الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

"سيدات القمر" باللغة الروسية

 




موسكو- “العمانية: قالت المترجمة الروسية “فيكتوريا زاريتوفيسكايا” إن رواية “سيدات القمر” للكاتبة العمانية جوخة الحارثية، رواية “غير عادية” بالنسبة للقارئ الأجنبي، لأنها تتحدث عن بلد ليس معروفًا بما يكفي له، وتغوص عميقًا في تقاليد المجتمع العُماني وعاداته ومعتقداته. وأضافت “زاريتوفيسكايا” بمناسبة صدور النسخة الروسية للرواية الحائزة جائزةَ “مان بوكر” لعام 2019، إن التأهُّل للمنافسة على هذه الجائزة أمر في غاية الصعوبة، فهو يمرُّ بسلسلة مراحل؛ تبدأ من نيل العمل الأدبي حضورًا ومقروئية على الصعيد الإقليمي بما يسوّغ ترجمته إلى الإنجليزية، ثم عمل المترجم باحترافية للمحافظة على حرارة النص الأصلي، وتحاشي الاختصار غير المدروس، وإبراز الرواية كعمل جديد وجدير بالقراءة في الثقافة التي ينقله إليها. وفي الأخير، وبعد أن يقطع العمل رحلته الشاقة للوصول إلى القائمة القصيرة، تبدأ المواجهة مع الأعمال الأخرى المرشحة للفوز. وكشفت “زاريتوفيسكايا” أن الكاتبة البولندية “أولغا توكارتشوك”، الحائزة جائزة نوبل للآداب لعام 2018، كانت من منافسي الحارثية لنيل الجائزة. وأضافت المترجمة التي كانت عضوًا في لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2020، أن فوز “سيدات القمر” بهذه الجائزة، دفع كبريات دور النشر العالمية لترجمتها، ومنها دار نشر “إكسيمو”، التي تعدّ الأكبر من نوعها في روسيا. وبحسب “زاريتوفيسكايا” التي تعمل أستاذة للّغة العربية في الجامعة الروسية بموسكو، فإن نص الرواية التي استخدمت فيها الكاتبة تقنية تنتمي إلى تيار الوعي الحديث، جاء ” موزاييكيًا، زاخرًا بالأسرار، إذ ينتظرك في كل صفحة منعطف لم تكن تتوقعه”. وتضيف: “في المقابل، فإن هذه الرواية لا تنغلق على عالمها، إذ نرى فيها تأثير العولمة والحداثة التي تطغى على الحياة المعاصرة، وهذه قضية مشتركة يعيشها الإنسان المعاصر في كل مكان، فكان أن وضعت جوخة الحارثية مظاهر العولمة في محكّ روايتها، ومن بين هذه المظاهر ما يسمى صراع الأجيال، الذي نلمسه في اهتزاز اللغة المشتركة بين جيل وآخر في ظل التغيرات الاقتصادية المتلاحقة. كما تطرح الكاتبة سؤال تمسك المجتمع بالجوهر الإنساني في مواجهة ظاهرة العولمة”. وتعبّر “زاريتوفيسكايا” عن أملها كبير في أن تفتح ترجمة رواية “سيدات القمر” بابًا جديدًا للأدب العربي في روسيا، وأن تتحقق قفزة نوعية في هذا المجال، فالأدب المُترجم إلى الروسية منذ زمن الاتحاد السوفياتي، كروايات نجيب محفوظ وكتب طه حسين، لم ينتشر بين القراء لأسباب يمكن ردّها إلى “ضعف التوزيع، والفجوة الثقافية بين أسلوب الرواد العرب والقارئ الروسي، ومستوى الترجمة”. وتشير إلى أن قراءة المشهد الثقافي الروسي الراهن، تتيح للمرء ملاحظة انفتاح ملحوظ نحو ثقافات الشرق الأوسط وآدابها، واستشعار الفضول الذي سيدفع بالقارئ لاقتناء رواية تصطحبه إلى بلد جديد عليه، ناهيك عن أن “سيدات القمر” فازت بجائزة عالمية وصدرت نسختها الروسية عن دار نشر مرموقة. وتذكر “زاريتوفيسكايا” التي ترجمت عددًا من أعمال نجيب محفوظ وعلاء الأسواني، أن إقامتها في السلطنة قرابة خمس سنوات، وتعرفها إلى الثقافة الشعبية العمانية من الداخل، جعل من السهل عليها ترجمة “سيدات القمر” التي تزخر بإشارات من التاريخ والفلكلور والثقافة الشعبية. وتوضح أن الفترة التي قضتها في السلطنة مكّنتها من تلمّس الانسجام المدهش في الرواية، وقربتها من لغة الكاتبة وأسلوبها الذي جمعت به موضوعات متشعبة. وتضيف: “لقد كان طيف من المشهد الشعبي العماني، وقوس من المناخ المجتمعي بكل ألوانه وأصواته، حاضرَين أمامي وأنا أترجم الرواية”. وتؤكد أنها خاضت خلال اشتغالها على الترجمة، “تجربة معرفية جديدة” لا تقل أهمية عن معرفتها التي اكتسبتها من إقامتها في السلطنة، فضلًا عن أن الترجمة فتحت لها أبوابًا معرفية جديدة، إذ أعدّت دراسة عن الشاعر العماني أبي مسلم البهلاني، تناولت فيها حياته وإبداعه، وقد رحبت مجلة “آسيا وإفريقيا” العريقة التي تصدرها الأكاديمية الروسية للعلوم بنشر هذه الدراسة في عددها المقبل. وعن مشاريعها الراهنة، تقول “زاريتوفيسكايا” إنها تعدّ دراسة عن المذهب الإباضي، مضيفة: “لا أظنني سأتخلص من سحر عُمان الذي قادتني إليه جوخة الحارثية.. إن روايتها تمثل اكتشافي الثاني لعُمان الذي أدهشني وفتنني وربطني بهذا البلد، العظيم بتاريخه، والثري بتراثه وتقاليده، والراسخ في حبه للحياة وإيمانه العميق بالتنوع، وهذا بالضبط ما يجعل مستقبل السلطنة مشرعًا على الأمل”.


 


الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

"كتبها مجهول"

 





قرأت المجموعة: بدرية البدري

 


في بداية الكتاب وضع الكاتب إهداء للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق رحمه الله، جاء فيه:

أشهد أنك جعلت الشباب يقرأون” وإن تعمق القارئ في أحداث المجموعة القصصية يستشف السبب وراء ذلك؛ إنه الأسلوب ذاته، المغامرة، والغموض، والتشويق، مع احتفاظ الكاتب توفيق الشحي بخصوصيته.

تسع قصص قصيرة، تتمنى وأنت تقرأها لو تطول، علّك تجد شيئاً من الإجابة على تساؤلاتك التي انبثقت فجأة، عند تطور الحدث، وتحوّله إلى حيث لم تتوقع أبداً. ففي اللحظة التي تظن بها أنك امتلكت تلابيب الفكرة السردية التي أرادها الكاتب، وتعلّق بداخلك:

ـ ليته منح القصة بعض الإثارة.

حتى تتراجع إلى الخلف، وتتلفّت باحثاً عن ذلك الذي قرأ أفكارك في غمضة عين، ثم سطّرها في أوراقه، وتمكّن من طباعتها، ونشرها لتصل إليك قبل أن تتلفّظ بها.

أعترف للكاتب بذكائه السردي، وقدرته على جعل القارئ يُفكّر في أحداث قصصه بعد الانتهاء منها، لذلك أنصح بقراءة كل قصة بشكل منفرد، وعدم إتباعها بقصة أخرى، إلا بعد يوم أو نصف يوم مثلاً، وهو ما أعترف أنني أنا شخصياً لم أتمكن من فعله، لأن فضولي أجبرني على قراءتها دفعة واحدة، مما جعلها لاحقاً تضطرم في عقلي، في صراعٍ فيما بينها، أيها يتسيّد المشهد.

احتوت بعض القصص على نقد واضح لعادات مجتمعية طفت على السطح مؤخراً، مثل متابعة مشاهير التواصل الاجتماعي في قصة “هل استيقظت؟”، ونشر هؤلاء المشاهير لأدق تفاصيل حيواتهم اليومية، مما يجعلهم كُتباً مفتوحة أمام المتابعين، ووصول تأثر البعض بهم إلى إفساد حيواتهم. وبدا رأي الكاتب واضحاً حولها، إلا أن طريقته السردية نجحت في تغليف رأيه، دون مواراته فعلاً.

كما تطرّق لمنع الكتب في معارض الكتاب كما في قصة “كلمات”، والأسباب التي تدعو لذلك، والتي قد لا تكون إلا موقفاً شخصياً من مسؤول، أو رؤية يظنها، دون أن يكون على بيّنة فعلاً، ولكن الكاتب نجح في الوقوف موقفاً وسطيّاً، ليُمكّنك كقارئ من اتخاذ موقفك دون أدنى ضغطٍ عليك.

هذا المنع الذي قد لا يكون مسببه الحقيقي استحقاق الكتاب للمنع، وإنما خوف المانع من تأثيره على من يقرأه، أو غسل دماغ القارئ، وتوجيهه نحو فكر الكاتب (المخالف) أوضحها الكاتب بشكلٍ مثير فعلاً، جعلت قلبي يخفق بشدة مع آخر جملة يُنهي بها قصته، وأشهق بذعر من الفكرة المطروحة هناك.

النهاية الصادمة أهم ميزة في قصص المجموعة، رغم أن الكاتب يُهيئك أحياناً لها في منتصف القصة، ولكنك تظل في حيرة، ترى ماذا يقصد بتلك الكلمة أو الجملة التي رماها في منتصف القصة، وهل سيكون لها دور في الأحداث السابقة، ليفاجئك أن تلك الكلمة أو الجملة هي النقطة التي تضع النهاية المربكة للقصة، كما كانت مربكة في منتصفها.

أنهيت المجموعة وأستطيع القول إن ختامها مسك، وإن القصة الأخيرة سارت عكس توقعاتي، أو كما لم أتخيّل أبداً، لأكتشف أن “الرجل اللطيف” كان لطيفا فعلاً، وليس كما أوهمني طوال المدة السردية للقصة، ليفاجئني في النهاية بأنه قال ما أراد مني أن أقرأه فقط.

كل القصص الأخرى في المجموعة – عدا واحدة ربما – سارت بنهايات غير متوقعة، إلا أن ذلك لم يكن ليطوفني وأنا القارئة الكاتبة التي أعرف أفكار الكاتب، وكيف يطيب له التلاعب بفكر القارئ وتوجيهه حيث يريد ليتفاجأ في النهاية أنه سلك الطريق الخطأ، فكنت على الأقل أستشف طرف خيطٍ أتوقّع منها نهايةً ما، تدور في الفلك ذاته، وإن لم تتطابق معه فعلاً، ولكنني أعلنت فشلي مع قصته الأخيرة.

أخيرا..

أنوّه إلى أن هذه المجموعة هي الكتاب الثاني الذي أقرأه للكاتب، إذ قرأت له من قبل رواية “نسيا منسيا”، وإن قارنت بين الكتابين فإنني استمتعت بقراءة القصة أكثر من الرواية، لأن أسلوبه بها كان مدهشا حقا، وأجدني مضطرة للقول إنني وجدته أقدر على كتابة القصة القصيرة، والتي أبدع فيها فعلاً. كما أنوّه أيضاً إلى أن هناك إصدارات أخرى للكاتب أرجو أن أطّلع عليها قريبا.

 

المصدر جريدة الوطن العدد رقم 13349