الأربعاء، 31 يوليو 2013

سمو





قد يسمو الكاتب فوق الزمان والمكان، فيكون كالنجم الخالد الذين يمكن أن نلاحظه في أزمان مختلفة وفي أماكن متباعدة، ويبقى دوره هو أن يبهر الناظر إليه ويشد المتطلع نحوه.

د. طيبة الشذر

عضو هيئة التدريس بكلية الآداب، جامعة الكويت.

الأربعاء، 24 يوليو 2013

في حب الرسول "ص"






قد لا تكون لهذه المبادرة أي علاقة بنشاط المدونة ولكنني أحب التطرق إليها بشيء من التفصيل، لقد قام أخي وصديق طفولتي أبو جعفر محمد بن علي اللواتي بتأسيس مجموعة في "الواتس آب" باسم أبناء عمان وتضم هذه المجموعة أصدقاء وزملاء لنا من المرحلة الابتدائية وإلى المرحلة الجامعية بالإضافة إلى بعض الأساتذة والأخوة الذين تعرف عليهم في مناسبات مختلفة. مزايا هذه المجموعة كثيرة فهم شباب يؤمنون بأهمية الإبداع والأفكار الجديدة ويجمعهم حب الوطن.

منذ مدة طرح الأخ العزيز أبو جعفر فكرة توزيع 300 وردة مع أحاديث نبوية شريفة للرسول الكريم صل الله عليه وأله وسلم باللغتين العربية والإنجليزية وتتضمن هذه الأحاديث الكثير من مكارم الأخلاق وجوانب الدين المعاملة بحيث نقوم بتوزيعها في أماكن متفرقة من مسقط على السياح وبعض المقيمين في السلطنة من غير المسلمين لكي نعرفهم على نبي الرحمة ورسول الإنسانية وسيد مكارم الأخلاق عليه وعلى آله وصحبه أفضل السلام وأزكى التسليم. ومع الأسف لم نتمكن من تطبيق هذه الفكرة أثناء احتفالات السلطنة والعالم الإسلامي بالمولد الشريف.

قمت بإعادة طرح الفكرة نفسها منذ أيام ولكن بطريقة مختلفة وهي أن نقوم بتوزيع سلال صغيرة فيها حلويات وأحاديث شريفة قبل وبعد المنتصف من شهر رمضان الجاري والحمد لله الفكرة لاقت استحسانا من جميع أعضاء المجموعة وكذلك المجموعات الأخرى في "الواتس آب" بعض الأخوة تبرعوا بمبالغ وقاموا بتجميع الأحاديث من مصادر إسلامية موثوقة ومتنوعة  وبلغ عدد هذه الأحاديث 80 حديثا شريفا، هناك أخوات تبرعوا بحلويات وقاموا بتوفير السلال وإعدادها بالشكل اللائق وهناك مجموعة أخرى قامت بتوزيعها على الفئة المستهدفة في أماكن متفرقة، وقد شجعتنا هذه التجربة لتقديم المزيد من الأفكار في المولد النبوي الشريف في السنة الهجرية القادمة وأرى بأن هذه الفكرة تحمل الكثير من السلام والمحبة وتعكس الكثير من الأفكار الإيجابية عن ديننا الإسلامي والذي كله إنسانية ورحمة لجميع البشر في كل مكان وزمان.

الأربعاء، 17 يوليو 2013

لدي "هامستر" وأحبه!







 
سلمى بنت مصطفى اللواتية

 

سعر الواحدة : 150 ريالاً هكذا قالت.. وأخبرتني كذلك أن إفطار أسرة بالمستوى المتوسط في شهر رمضان يكلف ما مقداره أربعون ريالاً عمانياً، بحسبةٍ بسيطة المبلغ الأول يكفي لإطعام أربع أسر صائمةٍ تقريباً..
ولكن ما هذا الذي سعره مائة وخمسون ريالاً؟؟ في أوهن ما قد أفكر به لم أكن أتصور أن يشترى به "قط" !!! أي مقارنة يمكن أنْ تُعقد هنا؟؟!! وهل هناك مقارنة ٌأصلاً ؟؟!!
ولدي ّ"هامستر" وأحبه (وهو حيوان بين الفأر والأرنب) !!! "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم" !! جهل يستورد الطعام والشراب واللباس والأثاث، وحتى الفكر والهواية والاهتمامات!! وأقصى علاقته مع اللغة العربية الامتحان النهائي للصف المدرسي الأخير أما الدين فيأتي تباعاً كلما تقدم بالشاب أو الشابة العمر!!، ويستورد حتى صداقة الحيوانات والأنس بالقطط والفئران من حضارة الميكي ماوس!! فإذن ما الذي بقي من الهوية أيها العقلاء؟!
لست ضد اقتناء الحيوانات الأليفة في المنازل – وإن كانت لي في الأمر وجهة نظر مفصلة، ليس هنا محلها – ولكنني أتابع الأمر بعينين، عين تراقب فقراء الكون، وأخرى تنظر إلى الآية الكريمة قال تعالى :" وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" الإسراء آية (16). هل يا ترى يجوز عقلاً– ولا أتكلم عن حكم شرعي- هل يجوز أن تصرف مئات الريالات على تربية القطط والفئران، في حين يمكن أن تسد هذه المبالغ جوع بشر أهلكتهم المجاعة والحروب والفقر والحاجة على ظهر هذا الكوكب؟!
أي سطحية فكرية نقتات عليها حين تقع أموالنا في هكذا مواضع ولا نفكر بإقامة مشروع مخلص يخدم الوطن والأمة أو الإنسانية جمعاء؛ فيرتقي بروحها وفكرها ويفجر طاقتها الإبداعية في الجوانب العلمية والأدبية ليبني حضارة وينهض بهمم، أو ليكن مشروعاً يهدف إلى إنهاء مأساة الفقر واليتم مثلاً.
أذكر زيارتي لدار الرعاية الاجتماعية وأذكر تلك النظرات التائهة الباحثة عن أسرة كاملة مكونة من أب وأم وقبلها زيارتي لرضيع يتيم فاقد الأبوين في المستشفى السلطاني كل ما يسليه صوت الراديو في الغرفة الموحشة، رأيته ومقلتيه لا تثبتان على نقطة ما كأنما تبحثان عن دفء ضائع ولم تهدأ تلك العينان حتى مسحت بيديّ على رأس اليتيم وتلوت له بضع آيات من الذكر الحكيم، طفل علمت فيما بعد أن مصيره كان دور الرعاية الاجتماعية كمن سبقوه إلا من رحم ممن يجد ثريًا حُرم نعمة الإنجاب.
الإسلام ليس دين المواسم والمناسبات نحيا روحانياته حيثما دارت معايشنا، إنّ الإسلام يرسم أدق تفاصيل الحياة الإنسانية التي يجب أن يسلكها الفرد ، لأنه – أي الإنسان- محور الكون وأساس الحياة فيه، وإلا ماذا كان ينقص الكون حين اكتمل إبداع الخلق فيه وكان النداء الإلهي :" إني جاعل في الأرض خليفة " لقد كان ينقصه بانيه والمستفيد الأهم من خيراته وكنوزه، وكأنّه الجوهرة الأخيرة الأجمل التي كان يجب أن تزين تاج الخلق. أفلا يليق بصاحب التكريم هذا أن يرتفع سقف طموحه ليناطح علو السماء ويوازي فسحة الكون في عمومه وشموله؟! كأنْ يرفع راية المساواة في الحقوق المعيشية الأولية للبشرية جمعاء؟! ولتكن نقطة البداية من ذاته في توزيع الثروة بأسلوب منظم يضمن العيش الكريم لأخيه الإنسان المحروم .
إنّ من المشاريع الاجتماعية المنظمة لحياة المجتمع والهادفة إلى التوزيع العادل للثروة تلك التي أطلق نداءها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في قوله :" أنا وكافل اليتيم كهاتين " وضم السبابة والوسطى أليس حرياً بأموالنا الفائضة أن تنفق في هكذا مصارف ؟؟ بل والله الأجدر أن نجعل برامجنا العطائية من أساسيات نفقاتنا الملزمة، غير أننا سنقبل بها من أية ميزانية كانت، فذاك شأن الإنسان مع نفسه كيف يروضها.
ومن هذا المنطلق الإسلامي الإنساني النبيل أطرح مشروعًا وللقراء الأجلاء حرية الاستفادة منه والذي نواته إقامة لجنة أو مجموعة -وفق القوانين المنظمة في البلاد - تكون صلة بين من يمتلك 150 ريالاً لقطه -الذي أتمنى أنه استغنى عنه- وبين من حُرم نعمة الولد والمال ويرجو أن ينال شرف تربية يتيم، يشعر معه بالأبوة والأمومة ويخرج طفلاً من فاجعة اليتم ومأساته، على أن تتكون تلك اللجنة أو المجموعة من مرشدين نفسيين وعلماء دين واجتماع، وآخرين ربما ممن تستلزم جودة العمل انضمامهم.وليكن من مهامها إقامة مشاريع تجارية لصالح الإنفاق على الأيتام والمحرومين يعمل فيها من بلغ منهم سن العمل القانوني ويستفيد منها آخرون وفي نفس الوقت بهكذا أفكار وغيرها من الأفكار المثمرة سنتجاوز الكثير من المشاكل التي تنتج لاحقاً في المجتمع كالأمراض النفسية والأزمات المالية التي قد يمر بها أبناء دور الرعاية الاجتماعية ومن المؤكد أننا سنسهم في توفير العمل وخفض نسبة البطالة خاصة بين الفئات المستفيدة ونساهم في تطبيق جزء من مفهوم التكافل الاجتماعي الذي أمرنا به، ومن ناحية أخرى فإننا حينها نمارس المواطنة الصالحة في أروع صورها. هذا هو المنهج الإسلامي القائم على بناء النفس الإنسانية لتساهم في رسم خطوط الحضارة والرخاء البشري، والذي يعتبر الأرض وما عليها مسخر للإنسان بما فيه المال، الذي سنسأل عن أين أنفقناه !
غير أن هذه الأمور لا تتحقق لو استمر دين المترفين في مجتمعاتنا الإسلامية؛ إنّه من المخجل حقاً أن نسكن قصورنا العاجية ونتكلم عن مبادئ القناعة والعطاء والبذل، ثم ننفق الفائض من أموالنا على حاجاتنا المترفة وحاجات حيواناتنا ومظاهرنا الاجتماعية الكذابة، هل ترانا سنقترب حينها من روح الإسلام ؟؟!!
إنّ المرور على منازل الفقراء ومجالستهم وتفقّد حاجاتهم واحتياجاتهم وهذا اللمس المباشر والقرب من حيواتهم سيكون بلا شك جديرًا بأن يغير الكثير من أنماط حياتنا وسينقلنا إلى مرتبة الذين "يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " الحشر آية( 9) أليست هذه التوجيهات القرآنية هي أهدافنا السامية في الحياة ؟! أوليست مرضاة الله تعالى تنال من خلال السعي المتواصل لتطبيق ما أمرنا به الله تعالى ؟! إنّ هذه المراتب الإيمانية لا يتحصل عليها إلا من خلال مراجعة النفس على أي خط تسير؟ ومراجعة السلوك أيّ نهج يسلك ؟ أما الرضا والركون لما نحن عليه دون تنقيحه وتمحيصه، وعرضه على روح الإسلام فهذا قد يبعدنا شيئاً فشيئاً عن الهدف الذي رسمته لنا التوجيهات الإلهية.
وكم سيكون رائعاً لو استثمرنا فرصة الشهر الكريم لنفعل ذلك، والأجمل أن ننشئ أجيالاً تتشرب الشراكة الإنسانية منذ نعومة أظفارها وننتقي أياماً من شهر الخير هذا؛ نأخذ أبناءنا فيها لجولة تربوية هذه المرة إلى بيوت لم يعهدوا زيارة مثلها بدل قضاء طول الوقت في المجمعات التجارية ومجالس السمر، هذه البيوت التي تنتظر دخول أصحاب الأيادي البيضاء إليها، خاصة العفيفة منها، ثم لنر أثر ذلك على مر السنين عليهم وعلى المجتمع، وحتماً سنرى جميلاً.
هذا هو الفهم الحقيقي المطلوب منّا كمسلمين لديننا ولقوانينه المنظمة لعلاقة الفرد مع المجتمع، التي يقول عنها الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم :" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى ". إننا نكون كما أراد سيد البشر لنا أصحاب فكر مستقل وهوية واثقة تسير حياتها على أسس من تعاليم الإسلام عندما تتجاوز مجتمعاتنا شهواتها ومطالبها الدنيا إلى الأهداف العليا التي تحقق رخاء المجتمعات، حينها فقط سيكون الإسلام قوة ديناميكية يتحرك كل فرد فيه من خلال موقعه ليثري بالعمل المخلص المبدع الخلاّق مجاله ويبحث عن نقاط التلاقي بينه وبين الآخرين في تكاتف يوثق الصلات ويوحد الجهود للارتقاء بالعمل والإنتاج النافع الذي يسمو بالحياة الإنسانية ويمكن البشرية من الاستفادة المثلى من كنوز الأرض وثرواتها التي سخرها الله عزّ وجلّ للارتقاء بالرفاهية البشرية؛ ولكن للبشرية جمعاء، وليس لبعضهم فقط تحقيقاً لقوله – صلى الله عليه وآله وسلم -:" الناس سواسية كأسنان المشط " نحو حضارة حقيقية ينعم بفيئها البشر والحجر بل الكون بأسره بإسلام حركي فاعل في حياة الأمة، لا إسلام المترفين وآية قرآنية معلقة تراكم على تطبيق مفهومها غبار النسيان.

الأربعاء، 10 يوليو 2013

أضخم مكتبة شخصية في السلطنة







كتب: إدريس بن بابه القراري

قبل أن نبدأ بعرض كنوز أضخم مكتبة خاصة في السلطنة لما تحمله من نفائس قلّ أن تجدها في مكتبة من العالم. أبدأ الحديث(بمقدمة) عن أهمية حفظ التراث الإسلامي، وما أنتجه العلماء وخلّدوه للأجيال، والجهود المخلصة التي ضحّت بالمال والجهد من أجل الحفاظ على هذا التراث، ومنهم معالي السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، المستشار الخاص لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظّم – حفظه الله تعالى ورعاه – الذي أسس معلما من معالم العلم والمعرفة والثقافة بالسلطنة يتمثل في مكتبة السيد محمد .
من المعلوم لدى كل مسلم أن الله تعالى دعا إلى العلم وحث على السير في طريقه، وجعل ذلك بابا من أبواب الجهاد، بل والاجتهاد، من خلال ما وضّحه نبيّنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في سنته المطهرة من أحاديث تحمل الأمر والترغيب في هذا الأمر، وهو أمر لا مناص منه، بل ولا بد منه، وخاصة في هذا العصر.
ويزداد الأمر أهمية وخطورة – في آن واحد -حينما نرى أن العالم الإسلامي يُقَاوَمُ وبكل شراسة من قبل أعدائه على مختلف المستويات والأصعدة، لذا كان لزاما الحفاظ على هذا الأمر الربّاني وهو طلب العلم؛ لا بالأوامر فقط بل بالعمل الذي يُعَدُّ السَّاعِدَ المتينَ للعلمِ، على اختلاف الأصعدة والمستويات، وباختلاف الوسائل والتقنيات، ومن بين تلك الوسائل: إعداد مراكز للعلم، بكل ما تحويه كلمة العلم من معنى، فلا يتعلق العلم بالتلقي عن الأستاذ أو الشيخ أو المربّي، أو اللجوء إلى مخابر للتحليل والتدقيق والتجربة والإحصاء، أو بالجلوس ساعات طويلة على كراسي المكتبات المختلفة؛ وإن كنّا لا ننكر هذا؛ فهو في الحقيقة ضرب من ضروب طلب العلم، وتحويله إلى معرفة.
فالمعرفة والعلم يجب أن يكونا متلازمين تلازم الماء والهواء ليبقى الكائن الحي حيا، إذ المعرفة ثمرة للعلم والعمل المتلازمين، لذا فإن الله تعالى قيَّضَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَنْ يحمي لها موروثها العلمي والحضاري، فيمزج بين التراث الذي تركه الأجداد، وهو العلم الذي سهروا من أجله وبذلوا النفس والنفيس من أجله، فراحوا يدوّنون الكتب والموسوعات، بما تيسر لهم من وسائل بسيطة جدا، لا تعدو أن تكون منتجات محلية من إنتاجهم أحيانا، بل هو الغالب الأعم عند كثير من العلماء، فتركوا لنا بفضل علمهم وجهادهم تراثا علميا ضخما، في مختلف ميادين العلم والمعرفة بداية من العلوم الإسلامية والدينية التي كانت مصبَّ كثير من العلماء، إيمانا منهم على أن هذا هو أول علم ينبغي أن يُتَعَلَّمَ، امتثالا لقول سيد البشرية وخير البرية محمد (صلى الله عليه وسلم) مرورا ببقية العلوم الأخرى، كالفلك والطب والفيزياء والكيمياء، والرياضيات وعلوم الأحياء، وهذا مما برع فيه المسلمون، منذ رعيلهم الأول، فتركوا لنا رصيدا ضخما ومهمّا جدا، وموروثا حضاريا قيِّما لا يمكن التغافل عنه، أو الزهد فيه.
وقد قيَّض الله تعالى لهذا كله من يحميه ويبلِّغه إلى الخلف جيلا عن جيل، محفوظا مصفوفا مرتبا ومصنّفا.
ومن بين هؤلاء الذين قيَّضهم الله تعالى لتحَمُّلِ عِبْءِ هذه المسؤولية، معالي السيد محمد بن أحمد بن سعود البوسعيدي – رحمه الله – (مستشار صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد الخاص للشؤون الدينية والتاريخية)؛ الذي كان من أهل الله تعالى وخاصته، فَهِمَ وَوَعَي حَقِيقَةَ مَا يجب عليه؛ فلم يُثْنِهِ مَنصبه السياسي وانشغالاته الكثيرة والمتعدِّة عن الاهتمام بالعلم والمعرفة إلى أبعد الحدود، فقد كان عَالِمًا وَعَلَمًا بارزا يضاف إلى قائمة العلماء الذين لم ينشغلوا بتدوين الكتب، والمصنفات، – إلا ما ندر -بقدر ما كان عالما بما فيها، ومحافظا عليها.
ومن تمام حفاظه على تلكم المعارف والعلوم، تأسيسه لمكتبة ضخمة تُعَدُّ كَعْبَةً للقرَّاء والباحثين، والزائرين والمطَّلعين، لما تحويه من جواهر ونفائس، قلَّ أن تجد مكتبة في العالم على غرارها، وليس المقصود بهذا شكلُهَا أو نَوْعُهَا، بِقَدْرِ مَا يُقصد من هذا القيمة التاريخية والعلمية لهذه المكتبة، التي تحوي موادَ ثقافية وفكرية وعلمية متنوعة، بداية من المخطوطات النفيسة، والكتب المطبوعة القيمة، والأثريات التاريخية العريقة التي تجسِّد وتحكي تاريخ شعب وأمَّة.
ولإبراز بعض من قيمة هذه المكتبة العريقة للعيان، ارتأينا أن نقدّم في هذا المكتوب بعض معلومات عن المكتبة على الوجه العام، علَّ الله سبحانه وتعالى يمد في الأنفاس ليرى الكتاب الحاوي لكل ما تتضمنه المكتبة النور قريبا، وحسبي في هذا المقال أن أضع النقاط على بعض حروف هذه المكتبة العريقة، والصرح العلمي الأشم.
تسمَّى هذه المكتبة بمكتبة السيد، وقد صار هذا الاسم علما على مكتبة معالي السيد محمد بن أحمد البوسعيدي بالغلبة، فحينما يطلق اسم «مكتبة السيد» ينصرف الذهن إليها مباشرة دون غيرها من المكتبات، وقد تعارف الباحثون والرُّواد على هذا الاسم، وهي تقع في منطقة الشَّرادي من ولاية السيب، داخل مزرعة معاليه–رحمه الله- وقبل أن نلج هذه المكتبة الزاخرة الوارفة الظلال لنا وقفة
مع مؤسسها معالي السيد محمد بن أحمد بن سعود البوسعيدي فمن هو:


معالي السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، المستشار الخاص للشؤون الدينية والتاريخية لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظّم – حفظه الله تعالى ورعاه- من أسرة جليلة القدر والمكانة، ولد بولاية صور حوالي 1322هـ، وتلقَّى تعلُّمه الأول في نزوى ونشأ بها، واحتك بالعلماء الأفاضل والأماثل، وطالما كان يلتقي بالعلماء فهو من عائلة علم لها سيطها وباعها الطويل في هذا الميدان، وهذا ما كان دافعا وسببا في بروز ونبوغ معالي السيد حتى صار قطبا من أقطاب الثقافة والفكر، لما يحويه من معارف في شتى المجالات والعلوم الفقهية الدينية وكذا العلوم الدنيوية وعلى رأسها علم الفلك.
عُرف بالحكمة والرصانة والمهابة، وله مواقف جليلة يتداولها خلق كثير من بعده، ولا يتسع المقام لذكرها الآن، وهذا ما سنفرغ له بحول الله تعالى بابا خاصا في غير هذا المقام، حتى لا نضيع حقَّ من تعب وسهر وضحّى من أجل أن يبني مجتمعه ويضيف لبنة من لبنات التَّقدم والازدهار في كامل مراحل حياته التي عاشها، مواطنا ومسؤولا سياسيا كبيرا، تشدُّ إليه الرحال للاستفسار والعلم والاستشارة وغيرها.
تولى معالي السيد عدَّة وزارات كان فيها المسيّر المحنَّك، الذي يقدِّر الأمور علة قدرها، فقد عين وزيرا لعدّة وزارات في عهد صاحب الجلالة السلطان قابوس، منها: وزارة العدل والأوقاف والشؤون الدينية، ووزارة الداخلية، ووزارة شؤون الأراضي، ثم عيّن بعد ذلك مستشارا خاصا لجلالة السلطان للشؤون الدينية والتاريخية، وكان هذا في يوم: 25 جمادى الثانية 1399هـ، الموافق 22 مايو 1979م. وقد بقي في هذا المنصب الذي أجاد فيه وأحسن وأبدع في القيام بمسؤوليته إلى أن توفاه الله سبحانه وتعالى وألحقه بالرفيق الأعلى يوم الخميس 22 نوفمبر 2012م.



 

 

الثلاثاء، 9 يوليو 2013

حالها الآن يكدر الخاطر ولا يسر الناظر







كتب: محمد بن سليمان الحضرمي، نزوى


رغم أنها تقع في مكان قريب من السوق والمراكز التجارية، وبمحاذاة الشارع العام، إلا إن حالها الآن يكدر الخاطر ولا يسر الناظر، كانت مكتبة عامرة بالكتب قبل سنوات، ومحبو القراءة يتوافدون إليها، واليوم لم تعد كذلك، لم يتبق من (مكتبة نزوى العامة) سوى لائحة حزينة، تنتصب أمام مدخلها بانكسار، لقد ضاعت المكتبة، وتبددت كتبها، ويقال: إنها نقلت إلى مكتبة مسجدية قريبة منها، اللائحة ما تزال منتصبة بانكسار، والمكان خاو على عروشه، الجدران بما تضمه من أدوات مكتبية، وبقايا كتب متناثرة، تهالكت وتداعت، فنسج العنكبوت عليها بيوتا، وكنت كلما مررت على لائحتها تتوق نفسي إلى زيارتها، وفي لحظة سانحة قررت أن أدخل المكان، لأرى ما فيه، وما يضم من كتب، وهل ماتزال المكتبة قائمة أم مجرد أطلال وأشباح لمكتبة كانت عامرة، ففوجئت بالحال الذي عليه المكتبة الآن، إنه حال يكدر الخاطر ولا يسر الناظر.
المكان الذي يحيط بالمكتبة رائع وأخاذ، تحيط به خمائل ظليلة من نخيل وأشجار مثمرة، وساحتها الخارجية الفسيحة تستوعب مواقف السيارات، وإضافة متنزه سياحي، أو كافتيرا لتقديم المشروبات للزائرين، لاحظتها لم أكن أعرف بالحال الذي آلت إليه المكتبة، لذلك أوقفت سيارتي في ساحة المكتبة الخارجية، وحملت آلة التصوير الصحفية، ورحت ألتقط صورا للمكتبة من الخارج، وبحثت عن الباب فوجدته مغلقا، واقتربت من النوافذ فوجدتها متصدِّعة، زجاجها متناثرا في الجوانب، اقتربت أكثر، وحاولت أن استكشف ما بداخل المكان المغلق والمهجور، فرأيت كتبا متناثرة، ملقاة في غير انتظام، أجهزة حاسوب مليئة بالتراب، وأرفف قائمة من غير كتب، وبعضها بكتب مهترئة، ومتمزقة، ملقاه في طاولة مستطيلة، يبدو أنها كانت تستخدم للقراءة في زمن ما.
دققت في المكان أكثر وأكثر، ووجدته في حالة يرثى له، فبحثت عن شخص يمكن أن يحدثني عن الأسباب التي أدت إلى ما آلت إليه المكتبة، وكل من التقيت به لم يعطني إجابة واضحة، سوى أن مكتبة نزوى العامة كانت عامرة بالكتب قبل سنين، وفجأة تداعت لأسباب يعرفها القائمون عليها، فضاع الحلم الثقافي الذي راود أذهان الإنسان والمكان.

لائحة حزينة منتصبة
الحال الذي آلت عليه المكتبة بحاجة إلى إعادة اعتبار والنظر إليه من جديد، خاصة وأن نزوى سوف تصبح بعد شهور معدودة أيقونة ثقافية في العالم الإسلامي، باعتبارها عاصمة ثقافية إسلامية خلال عام 2015م، هل يدرك القائمون على مختلف مشاريعنا الثقافية في نزوى وخارجها هذه الحقيقة؟ هل يعون ماذا يعني أن تصبح نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية خلال عام 2015م؟ أم يراد لنزوى أن تحتفل بهذه المناسبة العالمية، وليس فيها مكتبة أهلية عامة عامرة؟ ثم هل ستبقى تلك اللائحة الحزينة، اللائحة التي ترفع اسم (وزارة التراث والثقافة) هي اليوم تقف منتصبة بانكسار، عاكسة في ذهن وقلب كل من يراها حالة التشظي الثقافي التي نعيشها، ثم هل يصعب على أثرياء نزوى الكبار، الذين يشيدون العمارات العملاقة، ويقيمون المصانع الكبيرة، بناء مكتبة ثقافية متواضعة في مدينتهم الأثرية الجميلة، والتي وصفت منذ زمن بأنها “تخت الملك”، و”كرسي الحكم”، و”مدينة العلم والتاريخ”؟!، هل يصعب على أحفاد الفقهاء والعلماء في نزوى إقامة مكتبة أهلية لهم، تضم نسخا من مصنفات أجدادهم في مختلف العلوم؟ ثم تصبح بعد ذلك مكتبة يتردد عليها أبناؤهم الطلبة، للبحث والقراءة؟ أم أن أحفاد العلماء والفقهاء لم يعودوا ينشغلون بما انشغل به أجدادهم الأوائل؟.
هناك مكتبة يشرف عليها المركز العالي للثقافة والعلوم، التابع لديوان البلاط السلطاني، ملحقة بجامع السلطان قابوس بنزوى، هي أشبه بالمستودع السري، لا يعرفه إلا من له علاقة بالمكان!، وهناك مكتبات تجارية تتناثر في السوق التجاري، لبيع الصحف، والمجلات، والقرطاسيات، والكتب الدينية، والأدبية، والخرافية، وهناك أيضا مكتبات تتبع المؤسسات التعليمية في كليات نزوى المختلفة، وهي مكتبات تعليمية خاصة بالطلبة.

مكتبات نزوى القديمة
في قديم الزمان، وسالف العصر الأوان، يُروى أنه كان في نزوى مكتبات أهلية كثيرة، من بينها “مكتبة السيفيين” التي كانت قائمة أمام قلعة نزوى، في ذات المكان الذي أصبح سوقا للثياب والفخاريات!، في ذلك المكان تحديدا، كانت مكتبة كبيرة، أسسها مجموعة من الفقهاء المنتمين إلى قبيلة السيفي، وكانت تضم آلاف المخطوطات، ثم ضاعت وتبدد ما كانت تضمه من كنوز ووثائق ومخطوطات فريدة، ويحكى أن بعضا من الكتب عثر عليه الآن في المكتبات الخاصة والعامة داخل السلطنة وخارجها.
كما كان يوجد في نزوى “مكتبة السليمانيين”، تقع في داخل حارة العقر الأثرية، لكنها ضاعت بسبب الإهمال، وعدم العناية بتلك المخطوطات، وكثير من كتبها أكلتها حشرة الأرضة، أو الرُّمة، وهناك مكتبة أخرى خاصة، عرفت لبعض الفقهاء والعلماء، الذين عاشوا خلال فترة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي (ت: 1954)، لكن أين هي اليوم؟، وأين ضاعت تلك المخطوطات والوثائق المهمة؟!أين ذهب الأرشيف الثقافي لمدينة نزوى العامرة بالعلم والعلماء والفقه والفقهاء؟!
وفي قديم الزمان وسالف العصر الأوان، كانت نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية في عُمان، خلال فترة طويلة امتدت إلى ألف عام، بشهادة الباحثين في التاريخ العماني، الذين كتبوا عن نزوى في بحوثهم ودراستهم، قبل أن تكون عاصمة للثقافة الإسلامية في الوطن العربي، بترشيح من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم (الإيسسكو)، ويشهد على الحال الثقافي لمدينة نزوى كل من أقام فيها وزارها، ولكن الحال الذي آلت إليه مكتبتها الآن محير؛ لعل الحياة تغيرت، ولم يعد أبناء نزوى يعنيهم وجود مكتبة أهلية، يلتقون فيها كما كان يلتقي أجدادهم مع خير جليس، لعل الحياة تغيرت إلى مناح كثيرة ومشاغل أكثر، ولكن مهما تغيرت وتقدمت ستظل المكتبة بيت كل مثقف، ومستراح كل من يعيش الثقافة فكرا وسلوكا وحياة.

ذاكرة أهلية ثقافية
هناك مكتبات شيدت بين ليلة وضحاها، بتكلفة آلاف وملايين الريالات، وهذا النوع من المكتبات يقوم على المال وليس على الحال، وهناك مكتبات شيدت كتابا كتابا، وفكرة فكرة، ورفا رفا، تنمو كأي مشروع صغير، ليصبح بعد سنوات مشروعا كبيرا، والمثال على هذا كثير من المكتبات الأهلية في مختلف الولايات والقرى، كمكتبة الشيخ محمد بن مسعود البوسعيدي بولاية منح، ومكتبة وقف الحمراء بولاية الحمراء، ومكتبة الندوة العامة بولاية بهلا، التي أنشئت بفكرة صغيرة، برقت في ذهن بعض المثقفين من مدنية بهلا قبل عشرين عاما، فولدت في حجرة صغيرة بإحدى حاراتها الأثرية، واليوم تعد الندوة أفضل مكتبة أهلية في السلطنة، لتحصل خلال عام 2012م الماضي على جائزة السلطان قابوس الأولى للأعمال والمشاريع الخيرية، هذا إنجاز حقيقي كبير، يحسب لتلك الفئة المثقفة التي شيدت المكتبة في صمت وصبر، وبمال وجهد مضاعف، في بهلا وسواها، وكذلك كون لمثقفي قرية فرق مكتبة أهلية تحمل اسم الإمام جابر بن زيد الأزدي، وهذا ما ننشده اليوم من أبناء مدينة نزوى، أن يهمُّوا في بناء مكتبة عامة لهم، لتصبح ناديا ثقافيا، وجوهرة من الجواهر، تلتمع في العقد الثقافي لمدينة نزوى، التي هي الأخرى جوهرة من جواهر المدن العمانية.
هل ستكشف الأيام القادمة تصميم مكتبة أهلية خاصة بنزوى؟ هناك إشارات إلى هذا الجانب، لكنها غير مؤكدة، إشارات ما تزال في حالة مخاض متعسرة، نرجو أن تتسهل ولادتها، ليشرق محياها في الوجود النَّزوي، ولتصبح نجمة تلوح بين الظلال والظلام.
وإذا كنا كثيرا ما نذكِّر بالاحتفالية القادمة لفعالية نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية خلال عام 2015م، إنما لنوقد الهمم في النفوس، ونحفِّز القدرات على استغلال الإمكانيات، للعمل بما يجب عليهم ويليق بهذه المدينة التي تنتظر منا ومن كل المثقفين، بناء ذاكرة أهلية ثقافية، ترفد الذاكرة الوطنية العمانية، لأنه لا يليق بنزوى، المدينة والذاكرة، والحاضرة العمانية، ألا يوجد بها مكتبة أهلية عامة وعامرة.



 

قارئ





شخصية جديدة انضمت إلى مشروع لماذا نحب القراءة؟ وأطلقت عليها اسم قارئ وقد قامت الفنانة عائشة العبري فنانة الاوريجامي " فن طي الورق" بإعداد هذا المجسم واستخدمت فيه حوالي 875 قطعة ورق فشكرا لعائشة على هذا المجهود الكبير وسيكون قارئ رفيق الجولات التي أقوم بها داخل السلطنة بحثا عن عشاق القراءة.