساعات وقبل أن يقتلني الملل قمت بجولة في السوق الحرة وهناك وجدت ركنا كبيرا للقراءة وفيه كتب كثيرة ثقافية وعلمية، ودينية، متنوعة ويمكنكم استعارة وقراءة إي كتاب تختارونه ويناسب ميولكم واهتماماتكم والاطلاع عليه وأنتم نتنظرون الرحلة القادمة.جميلة هذه الفكرة وأتمنى تطبيقها في مطار مسقط الدولي يوما ما.

كذلك قمت بزيارة المكتبة الشرائية في السوق الحرة وأشتريت بعض الكتب منها الطبعة الثانية من كتاب عنوانه "موعد مع الحياة" الجزء الأول للدكتور خالد بن صالح المنيف وهو كتاب من القطع المتوسط في 272 صفحة ملون من الورق الفاخر ويشتمل على أكثر من 444 قصة ممتعة ومشهد معبر وصور ناطقة ومواقف نابضة بالحياة، وقد نشر بعضها في زاوية -قصة ومعنى- في صفحة تميز بلا حدود وزاوية صندوق الحكايات- في صفحة جدد حياتك من جريدة الجزيرة ,وهذا الكتاب خلاصة جهد سنوات من البحث والاطلاع والتنقيب جمع فيها مئات القصص والخلاصات وتجارب الآخرين التي تحوي على معانٍ عميقة و قيم راسخة وفوائد جمة اعتنى بصياغتها وتنقيحها ووضع عناوين مناسبة لها فخرجت بقالب مثير وأسلوب مشوق.
قصص الكتاب تحاول شحن القارئ بالقوة والإرادة وهناك مواقف تدعوه لطرد السلبية بالإضافة إلى مشاهد توقظ الطاقات وتشعل الحماس.
أثناء هذه الرحلة الممتعة والمفيدة مع حملة "إكرام" تعرفت على صديق جديد اسمه محمد مرتضى وهو شاب هادئ ومهذب، عمره 16 سنة وينتظره مستقبل جميل ومشرق إن شاء الله تعالى وقد شعرت بأن هذا الكتاب يناسب ميوله واهتماماته فقدمته له وأتمنى معرفة رأيه عن الكتاب في القريب العاجل وقد شاهدته وهو يقرأ صفحات منه أثناء عودتنا إلى مسقط وكان يشعر بسعادة كبيرة وأتمنى له كل التوفيق والنجاح.



الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

امرأة


تحضر في المكان وهي غائبة!
تلك هي المرأة التي تختلف عن النساء.
تلك هي المرأة التي لا تتكرر.

************

كل القصور.. كل الحدائق..كل الزوايا الحمراء..
تحيا عندما تطأها قدما امرأة.

************

تسكن في كل الأنحاء..
تحضر أنثوتها بكل كبرياء..
تقول كل الكلمات .. بلا كلمات

لطائف الكلام، د. أحمد عبد الملك  






الأحد، 5 سبتمبر 2010

بريد السما: قصة للدكتور محسن خضر*




ارتدي سترته السوداء‏,‏ بدأ جولته الليلية المعتادة تصفح وجهه برودة شارع جسر السويس تنتابه رعشة مبهجة تشمل تكوينه يستعيد ذكري لسعة هواء الصباح المبكر في عمر المدرسة الابتدائية‏.‏
يغادر منزل اسرته بمنطقة غمرة‏,‏ إما ان يشق شارع السكاكيني بإتساعه المزعج بترامه الحديدي او ينحرف الي شارع رمسيس الصاخب‏,‏ تقع مدرسة صقر قريش في مصب الشارعين المتلاقيين عند بوابتها الامامية‏,‏ تستغرق المسافة خمس دقائق او اقل اذا حث الخطي‏,‏ يرتدي المريلة البيج المصنوعة من التيل نادية حسب الزي الموحد لتلاميذ المرحلة الابتدائية ايامها‏.‏

قرآن السادسة من المذياع بصوت الشيخ الشعشاعي المنبعث من الحوانيت المفتوحة هو المحفور في ذاكرته من يومها‏,‏ أخه الاكبر وحده الذي يتجه في الطريق المقابل الي مدرسة محمود فهمي المعماري في الجهة المقابلة في وقت ما كان يصطحب اربعة من اخوته الاخرين ملتحقين بنفس مدرسته بعده‏,‏ ولكنه كان اول من تخرج فيها لينقص الموكب الصباحي واحد فواحدا بالترتيب‏.‏
بعد سنوات التعطل بعد التخرج في الجامعة التحق بشركة كيماويات حكومية‏..‏ سنوات مضت قبل ان يبيعوا الشركة لمستثمر اجنبي‏,‏ اصابته هوجة التصفية والاستغناء‏,‏ وعاد الي الشارع ثانية‏.‏
عزف عن استكمال دراسته العليا‏,‏ سيطرت عليه فكرة السفر سار في اتجاهين‏:‏ الحصول علي منحة من جامعة اجنبية لدراسة الدكتوراة او السفر شرقا الي الخليج للعمل قدم في اعلانات توظيف خليجية عشرات المرات ولم يوفق‏.‏
اصبح موزعا بين بريد الشرق وبريد الغرب فأيهما يأتي بالخلاص؟
يتذكر جيدا اليوم الفاصل كان يوم ثلاثاء‏..‏
منذ طفولته يهاب هذا اليوم‏,‏ فيه ماتت شقيقته الصغيرة آمال‏,‏ وفيه انهار منزل اسرته في غمرة مع أربعة منازل مجاورة في حادث مؤسف تناقلته الصحف اياما‏,‏ وفي مساء ثلاثاء انهي قصة حبه الكبيرة مع زميلته الجامعية‏,‏ وحتي طرده من شركة الكيماويات كان يوم ثلاثاء‏,‏ امتلكه هاجس ان موته يوم ثلاثاء سيكون‏.‏
استقبل برودة جسر السويس منتشيا تمهل قبل مغامرة عبور الشارع امام رتل السيارات المتدافعة بدا له اسم الشارع سخيفا‏,‏ الطريق يفضي في نهايته الي مدينة الاسماعيلية لا السويس‏,‏ يليق به اسم الفريق عزيز المصري كامتداد له‏,‏ عبر الشارع الفاصل بين مدخل مدينة ابوغزالة وناحية صبحي الحاتي‏,‏ عن يمينه مصعد ومهبط كوبري التجنيد‏,‏ دلف الي شارع ثم يمينا الي شارع راضي‏,‏ امام بناية صديقه الراحل عبد اللطيف زيدان قرأ الفاتحة‏.‏
افتقد نبله واهابه طويلا يشتاق اليه فيحلم به دوما‏,‏ كان اذاعيا ومترجما وقاصا مميزا‏,‏ الان يتجه يسارا الي بوابة نادي النصر عبر شارع احمد علي حسين متجها الي كشك صحف مهران بميدان المحكمة‏,‏ الساعة كانت تجاوزت نصف الثانية عشرة من صباح الاربعاء‏.‏
شعر بضربة خاطفة فوق كتفه الايمن‏,‏ وجد تحت قدمه القذيفة الغادرة‏,‏ كانت مشبك غسيل ازرق اللون في وسطه ورقة مطوية‏,‏ نظر يمينه فلم يجد الا نوافذ دار المسنين بطوابقها الخمسة مطفأة الاضواء داس بقدمه علي المشبك مغتاظا ومحاولا هرسه الا ان إغراء الورقة المطوية استوقفه فرد الورقة وقرأ ما يشبه الرسالة‏.‏
عزيزي‏...‏
راقبتك مرارا في نفس المكان ونفس التوقيت بدا كتفاك‏.....‏ وكأنك تحمل جبلا فوقهما ما فات فات‏,‏ ومامات مات‏,‏ هل تقطف ثمارا لم نبذر بذرتها؟‏..‏
هل ـ نطير بأجنحة ليست لنا بل ثبتها الاخرون في اجسادنا‏..‏ ما رأيك؟
بدا لغز الرسالة وظروفها وفحواها دس المشبك والرسالة في جيبه ونسي امرها في الايام التالية تكررت القذائف المجهولة كثيرا ما كانت تطيح بعيدا عنه الا انه استنتج انه المقصود بها عندما يرفع عينيه سريعا لم يلحق اليد التي قذفتها شده الامر تماما وبدا انه يعيش مشهدا من الف ليلة او لغزا مركبا‏.‏
ليلة أخري‏..‏ رسالة جديدة‏..‏
عزيزي‏...‏
تعودت ان اكتب رسالتي وانا مستمعة الي اغنية ثومة في الخاتمة في نهاية بث محطتها اليوم غنت انا في انتظارك وبالامس شدت بـ اسأل روحك‏..‏ افضل دوما كلمات رامي مع ألحان السنباطي او كلمات بيرم التونسي مع ألحان زكريا احمد‏..‏ بليغ عادة ينسجم مع عبد الوهاب محمد وربما مأمون الشناوي‏,‏ اما عبد الوهاب فينفتح علي اي مؤلف فهو ذكي ومرن‏.‏
بالمناسبة‏,‏ هل سمعت عن زميلتي سلوي حجازي‏,‏ كانت وردة التلفاز في عصرنا اسقط الإسرائيليون الطائرة التي ستقلها اثناء عودتها من ليبيا سنة‏1973‏ م ضل الطيار طريقة حلق في سيناء‏,‏ كان معها وزير خارجية ليبيا ووفد من بعثة التلفاز‏.‏
اعلق صورتها في حجرتي دوما سل والدك عنها فربما لم تكن قد ولدت بعد يومها‏.‏
لا ارتجي منك سوي الاصغاء لا اجد من اتحدث معه مزق رسائلي المتطفلة بعد قراءتها لاقبلها من فضلك‏.‏
بالتكرار ادمن رسائلها‏,‏ هل ساق القدر بريد السماء كما اسماها لتوقف حالة التوهان والاحباط التي تفتته زلة ان يقتحم احد خصوصيتك والثانية ان يكون مجهولا والثالثة انه لاتسنح له فرصة الرد بدت المسألة مشهدا ساخرا في مسرحية كوميدية‏.‏
يفضل سماع شرائط عبد الحليم وفيروز ولكنه ضبط نفسه يضبط المؤشر علي محطة ام كلثوم‏,‏ منتظرا اغنية الختام‏,‏ وربما لو تذكر لسمع اغنية الاستهلال في الخامسة عصرا كما تعود وقت الاستذكار في سنوات الجامعة‏.‏
بعد ان تصعد الجبل بخفة ان تسقط الصخرة كما اشقت بروميثيوس لكن قد تكتشف سقوط حقيبتك او هاتفك او فردة حذائك فماذا ستفعل؟‏..‏ هل ستهبط ام تنسي المسألة برمتها؟
في يوم تال تأخر في المقهي ـ اسرع الخطي مهرولا الي ميدان المحكمة مر علي منزل عبد اللطيف زيدان وقرأ الفاتحة كعهده‏..‏ عندما وصل إلي شارع نادي النصر وجد رسالة الليلة ملقاة في مكانها المعهود‏,‏ رفع رأسه ولم يجد الا النوافذ مطفأة‏.‏
كانت الواحدة والنصف صباحا قرأ الرسالة من فوره في المسافة الفاصلة بينه وبين كشك الصحف‏.‏
عزيزي‏...‏
من حقك ان تسألني من أنا؟
انا يا صديقي مذيعة تلفاز معروفة بل لعلي كنت في الستينيات والسبعينيات اشهر مذيعاته النزيلات في الدار يلتفون حولي دوما ويذكرونني ببرامجي‏,‏ ولعلي نسيت بعضها‏,‏ يذكرون حلقات كنت استضيف فيها اشهر فناني ومثقفي وساسة البلد ياه تاريخ‏,‏ مات ابني الاكبر وكان طبيبا في تفجير ارهابي مجنون اثناء سيره في ميدان عبد المنعم رياض‏,‏ وبعدها رحل زوجي‏,‏ الرجال في شرقنا يموتون قبل نسائهم بخمس او سبع سنوات عادة سافرت ابنتي خريجة مدارس الفرير كأمها ثم درست بالجامعة الأمريكية وسافرت الي الولايات المتحدة للدراسة وتزوجت زميل دراسة ايطاليا وتخصصت في المسرح ودرسته لاحقا هناك‏,‏ عندما تقدمت في العمر‏,‏ بدت الكوارث تتحدي متلاحقة اقمت بمفردي في عام‏,‏ لم يعد ما يربطني الكثير بها‏,‏ كان اختياري دار المسنين حلا معقولا‏.‏
تنازلت عن شقتي الواسعة بعمارة راقية لصاحب البناية واخترت ان اقضي بقية عمري في القراءة والتعبد هل يهمك معرفة عمري؟ لايهم‏..‏ هذه قصتي باختصار‏..‏
خمن انها تقيم في الطابق الرابع او الخامس من دار المسنين‏.‏
المسافة والزاوية التي تقطعها رسالة السماء تشي بذلك‏,‏ راجع اسماء من يعرفهم من الرعيل الشهير لمذيعي التلفاز‏,‏ استبعد بعض من مات والبعض من هاجر او مازال نشاطه في اللجان والمجالس او الكتابة للصحف لم يوفق تماما في تحديد شخصيتها‏.‏
اتسعت مساحة الرسالة المجهولة في خواء حياته يقطع الوقت الثقيل منتظرا قدوم الليل لابد انها تحتفظ ببقايا جمال يليق بمذيعة خمن عمرها ما بين البقية كانت في العشرينيات من عمرها عندما ظهرت قبل اربعين او خمسين عاما‏.‏
لايخجل من الاعتراف بانها تسللت الي حلمه‏,‏ وبدا يراها بشعر اشيب ووجه غير محدد‏,‏ بدا بريد السماء النقطة التي تتمحور ايامه حولها فقد حماسه بعض شئ لمخاطبة جهات العمل والدراسة في الشرق والغرب وان ظل مواظبا علي قراءة اعلانات الصحف ومتابعة الانترنت وان كان بالية باردة‏.‏
عزيزي‏...‏
ما يميزني عنك غير العمر والشهرة‏,‏ مساحة الحلم جيلنا كان يحلم احلاما عظيمة انا بنت الثورة‏,‏ ولم تكن اغاني حليم‏,‏ واحلام صلاح جاهين واحمد شفيق كامل ومرسي جميل عزيز وهما‏,‏ حلمنا بمصر جديدة‏,‏ وبأمة عربية ناهضة‏,‏ وبعالم حر ومسالم‏,‏ صحيح ان الهزيمة صدمتنا ولكننا لم نندم يوما علي الحلم‏,‏ هل سمعت عن شعب في العالم حارب من اجل اقامة سد للعمران والخير؟‏..‏ كل مدرسة ومصنع ومستشفي كانت تعبيرا عن الحلم وكانت طلة عبد الناصر وهو يخطب في الحشود بوابة للحلم والعمل‏.‏
هل يدرك جيلك معني الكرامة والعزة؟ هي مفردات عشناها وقدسناها ودخلت في تكوين دمانا وخلايانا هل وهم الصلع واخر الحروب مربط الفرس؟
جيلكم لم يعد يحلم ما لديك رغبات او حاجات اقرأ الصحف واتابع المذياع والفضائيات احزن لان شعبنا وامتنا كفت عن الحلم اصبحنا نحلم برغيف او كوب مياه نظيف أو علاج مجاني‏,‏ هذه رغبات أقرب إلي حياة كائنات لا إنسانية هل سألت نفسك لماذا عقمنا الحلم؟‏.‏
من الأنانية أن تخاطب الآخرين ولا يسمعون صوتك‏,‏ ومع ذلك يرضيه أن ما يقوم به مهما ولو لإنسان واحد في هذا العالم‏,‏ مجرد أن تكون أذنا واسعة تسمع لكن وراء الحديث توجد شحنة من ألفة وثقة وتعاطف‏.‏
فكر أن يقابلها‏,‏ ولكن كيف يهتدي إليها‏,‏ ربما تقوده إليها شهرتها في الدار ولكن ما عاقبة لو فعلها واقتحم حياتها دون استئذان‏.‏
يحدد شكل العلاقة مضمونها‏,‏ وألا يشي شكلها بمضمون محدد ليس من حقه أن يتجاوزه‏,‏ يؤرخ في الخطابات حسب اليوم والتاريخ والساعة‏..‏ تتكاثر مشابك الغسيل الزرقاء اللون في مكتبه‏,‏ يعيد قراءة الخطابات عدة مرات محافظا علي الترتيب‏,‏ تأمل خطها الرفيع الذي يخلو من أخطاء لغوية تليق بمثقفة متمكنة‏.‏
عزيزي‏..‏ هل فكرت يوما في جغرافية المكان؟ لا أقصد عبقريته كما يقصد جمال حمدان في البناية الخامسة بعد الحاتي بخصوصيته‏,‏ وأمام المريلاند كانت تقطن لبني عبد العزيز في الوسادة الخالية‏,‏ وكان حليم يسير علي الرصيف المقابل‏,‏ بموازاة حديقة المريلاند‏,‏ وكانت هذه المنطقة منطقة لسباق الخيول حتي الخمسينيات‏.‏
أما المكان الذي يتقابلان فيه ويرسمان قلبا علي شجرة‏,‏ فكانت منطقة مهجورة داخل حديقة المريلاند حاليا‏,‏ مازال مسكن عبد الحليم في الفيلم في شارع العزيز بالله قائما حتي الآن‏,‏ رقم‏10‏ بجوار مسكن شيخ الأزهر الراحل عبد الحليم محمود‏,‏ وكان يصعد الدرج وهو يغني أول مرة تحب ياقلبي أما اسطبل خيول فريد الأطرش فيقع بجوار الكنيسة الصغيرة بأول شارع جسر السويس بعد اشارة القبة‏,‏ صورت فاتن حمامة وعمر الشريف فيلم سيدة القصر في قصر الطاهرة‏,‏ وكذلك كانت سرايا زكي رستم في فيلم صراع في الوادي‏,‏ أما استراحة أحمد مظهر مهندس الري في فيلم دعاء الكروان فصورت داخل فيلا محمود مرسي القديمة بشارع ترعة الجبل‏,‏ هل تعرف تاريخ المنطقة التي تحيط بنا؟
مبني المحكمة نفسه كان مدفنا‏,‏ وكانت المحكمة آخر حدود مصر الجديدة من جهة الغرب حتي الخمسينيات‏.‏ ومكان كازينو غرناطة بروكسي صور مشهد استعراض سلاح الفرسان الملكي الشهير في فيلم نهر الحب والذي يسقط فيه عمر الشريف من فوق حصانه‏,‏ كان المكان في الحقيقة مضمار الخيول الذي كان الملك فاروق يحضر فيه عروض سلاح الفرسان‏.‏
هل تعرف هذا التاريخ؟
يحسد الراسلة المجهولة علي دأبها علي الكتابة‏,‏ تكتب يوميا كأنها تتنفس أحيانا‏..‏ تدخل مفردة فرنسية في سطورها لتجسد المعني المحدد في ذهنها‏,‏ يلجأ إلي قاموس فرنسي لترجمة الكلمة التي تكتبها بخطوط أنيقة متشابكة‏.‏
هو الذي يشعر بغربة في الزمان والمكان‏,‏ يحدق في وجوه البشر‏,‏ فيجدها كابية منكسرة‏,‏ في مترو الأنفاق يلمح بسهولة هذه العتمة التي تكسي وجوه بني واصفهالعيون مطفأة والحوار علي ندرته صاخب وعدواني لكنه يخمد بسرعة استوقفه تعبير لكاتب ساخر في صحيفة مستقلة الناس مربوطة‏.‏
يجتهد في فهم ظواهر غريبة‏:‏ خطف الأطفال لاقتطاع أعضائهم‏,‏ بيع اليائسين لأعضائهم‏,‏الموت كمدا في طوابير الخبز والمعاشات‏,‏ التحرش بالفتيات جهارا نهارا في الشوارع‏,‏ هوس الكرة نصر وهزيمة‏,‏ هوس أجهزة المحمول‏,‏ وباء الدروس الخصوصية وهجر الفصول‏,‏ مؤشر الطلاق والعنوسة والزواج العرفي والبطالة والفساد يلهث في جنون‏.‏
ما يؤرقه أكثر هو عجزه عن الحب‏,‏ انضبت عواطفه أم مسخت النساء‏!‏ الجمل النادرة التي يتبادلها مع أفراد أسرته تؤشر لجفاف آخر‏,‏ حتي الأصدقاء تبادلوا واختفوا‏,‏ أتظل المدينة سحابة عجز تاريخية؟
عزيزي‏..‏
سأقرأ عليك عناوين بعض قراءاتي الأخيرة‏,‏ سأستبعد الكتب الفرنسية فربما لا تعرفها‏,‏ غرفتي في الدار مكدسة بعشرات الكتب وأكاد أتحرك فيها بمشقة‏,‏ تحول الأمر إلي تندر المشرفين‏,‏ والنزلاء يسمونني هنا الجبرتي‏,‏ احتفظ بمجموعات كاملة لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم وعبد الحليم عبد الله‏,‏ أحيانا تهفو نفسي إلي أشعار المتنبي وابن الرومي وأبي نواس‏,‏ احفظ مجموعة كاملة من أشعار إبراهيم ناجي‏,‏ وصلاح عبد الصبور ونزار والبياتي والسياب‏,‏ مجموعة مؤلفات جبران الكاملة لدي‏,‏ يجذبني المازني بشكل خاص وكذلك كامل الشناوي‏,‏ لا أتابع الجديد دوما‏,‏ ولكن اقرأ لصنع الله والغيطاني وبهاء طاهر ورضوي عاشور‏,‏ احتفظ بعبقرية مصر لجمال حمدان وبعض مؤلفات المسيري‏,‏ وكل دراسات سيد عويس وزكي نجيب محمود وأحمد بهاء الدين‏,‏ هل تعرف هذه الاسماء؟
جاهل كبير‏..‏ ليعترف دون خجل‏.‏
بدأ يتردد علي مكتبات مصر الجديدة والزيتون وأحيانا يستعير من أصدقائه أو يذهب إلي دار الكتب بالكورنيش ليقرأ نماذج كتابات لهذه الاسماء التي ذكرتها في رسائلها‏,‏ هل يعزي الأمر إلي دراسته العلمية الجافة؟‏.‏ لاحظ أن جيله لا يقرأ إلا الصحف يعتمد علي ما يلتقطه من شذرات من الشاشة والحاسوب‏.‏
بدا العالم متسعا‏,‏ ومحيط الأفكار لا قرار له‏,‏ وأنه يتغير وإن كان الأمر ببطء ولكنه محسوس وحقيقي‏.‏
ما أرقه أن رسائلها توقفت فجأة‏,‏ يمسح الشارع في موعده اليومي دون أن يلتقط المشبك الأزرق المعتاد‏,‏ شطره قلق وارتياب واقعي حائرا لا يجيد التصرف‏.‏
وأشرقت شمس منتصف الليل بعد أسبوع التقط المشبك وفض الرسالة متلهفا‏.‏
عزيزي‏....‏
آسفة لانقطاعي‏,‏ كنت متوعكة قليلا‏,‏ لا أرغب في مضايقتك‏,‏ أعاني من ضعف حالة قلبي منذ سنوات‏,‏ وأقاوم‏.‏ أعرف أن المتبقي قليل‏,‏ وأن القادم اسوأ‏,‏ اتشبث بالأمل‏,‏ أتصدق أنني عضوة في نادي هليوبوليس منذ زمن بعيد‏,‏ ومع ذلك لم أدخله منذ سنوات‏,‏ ربما أحرص علي زيارة مدفن الأسرة بالبساتين في الذكري السنوية لزوجي وابني‏,‏ وربما ثاني أيام العيد‏:‏ لا أتابع التلفاز إلا القناة الفرنسية‏,‏ وقد انتقل بين روتانا زمان والجزيرة وبعض القنوات الدينية‏,‏ أنا مدمنة مذياع‏,‏ لا اطفئه إلا عند النوم‏,‏ وربما اتركه علي موجة البرنامج الموسيقي‏,‏ للتلفاز غوايته ولكن المذياع يطفأ ولا أخشي الموت‏,‏ لا يقلقني إلا قسوة ابنتي التي تتباعد مكالماتها الهاتفية‏,‏ لم أرها منذ خمس سنوات‏,‏ الموت يعني لقاء من احببت وفقدت‏,‏ اسأل نفسي دوما‏:‏ هل سيغفر الله أخطائي وذنوبي؟ لست شريرة ولكنني اتشكك أحيانا في الأمر‏,‏ لكن رحمة الله أكبر وأوسع‏.‏
يغمرني امتنان كبير تجاهك‏,‏ أبصرك متخفية تلتقط رسائلي بانتظام‏,‏ ويبدو أن الأمر يروق لك‏,‏ انتظامك اليومي في الحضور في نفس التوقيت‏,‏ هل يدهشك أنني كتبت نعيي واعطيته للإخصائي الاجتماعي بالدار ونقدته مبلغا كبيرا لنشره في الأهرام بعد وفاتي‏,‏ قد يكون مفاجأة لك‏.‏
لمح طيفها ذات يوم‏,‏ كانت تلقي برسالة السماء المعتادة‏,‏ صوت اغلاق النافذة استرعي انتباهه‏,‏ حركة جسدها نحو الداخل كانت مرتبكة‏,‏ تأكد من خلو الشارع من المارة‏.‏
مرت أيام منتظمة‏.‏
بات منقبضا هذه الليلة‏....‏
فترة انقطاع جديدة‏.‏ طالت هذه المرة‏..‏
أصاب بنيانه خلل‏,‏ كدر صفوه هاجس‏,‏ عدد بريد السماء‏,‏ وجد أن لديه‏32‏ رسالة صاغت عالما ملونا في حياته‏.‏
اكتشفت أنه أعاد هندسة عالمه‏,‏ بدأ يعي معني مختلفا لوجوده وحيزه اعتوره تغير‏,‏ بدا أقل تبرما وأكثر صبرا وتفاؤلا‏.‏
القاعدة شذت هذه المرة‏.‏
يوم الثلاثاء هذه المرة كان مميزا‏,‏ تلقي علي بريده الالكتروني رسالتين‏:‏ الأولي من شركة بتروكيماويات قطرية تخبره بالتعاقد معها‏,‏ والثانية من جامعة اسكتلندية ترشحه لمنحة دراسية في مجال البوليمرات‏.‏
في الليل مني بخفي حنين وهو يمر بشارعها شارع نادي النصر‏,‏ كانت النوافذ مطفأة وأغلقت مصلحة بريد السماء لأجل غير مسمي‏,‏ أنامله التي تقلب صحف الطبعة الأولي تسللت بلؤم إلي صفحة النعي بالأهرام لقومنا تقليد عريق في الاحتفاء بالموت‏,‏ فهل يحتفون بالحياة نفسها؟ وأيهما يحتاج لشجاعة أكبر الحياة أم الموت؟
بوصلته الخفية كانت صادقة ـ صورتها في أعلي الصفحة مذيلة باسمها‏,‏ الآن ميزها أدرك كينونتها وحقيقتها‏.‏ فاجأه الاسم الشهير‏,‏ وصاحبة الطلة بابتسامتها الوضاءة الشمسية‏,‏ كانت هي إذن استوقفته نهاية النعي‏,‏ اقتصر العزاء علي قراءة الفاتحة لها‏,‏ قريبة‏..‏ ونسيبة‏..‏ وصديقة عابر ليل‏,‏ كانت تقصده وتودعه هو عابر الليل‏.‏ الآن فقط امتلأ عالمه بخواء كبير‏.‏
‏..............................‏

* أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس‏.‏

صدرت له ثلاث مجموعات قصصيه هي‏:‏ سأعود متأخرا هذا المساء والربع الخالي وسأسميك بهاء‏.‏ قاص وناقد ويكتب للاطفال‏.‏

العدد 26 من مجلة (نجايل)



يتواصل المشروع المتميز لمنتديات المتكأ الثقافي وقد صدر العدد السّادس والعشرون من مجلّة (نجايل) الثّقافيّة الدّوريّة في حُلّةٍ أنيقةٍ تنتظر اطّلاعكُم عليها. ضمّ هذا العدد نُخبةً من النّصوص الأدبيّة والأخبار وتغطيات الفعاليات الثّقافيّة، كلن من أبرزها العناوين التّالية:



- البحرين تستعيد ذاكرتها الثّقافيّة ب"طريق اللؤلؤ".


- أمسية الشّاعر السّوري منذر مصري بأسرة الأدباء والكتّاب البحرينيّة.


- الشّاعرة ليلى السيّد في أولى فعاليات (لقاء الشّعر) في البارح.


- لقاء المتكأ مع الفنّان المسرحي البحريني عبد الله سويد.


- قراءة في نصوص أحمد المؤذّن.


- لون الوطن: مُلتقى أصيلة وتلاقي الثّقافات العالميّة.


- فولتير: " أعطني مسرحًا، أعطيك شعبّا مُثقّفًا"


والمزيد من الأبواب والمواضيع الشيّقة في مُختلف أوجه الأدب والفنّ والثّقافة.


صورة الغلاف الأمامي بعدسة/ مُؤيّد أحمد.


مُدير التّحرير/ عبد العزيز الموسوي.


رئيس التّحرير/ أمينة الحماقي.


تصميم/ حسين مرضي.

ورابط المجلة كالتالي:

http://www.mutak2.com/mutak2up/uploads/12831888711.pdf

لا تذهب إلى المكتبة

http://www.youtube.com/watch?v=cg_k7ueM4tg

الخميس، 2 سبتمبر 2010

هدايا ساعي البريد: نسيم الجناح


بدأت خطوتي الأولى اليوم وقمت بتوزيع بعض الكتب التي لدي من خلال هذه المدونة، وقد قدمت أول كتاب للتوأم الثلاثة علي، وزهراء، وجواد وهو عبارة عن قصة بعنوان نسيم الجناح تأليف الشاعر الفرنسي الكبير بول إيلوار وإصدار دار الفتى العربي.
وقد أخبرني كل من علي وجواد بأنهم يقرأون الكتب المدرسية فقط ولكن زهراء تحب قراءة الكتب الأخرى وسأنتظر رأيها حول هذا الكتاب.
الطبعة التي عثرت عليها قديمة والنسخ التي حصلت عليها قليلة ودار الفتى العربي قدمت الكثير من الابداعات في مجال أدب الطفل العربي والعالمي خاصة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وللأسف الشديد فقد توقف نشاط هذه الدار ولا أدري ما الأسباب؟!
أتمنى أن تقوم دور النشر الجديدة بإعادة طباعة هذه الكتب القيمة فالأجيال الجديدة بحاجة إليها.
وأما عن كيفية حصولي على هذا الكتاب بالإضافة إلى الكتب الأخرى التي أصدرتها هذه الدار فتلك قصة سأستعرضها لاحقا من خلال هذه المدونة وحكايتي مع غبار المكتبات لا تنتهي.

الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

ها أنا ذا!


ينتصب في هذه الدنيا إنسان بين الفينة والفينة
فيبسط ثروته ويهتف قائلا: ها أنا ذا!
ويدوم عزّه دوام حلم مصدوع، فالموت يكون انتصب وهتف قائلا: ها أنا ذا!

سمرقند، أمين معلوف