الخميس، 12 أغسطس 2021

ما حكاية سامي ولحافه الأزرق؟

 



أصدرت دار نثر قصص أطفال للكاتبة سمية الكندية، حملت المجموعة القصصية عنوان " مغامرات سامي واللحاف الأزرق" أربع قصص تنتظم تحت علاقة أطفالنا الحميمة بما يحبون من أشيائهم الخاصة، يظهرون إخلاصًا لا ينتبه غيرهم إليه، يشيّدون حُبًّا خاصًّا لهذا الشيء وذاك، يبنون عوالمهم بولع تمسكهم به، يتمنون في ساعات يقظتهم أن يلعب معهم إن لعبوا، وأن ينام على حضنهم إن ناموا.

 

رافقت قصص سمية الكندية المكتوبة باللغة العربية والإنجليزية رسومات جميلة ملونة تحاكي واقع النص بطريقة فنية تسمح للأطفال غير قادرين على القراءة استنطاق تلك الرسومات والتحدث عنها ببدايات لغتهم. رسومات اشتغلت عليها الرسامة العُمانية القديرة رحمة الرحبية، قدمت من خلالها استنطاقا شكليًا يحاكي مغامرات سامي في القصص الأربع.

 

تأتي هذه التجربة الكتابية من الكاتبة بعد سنوات من الإصغاء إلى أسئلة أطفالها في البيت والحديقة والمدرسة. أسئلة الأطفال المألوفة في محيطهم المكاني صارت في هذه المغامرات قصصًا ممتعة ومفيدة، بمقدرة لغتها ذات الدلالات العالية في جعل الواقع العادي البسيط خيالًا جاذبًا وممتعًا، وفي هذه القصص الأربع سيقترب الأطفال من مغامرات سامي، وسيتعرّفون على عائلته الصغيرة، سيبحثون معه عن لحافه، وسيرافقونه إلى المدرسة، وسيحضرون حفلة الشاي في حديقة منزلهم.


المصدر جريدة عمان بتاريخ 12/8/2021

الثلاثاء، 29 يونيو 2021

فهمي جدعان وذكرياته في عُمان


 


بقلم عبد الله العليان

قبل عدة أشهر نشر الأكاديمي والباحث الفلسطيني المعروف د. فهمي جدعان، مذكراته الشخصية التي حملت عنوان "طائر التمّ.. حكايات جني الخُطا والأيّام"، تحدث فيها عن طفولته، وعندما خرج مرغم هو وأسرته ومئات آلاف من الفلسطينيين من أرضهم ومنازلهم وحقولهم مجبرين بسبب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بعد حرب عام 1948.

سرد فهمي جدعان في هذه المذكرات، قصة الهجرة من بلدته "عين الغزال" بمدينة حيفا، إلى سوريا؛ التي احتضنت المهجرين الفلسطينيين قصرًا من أرضهم بكل تقدير ورعاية، وتمت معاملتهم وكأنهم من الشعب السوري في جوانب عديدة من الامتيازات، واستقر هو وأسرته في هذا المكان الذي أقاموا فيه في أحد أطراف مدينة دمشق في الأربعينات، ثم أصبح اسم هذا المكان بعد عقد بعد ذلك بمسمى "مخيم اليرموك" في خمسينات القرن الماضي.

درس فهمي جدعان في سوريا في مرحلة التعليم العام، حتى أنهى الثانوية العامة، ووجد فرصة من إحدى المنظمات الإنسانية للابتعاث في فرنسا للدراسة الجامعية في التاريخ، ثم واصل دراسته العليا أيضًا في فرنسا نفسها في إحدى أرقى الجامعات الفرنسية (السوربون)، في دراسة الفلسفة والفكر الإسلامي، وقد التقيت بالدكتور فهمي جدعان على هامش المؤتمر التحضيري للقمة الثقافية العربية في بيروت 2010، وكنت أنا ود. عبيد الشقصي مشاركيْن في هذا المؤتمر، وقد جرى بيننا حديث طويل حول بعض مؤلفاته وأرائه الأخرى الفكرية والفلسفية، والفترة التي قضاها في السلطنة، أستاذًا جامعيًا، وعميدًا لكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس.

وقال لي إنه قضى في السلطنة عدة سنوات، وهي سنوات من أفضل وأسعد أيام حياته في عُمان مع أسرته، وبالأخص في مدينة مسقط، وكان انتقاله من السلطنة- كما قال فهمي جدعان- بسبب بعض الظروف، ويُضيف: "تمنيتُ أن لا تكون حدثت آنذاك، وكانت سببًا في تقديم استقالتي من جامعة السلطان قابوس، ولو أتيحت لي الفرصة، لرجعت إلى عُمان مرة أخرى، وذلك لسعادتي بهذا البلد وأهلها، فعُمان بلد يتمتع بأجواء تستطيع أن تشعر بالسعادة، لما تراه من هذا الشعب من احترام وتعامل راق، وهذا ما جعلني، أسعد بالسنوات التي قضيتها في سلطنة عُمان حقيقة، وإن كانت سنوات قليلة".

في مذكرات د. جدعان التي أشرت إليها آنفاً، تطرق إلى فترة عمله في جامعة السلطان قابوس، وعلاقته بالعمل الأكاديمي، وعلاقاته الشخصية مع الأكاديميين العُمانيين وغيرهم من الأكاديميين العرب في هذه الجامعة، الذين تعامل معهم وشعر منهم الأخوة والألفة خلال تلك الفترة، وأعاد الحديث مرة أخرى عن تلك الأيام التي لم يعشها في بلدان عربية أخرى، عمل فيها أستاذًا جامعيًا، ومما قاله فهمي جدعان عن عُمان والعُمانيين في فترة إقامته: "إنني لم أشعر بأن البيت العُماني مقفل في وجه المغتربين العاملين في السلطنة، مثلما قد لاحظت ذلك في- دولة أخرى- حيث يندر أن تستقبل عائلة- من هذه الدولة- أحدًا من الوافدين في بيتها. أما هنا في السلطنة فكانت البيوت مفتوحة مرحبة دون تحفظ، من أعلى القمة إلى أقراني في الكلية".

ويستعرض د. جدعان في هذه المذكرات أسماء الأشخاص من المسؤولين والأكاديميين والشخصيات العامة التي كانت له علاقة وطيدة، ومع أنه كما قال قضى عامين في هذه الجامعة، لكن ذاكرته تستحضر تلك الفترة، وكأنها سنوات طويلة، وقال إنها:"أجمل سنوات عمري". بالقياس إلى الصداقات الكثيرة والرائعة التي حصلت في عُمان.

ويستطرد د. فهمي جدعان تلك الأيام الذكريات الجميلة التي عاشها في عُمان وكيف اتسمت بروح لا توصف من المحبة والمودة من العلاقة، فيقول :"فيها عرفت النقاء والصدق والرعاية والوفاء والكرم والخصال الإنسانية الاستثنائية، التي لم أعرفها في أي مكان آخر. في عُمان عرفت صداقات حقيقية غير عابرة، صداقات ترقى إلى معاني الـ(فيليا) القديمة، صداقات تغمرها المحبة والمودة التي لا تعرف الخبث والخداع والضغينة. حين أعاود النظر في هذا كله وأسأل نفسي لماذا تخليت عنه فجأة وعدت إلى المكان الذي قدمت منه، يصيبني الذهول والمرارة والأسى، وأغضب من نفسي ولا أغفر لها ما اقترفت من زلل".

ويذكر د. جدعان تلك الليلة التي أتى فيها من الأردن، لتقديم استقالته من جامعة السلطان قابوس، للعمل في جامعة البتراء بالأردن، فيقول: "كان نهارًا عصيبًا ذلك النهار الذي طلبت فيه مقابلة رئيس الجامعة- وكان آنذاك الدكتور سعود الريامي- وتوجهت إلى مكتبه في إدارة الجامعة. وكان الحزن يتلبسني، والمرارة تملأ نفسي، والشعور بالذنب بل بالخيانة وقلة الوفاء، يحتل كل كينونتي.. كنت أحسُ بأنني أغدر، وبأنني أفعل ذلك للمرة الأولى في حياتي". وأشار د. فهمي جدعان في هذا اللقاء مع رئيس الجامعة، إلى أنه طلب منه أن يبقى في عمله في الجامعة، وقال له الريامي: "أنت هنا آمن ومرتاح والجامعة في حاجة ماسة إليك.. ولا أنصحك بالاستقالة". وقال له: "لقد وعدتهم.. ولا يمكن أن أتراجع".

ويذكر فهمي جدعان هذا الموقف الصعب والمؤلم بعد إصراري على تقديم استقالتي دون مُبرر وبتسرع غير معقول فيقول: "حين خرجت من مكتب الدكتور سعود الريامي اندفعت من عينيّ دفقة من الدموع.. ومن نفسي موجة عاصفة من المرارة.. والفقد.. والتعلق.. إلى بلد أحببته إلى درجة العشق وظل دومًا يحتل جزءًا عزيزًا من روحي، ومكانة خارقة في قلبي وفي وجداني".. وفي هذه المذكرات الكثير من الذكريات بين السرد المؤلم، والأيام الرائعة، وهي قصة عمر مفكر ومؤلف اتسمت أفكاره بالجدية والحفر المنهجي، قد نوافقه في بعضها وقد نختلف معه.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية بتاريخ 29 يونيو 2021

 


الأربعاء، 23 يونيو 2021

مراجعة في رواية "أربطة"

 



د. سناء الجمالي- أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية


صدرت رواية "أربطة" للكاتب الإيطالي دومينيكو ستارنونه في عام 2014، وفازت بجائزة "ذا بريج للكتاب" في عام 2015، وصنفتها جريدة "الصنداي تايمز" البريطانية كأفضل رواية في عام 2015، ونشرت باللغة العربية من قبل دار الكرمة في مصر في عام 2019، حيث ترجمتها المترجمة المصرية القديرة أماني فوزي حبشي من اللغة الإيطالية إلى العربية.

يمكن لقارئ الرواية أن يفهم موضوعها ضمنيا من خلال الغلاف؛ فالغلاف يحمل صورة لحذائين كلاسيكيين قد تشابكت أربطتهما معا بطريقة معقدة، مما يوحي بأن أحداث الحكاية في هذه الرواية تدور حول موضوع كلاسيكي يحمل أكثر من وجهة نظر، ولكن كل تلك الآراء ووجهات النظر المتضاربة فيما بينها والمرتبطة، في الوقت نفسه، بمحور موضوع الرواية، تصل لنقطة تتعالق فيها ببعضها، وتتشابك إلى درجة يكون الانفلات من بعضها محالا.

رواية "أربطة" تنقسم إلى ثلاثة أقسام، يحمل كل قسم منها عنوانا، وعندما نبدأ في قراءة الرواية، نكتشف أن القسم الأول يعبر عن وجهة نظر "فاندا"، إحدى شخصيات الرواية، حيث يتمثل لنا صوتها بوضوح من خلال رسائل كتبتها إلى رجل، وهو الزوج، الذي هجرها تاركا إياها وحيدة مع طفليهما، وبمواصلة قراءة الرسائل نعرف أنه فعل ذلك من أجل امرأة أخرى وقع في حبها.

أما القسم الثاني فيحتوي على وجهة نظر الزوج "آلدو مينوري"، الشخصية الثانية في الرواية، ونجد أنه يعرض لنا حياته، مبررا أحداثها من وجهة نظره، وفقا لما أحس به آنذاك. أما القسم الثالث من الرواية فيحمل وجهة نظر ابنيهما، مع تغليب لصوت الابنة –"آنا"– ووجهة نظرها على صوت أخيها –"ساندرو"- الذي يخالفها الرأي في بداية حوارهما، ولكنه يعود ليتفق معها في نهاية الحوار.

وبعد قرابة أربعة أعوام من هجر "آلدو مينوري" لأسرته، نجده يقرر العودة إليها بأسلوب تدريجي، والحدث الذي يشجع "آلدو" في تنفيذ هذه الخطوة هو الحوار الذي دار بينه وبين ولديه في المقهى، حيث التقى بهما بعد مدة طويلة من انفصاله وابتعاده عن أسرته. كانت الأم قد اتفقت مع ابنتها "آنا" أن تسأل والدها ما إذا كان هو الشخص الذي علم أخاها "ساندرو" طريقة ربطه الغريبة لحذائه، وكان الهدف من طرح هذا السؤال وخلق حوار حوله بين الأطراف الثلاثة -الأب وولديه - هو إشعار "آلدو" بأثره العميق في حياة ولديه وأسرته، وهو ما كان –"آلدو" - بحاجة لأن يشعر به، لذا نجده وقد تشبث بالفرصة التي أتاحها له هذا النقاش مع ولديه؛ وهو نقاش يوحي بهشاشته الظاهرية مع احتوائه على معنى عميق يدل على مدى تشابك العلاقات الأسرية من الناحية العاطفية، بالرغم مما قد تظهره من ضعف. وهكذا، نجحت "فاندا" في استعادة حياتها الأسرية، بإتاحتها الفرصة التي مكنت "آلدو" من انتهازها للعودة إلى منزل الأسرة.

نستدل من تطور أحداث رواية "أربطة"، بعد عودة "آلدو" إلى أسرته، أن خيار العودة لم يكن صحيحا، فهو لم يتمكن من نسيان حبه لحبيبته "ليديا"، كما أن "فاندا" لم تتمكن من مسامحته على خيانته لها وهجره إياها، مما أدى بالأسرة إلى أن تحيا في جو من التوتر الدائم، الذي انعكس سلبا على حياة ابنيهما "ساندرو" و"آنا"، إذ قررا، في نهاية الجزء الثالث من الرواية، تدمير منزل والديهما أثناء سفر الأخيرين لقضاء إجازتهما؛ تعبيرا منهما عن رفضهما لنشأتهما، في ظل ظروف غير صحية من الناحية النفسية بسبب طبيعة علاقة والديهما المتشابكة والمعقدة.

يتوصل القارئ في نهاية الرواية، إلى قناعة مفادها: أن على  الإنسان، عندما يدير ظهره لمرحلة ما من حياته، مجتثا كل الروابط التي تربطه بها، ألا يعود إليها مرة أخرى في محاولة منه لإصلاحها، لأن العطب حينئذ يكون أعمق من أن يصلح؛ وهذا ما يرد على لسان "فاندا" في نهاية الجزء الثاني من الحكاية، وهو ما سيتكرر ذكره لاحقا في الجزء الثالث على لسان "آنا" بطريقة مغايرة وأكثر وضوحا،  أثناء حديثها مع أخيها "ساندرو"، حيث نسمعها تقول: "كنت أريد أن يكون أبي لي أنا وحدي، كنت أتمنى أن آخذه من ماما ومنك، لكنه لم يكن لأحد منا، يجلس هناك، إلا أنه لم يكن موجودا. كان قد تخلى عني وعنك وعن ماما، وفعل خيرا، هذا ما فهمته بسرعة ... بعيدا، بعيدا، بعيدا. كانت أمنا بالنسبة إليه، هي الحرمان من متعة الحياة، ونحن أيضا، أنا وأنت؛ لم يكن مخطئا، كنا بالفعل هذا الحرمان، الحرمان! كان خطأه الحقيقي أنه لم ينجح في أن يرفضنا تماما ... فبمجرد التصرف بطريقة تجرح فيها بعمق، بحيث تقتل، أو على كل حال تحطم إلى الأبد حيوات آدميين

آخرين، لا يجب مطلقا أن تعود إلى الخلف، لا بد أن تتحمل مسؤولية جريمتك إلى النهاية، فلا يمكن اقتراف نصف جريمة"؛ هذه هي الحكمة في العلاقات الإنسانية المعقدة والمتشابكة من الناحية العاطفية، التي توصلها نهاية رواية "أربطة" لقرائها عن طريق بنيتها الفنية المكونة من تعدد الأصوات، والكاتب يفعل ذلك بسلاسة وتشويق وبأسلوب نجح في جعله كاشفا عن أغوار النفس الإنسانية.  


المصدر: https://anwaar.squ.edu.om/blogs/2021/06/22/%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%ac%d8%b9%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d8%b1%d8%a8%d8%b7%d8%a9/

 


الثلاثاء، 22 يونيو 2021

بناء الجسور بين الأدب العماني والآداب الآسيوية

 




مسقط -العُمانية:

المتتبع لواقع الترجمة في السلطنة، يلتمس حركة تحاول بناء جسور من التواصل بين الأدب العماني والعربي وغير العربي في الوقت ذاته، فهناك العديد من الأعمال العمانية التي نُقلت إلى العالم من حولنا بلغات غير العربية، كما أن هناك أعمالا أخرى أضيفت إلى المكتبة الثقافية العمانية، سواءً بجهود مؤسسية أو حتى فردية، تعرفنا عليها منذ وقت طويل، وقد نلحظ انقطاعا في التبادل المعرفي مع الآخر القريب، وهنا نعني الشرق الآسيوي بما في ذلك الدول المطلة على المحيط الهندي.

فعلى الرغم من التاريخ المشترك مع شعوب هذه الدول وما تزخر به هذه الدول من أدب وتنوع ثقافي إلا أن أعمالها لا تزال بعيدة عن القارئ العماني بشكل لا يتمناه الآخر والأمر ذاته ينطبق على شعوب هذه المنطقة المغيّبة عن التعرف على الثقافة العمانية، هنا تنبثق بعض التساؤلات المفتوحة حول هذه القضية، ولأجل ذلك نستقرئ عددا من الآراء التي تبدو متناغمة في توجهاتها والمتمثلة في الدور الذي تقوم به المؤسسات المعنية بالترجمة والأفراد في السلطنة في نقل ثقافات الشرق الآسيوية إلى عُمان والعالم العربي كله، مع تساؤل حول سبب القطيعة بين القارئ العماني والإنتاج الثقافي في الدول الآسيوية المشار إلى موضعها أعلاه، مع عدم وصول تلك الثقافات مترجمة باللغة العربية على سبيل المثال، وهنا على وجه الخصوص نتساءل، ونقول هل نوعية الإنتاج وقيمته الثقافية والفكرية يعد سببا في هذه القطيعة؟ أم أننا لا نزال بعد لم نستطع اكتشاف ذلك الأدب الآسيوي بالصورة التي تشبع رغبات المثقف العماني والعربي على وجه الخصوص، وماذا عن تجسير علاقة التواصل المعرفي الفكري والثقافي بين تلك اللغات واللغة العربية؟ وهل هناك اهتمام من الآخر بمعرفة التجارب الثقافية العمانية َوترجمتها؟ تساؤلات أكثر من مشروعة يجيب عليها عدد من المختصين كالمترجمين والباحثين في شأن الترجمة في السلطنة وخارجها. يعلق المترجم والأديب والأكاديمي السابق الدكتور هلال الحجري، على تلك التساؤلات أعلاه بالقول: أعتقد أن الترجمة عندنا من اللغات الآسيوية وإليها فقيرة ولا تليق بحجم التواصل الحضاري الكبير الممتد عبر قرون بين عرب الجزيرة العربية ودول شبه القارة الهندية مثل الهند وبنجلاديش وباكستان، أو دول شرق آسيا خاصة الصين، أو جنوب شرق آسيا مثل تايلاند وماليزيا وإندونيسيا. وفقر الترجمة أو قصورها من لغات هذه الدول إلى العربية أو العكس، يعود إلى أسباب عدة؛ منها غياب المؤسسات المعنية بالترجمة، والنظرة الدونية إلى الثقافة بشكل عام وتغليب الاقتصاد عليها، وندرة تدريس اللغات الآسيوية في جامعات الخليج العربي والاقتصار على اللغة الإنجليزية، وقلة المثقفين الذين يجيدون الترجمة من هذه اللغات، إضافة إلى أسباب أخرى. ويقول الحجري في بيان : (يكفي أن أفصل القول في السببين الأولين ليتضح مدى الخسران الكبير الذي ينتج عن قصور الترجمة بين العربية واللغات الآسيوية. فغياب المؤسسات المعنية بالترجمة في دول الخليج وعُمان خاصة تسبب في إهمال نقل ثقافات الشعوب الآسيوية وآدابها إلى العربية وكذلك حرمان شعوب دول آسيا من الاطلاع على آداب الخليج العربي مهد اللغة العربية والإسلام. ولعل الطرف الآسيوي أقل ضررا؛ لأن انتشار الإسلام فيه منذ قرون نتج عنه اهتمام باللغة العربية ونقل للتراث الإسلامي إلى اللغات الهندية والصينية خاصة، وإن غلبت على هذا النقل علوم القرآن وعلوم الدين). ويفند الحجري سبب تلك القطيعة بين القارئ العماني والإنتاج الثقافي في الدول الآسيوية، مع عدم وصول تلك الثقافات مترجمة باللغة العربية خاصة إذا علمنا أن تلك القطيعة لم يكن سببها نوعية الإنتاج وقيمته الثقافية والفكرية؛ وهنا يقول: أما النظرة الدونية للثقافة وتغليب الاقتصاد عليها فهو أمر واضح خاصة في منطقتنا؛ وإلا كيف لنا أن نتصور العدد الهائل من الجاليات الآسيوية، الذي يكاد يفوق عدد السكان الأصليين أحيانا، ثم لا يكون منهم مترجمون يجيدون العربية ويهتمون بنقل آداب المنطقة التي يعيشون فيها ويعملون بها سنوات عديدة تكفي لأن تجعلهم فصحاء في اللغة! وقد يكون التقصير في تعليمهم العربية عائدا إلى دول الخليج التي لم تشغل نفسها بهذا الأمر ولم تهتم بإعداد برامج تثقيفية تسعى إلى تعليم الآسيويين العربية لغة وأدبا وثقافة. هذا فضلا عن أن الجامعات لدينا لا تكترث إلا نادرا بتدريس اللغات الآسيوية ولا يعنيها أن تكون الترجمة جسرا بين الثقافتين العربية والآسيوية. ومن العجيب مثلا أن ترى (المعهد البريطاني) له مكان في كل العواصم الخليجية وبفروع عديدة، ولا ترى مكانا فيها لـ(معهد كونفيشيوس) المتخصص في تعليم الصينية، أو أي معهد يدرس الأوردو وغيرها من اللغات الآسيوية. وحول تجسير علاقة التواصل المعرفي الفكري والثقافي بين تلك اللغات واللغة العربية، والاهتمام من الاخر بمعرفة التجارب الثقافية العمانية َوترجمتها يقول الدكتور هلال الحجري: تبقى هناك جهود فردية مخلصة لا يمكن إنكار دورها في تجسير الترجمة بين الثقافتين العربية والآسيوية. ويسعدني هنا أن أنوّه مثلا بما قامت به منظمة IDAM، وهي مؤسسة ثقافية اجتماعية تابعة للسفارة الهندية في مسقط، حيث بادرت في عام 2010
بتمويل ترجمة ونشر مختارات من الشعر العماني الحديث إلى اللغة المالايالامية، إحدى اللغات الرسمية في الهند، خاصة في كيرالا. وقد ترجم هذه القصائد فيلابوراتو عبد الكبير رئيس التحرير السابق لجريدة Madhyamam الأسبوعية في كيرالا وهو كذلك باحث في الأدب العربي والفكر الإسلامي، وتضمنت المجموعة قصائد متفرقة لعدد من الشعراء العمانيين المحدثين، وكان لي الشرف في اختيارها. ولأن الحجري كان قريبا من الباحث والمترجم الهندي فيلابوراتو عبد الكبير، يأتي هو الآخر ليقول كلمته في شأن واقع الترجمة والقطيعة بين القارئ العماني والإنتاج الثقافي في الدول الآسيوية، عدم وصول تلك الثقافات مترجمة باللغة العربية وهنا يوضح عبد الكبير: عند الحديث عما يتوجب على المؤسسات المعنية بالترجمة في سلطنة عمان فعله ودورها في نقل ثقافات الشرق آسيوية إلى العالم العربي فأرى أن الكُتّاب في السلطنة أدرى عنه من غيرهم.
ويضيف عبدالكبير: حسب المعلومات المتوفرة لدي أن للكاتبة العمانية أزهار أحمد سعيا مشكورا ولو كان بسيطا في هذا الصدد؛ حيث قامت بترجمة رواية (ما حكاه الصوفي) للروائي المالايالامي كيه. بي. (رامان أوني)، وذلك من نسختها الإنجليزية إلى العربية. ويعلل المترجم والباحث عبد الكبير أن سبب القطيعة لا يعود في رأيه إلى نوعية الإنتاج وقيمته الثقافية والفكرية، بل قد يعود إلى القصر من الجانب العماني أو العربي في اكتشاف الإنتاج الفكري والإبداعي في تلك المنطقة بالصورة التي يطمح إليها المثقف العماني أو العربي. ولأجل التجسير والتواصل علينا بناء الجسر بين تلك اللغات واللغة العربية ويجب أن يكون على المستويين، الحكومي ومستوى الكتاب في الجانبين. حسب تعبيره. ويشير عبد الكبير: هذا يعتمد على إعداد برامج مكثفة لعقد مؤتمرات يتمكن فيها من مشاركة الكتاب من الجانبين، وكذلك عقد مهرجانات ثقافية بحيث يتمكن فيها التبادل الثقافي من خلال مؤتمرات أدبية وملتقيات فكرية واستعراض فنون شعبية.
وعن الاهتمام الفعلي من الآخر في سبيل معرفة التجارب الثقافية العمانية َوترجمتها يقول عبد الكبير: ثمة اهتمام ولو كان خجولا، وقد تم نشر ترجمة الرواية العمانية (سيدات القمر) لجوخة الحارثية في لغتنا المالايالامية، إحدى اللغات المحلية في الهند، كما قمت أنا قبل هذا العمل بترجمة “مختارات من الشعر العماني المعاصر” التي اختارها الشاعر العماني د. هلال الحجري. وقد نقلت بعض القصص للكاتبة العمانية أزهار أحمد وقصائد للشاعر الكبير د. سيف الرحبي والشاعر إبراهيم سعيد، وكذلك تشغل بالي منذ فترة ترجمة (مذكرات أميرة عربية) للسيدة سالمة بنت سعيد. ويوضح: ليس لدي إلا نسخة من الترجمة العربية لكاتبة سورية، ولا أدري هل تحتاج الترجمة إلى موافقتها. ومن العقبات الحصول على موافقة المؤلفين على الترجمة. ولتسريع حركة الترجمة لا بد من بذل جهود جماعية على جميع المستويات.

وفي شأن واقع الترجمة ذاته، تأتي المترجمة العمانية رجاء اللواتية بالعديد من الإشارات المباشرة فهي تقول إن المتتبع لواقع الترجمة في السلطنة، يلتمس تلك الحركة التي تحاول أن تبني جسور التواصل بين الأدب العماني والعربي وغير العربي في الوقت ذاته، فهناك العديد من الأعمال العمانية التي نُقلت إلى العالم من حولنا بلغات غير العربية، كما أن هناك أعمالا أخرى أضيفت إلى المكتبة الثقافية العمانية، وبجهود فردية أو مؤسسية تعرفنا عليها منذ وقت طويل، إلا أننا قد نلحظ انقطاعا في التبادل المعرفي مع الآخر القريب، وهنا نعني الشرق الآسيوي إن صح القول، أو دول المحيط الهندي، فعلى الرغم من التاريخ المشترك مع شعوب هذه الدول وعلى الرغم مما تزخر به هذه الدول من أدب وتنوع ثقافي إلا أن أعمالها لا تزال بعيدة عن القارئ العماني بشكل لا يتمناه الآخر والأمر ذاته ينطبق على شعوب هذه المنطقة المغيبة عن التعرف على الثقافة العمانية، هنا تنفتح نوافذ لتساؤلات تطرح نفسها.

وعن دور الترجمة العمانية في نقل ثقافات الشرق الآسيوية إلى العالم العربي تقول اللواتية صراحة: لا يوجد دور كبير للترجمة العمانية في نقل ثقافات شرق آسيا إلى عمان أو العالم العربي. لكنها توضح سبب القطيعة بين القارئ العماني والإنتاج الثقافي في الدول الآسيوية المحيطة، وسبب عدم وصول تلك الثقافات مترجمة باللغة العربية عندما تشير: هي ليست قطيعة، بل يمكن أن نسميها عدم الدراية الكافية للقارئ العماني بالإنتاج الثقافي للدول الآسيوية المحيطة، ولكن حاليا دور النشر في الدول العربية بدأت في الترجمة بجهود مؤسسية من العربية وإليها ففي السعودية مثلا هناك مشروع ترجمة لكتاب الأديب الراحل غازي القصيبي إلى اليابانية ونأمل أن توجد مثل هذه الجهود في دور النشر العمانية فنحن أحوج الآن للتعرف على إنتاج هذه الدول وأن يتعرف المثقفون هناك على الإنتاج الأدبي العربي وعلى الأخص العماني المتنوع الزاخر من كتب وروايات وشعر ودراسات أدبية وتاريخية. وما إذا كانت المشكلة تتمثل في نوعية الإنتاج وقيمته الثقافية والفكرية والذي يعد سببا في هذه القطيعة وإننا لم نكتشف الأدب الآسيوي بالصورة التي يطمح إليها المثقف العماني والعربي على وجه الخصوص وهنا تقول المترجمة رجاء اللواتية: الأدب الآسيوي يختلف في مضمونه وتنوعه عن الأدب في مناطق أخرى حسب ما أفاده الباحثون في الآداب بشكل عام، فمثلا الأدب الأوروبي أو الأفريقي، والأميركي، أو الأميركي اللاتيني، كل منها يحظى بخصائص مجتمعة التي جمعت بينها وهي تمتلك بعضا من التاريخ المشترك والتشابه. بينما نجد الآداب الآسيوية، تمتد في قارة شاسعة المساحة وفيها التنوع اللغوي والتعدد الثقافي الإنساني، وتنحدر منه الفلسفات المثالية والواقعية والمادية والروحية والواحدية والتعددية، فضلا عن النزعة العدمية، ومذهب الشك الفلسفي؛ وبالتالي نجد التنوع في الإنتاج الأدبي للدول الأسيوية المطلة على المحيط الهندي من أفكار وفلسفات الشرق القديمة في اليابان والإنتاج الفكري الهندوسي والإسلامي في الهند والأدب والشعر الصيني، وغيرها والتي لم نتعرف عليها سابقا مع أن علاقة عمان التجارية امتدت لبعض هذه الدول؛ فمن خلال التبادل التجاري، نقل العمانيون حضارة عمان وثقافتها وتقاليدها وعاداتها بطريقة غير مباشرة لهذه البلدان كما جلبوا بعض الثقافات والعادات من تلك البلدان إلى أرض عمان الحبيبة، وهنا يظهر اختلاط الثقافات والتَأثر والتَأثير حسب ما ذكره بعض الباحثون العمانيون في أبحاثهم عن التاريخ العماني، ولكن لم يتم اكتشاف هذه الآداب وترجمتها للتعرف عليها بالصورة المرجوة منها. وعالم الترجمة الواسع اهتم منذ زمن بترجمة الأدب الأوروبي والأمريكي إلى اللغة العربية ومن العربية إلى اللغات الأوروبية، بينما لا توجد الكثير من الترجمات لآداب الدول الآسيوية المطلة على المحيط الهندي، والأدب الياباني يحظى بالترجمات حاليا أكثر من غيره من الإنتاج الأسيوي والاتجاه حاليا إلى معرفة الشرق وآدابه.

فيما تأتي المترجمة والمحررة الأدبية السورية فرح شرف التي صدر لها العديد من الأعمال الأدبية المترجمة والحاضرة في المكتبة العربية لتكون أكثر قربا من هذا الإطار فهي تشير إلى الدور الذي من الممكن أن تقوم به الترجمة العمانية في نقل ثقافات شرق آسيا إلى العالم العربي، على وجه العموم، وهنا توضح: أود أن أشير إلى نقطة ذات أهمية في هذا الشأن وهي أن الغرب ما زال يحافظ على نوع من المركزية الفكرية والثقافية في العالم كله، وليس في الثقافة العربية فقط، وتضيف: تحتل ترجمة الآداب الغربية أكثر من 90 بالمائة من ترجمات العالم، وهو يحتل المكانة نفسها حتى في الآداب الآسيوية أو الشرق آسيوية ذاتها. ولكن حتى في الغرب هناك توجه الآن لإحداث نقلة نوعية في نظرية الترجمة التي تتجاوز اللغات الأوروبية وتعزز العمل في مجال الترجمة من اللغات الآسيوية، من خلال تضمين مجموعة واسعة من الأدب تحديدا في شرق آسيا.

أما دور النشر العربية فتواجه صعوبات في هذا المجال، أولًا كما ذكرت، لأن الآداب المترجمة هي أوروبية بشكل شبه كامل تقريبًا، ما جعل ذائقة القارئ العربي والناشر على حد سواء تتجه وتفضل هذا النوع من الأدب، وكانت الرواية الآسيوية غريبة على القارئ سواء في الثيمات أو الأماكن أو الشخصيات وتركيبها وفهم واستساغة المصطلحات الخاصة بتلك اللغات، وهو بالتالي يشكل لقسم كبير من الناشرين مشروعًا خاسرًا، خاصة مع غياب الدعم وقلة المترجمين المتخصصين في هذه اللغات، مع ذلك، فخلال السنوات العشر الفائتة كان هناك توجه لدى بعض الدور لترجمة ونشر أعمال آسيوية، خاصة بعد تلقي عدد من الكتاب الآسيويين جوائز عالمية مما يجعل من تسويق الكتب أمرًا أكثر سهولة، وبعد ظهور بعض الشخصيات التلفزيونية التي جذبت الجيل الجديد ازداد الاهتمام بالتعرف على ثقافة وآداب هذه الشعوب ولكن ليس بدرجة كافية.

وعن سبب القطيعة بين القارئ العماني والإنتاج الثقافي في الدول الآسيوية المحيطة، وعدم وصول تلك الثقافات مترجمة باللغة العربية، لا تذهب المترجمة العمانية رحمة الحبسية بعيدا عن تلك الآراء التي تتحدث عن الدور الذي تقوم به المؤسسات المعنية بالترجمة والأفراد في السلطنة في نقل ثقافات الشرق الآسيوية إلى العالم العربي فهنا تشير إلى أنه لطالما كان الفضول وحب الاطلاع على منجز الآخر من الأسباب التي دفعت الإنسان لاكتشاف ثقافات الشعوب الأخرى، وهذا يفسّر محاولات المترجم العماني الذي بدأ مؤخرا وبجهود فردية، بطرق أبواب النتاج الثقافي لدول آسيا عموما وشرق آسيا خصوصا. بيد أن هذه المحاولات ظلّت محصورة بالأدب الآسيوي المترجم باللغة الإنجليزية، ونرى ذلك في ترجمات المترجمة العمانية ريم داود للنصوص الهندية والصينية، وكذلك في أعمال المترجم أحمد المعيني التي تناولت الثقافة الفارسية.

 

الاثنين، 19 أبريل 2021

"الجسد في شعر الحب العربي: التراث العذري"


 


يصدر قريبا عن منشورات جامعة أدنبرة، وهي من أهم دور النشر الأكاديمية في بريطانيا، كتاب «الجسد في شعر الحب العربي: التراث العذري»، للكاتبة والأكاديمية جوخة الحارثية. يقع الكتاب الذي كُتِب باللغة الإنجليزية في 288 صفحة، مقسّمًا إلى ثمانية فصول، ومشتملًا على ست نسخ من لوحات أصلية تصور قصة مجنون ليلى تعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي.
من كلمة الناشر على الغلاف: «إعادة تفسير جذري لطبيعة شعر الحب العربي التراثي في العصور الكلاسيكية، تتحدى الفكرة النمطية عن غياب الجسد في شعر الحب العذري.
ويتعمق الكتاب في دراسة التراث العذري من خلال قراءات معمّقة للمصادر العربية الكلاسيكية في القرن العاشر الميلادي، خاصة كتاب الأغاني. كما يسهم في الدراسات الأدبية حول تمثيلات الجسد.
ويتضمن قراءات دقيقة للنصوص الأدبية التراثية المكتوبة باللغة العربية بما في ذلك شعر عروة بن حزام، ومجنون ليلى، وقيس بن ذريح، وجميل بثينة، وكثيّر عزة.
تعيد جوخة الحارثي تقييم العلاقة بين الحب والشعر والمجتمع العربي من القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر، متجنبة الكليشيهات المألوفة حول نقاء الحب في الشعر العذري بشكل عام، مُناقِشةً النظرة إليه باعتباره نظيرًا عربيًا لمفهوم القرون الوسطى الغربي للحب غير المكتمل «حب البلاط»، وتُساءل المؤلفة التركيز التقليدي على العفة والافتراض أن هذا الشعر يغفل أي حضور للجسد.
تركز جوخة الحارثي على الاختلافات الرئيسة بين ما يقوله الشعر نفسه وآراء المصادر اللاحقة حول الشعراء العذريين وأعمالهم. كما توثق كيف تأثر تصوير المحبوبة في الغزل العذري بالشعر الجاهلي، مبينة كيف تطور هذا التقليد عبر سلسلة من الطبقات التاريخية المتداخلة، وهي تفتح آفاقًا جديدة من خلال فحص كيفية تعامل هذا الشعر ليس مع جسد الحبيبة فقط، بل جسد المحب أيضا، الشاعر نفسه».
ومن تصدير الأستاذ الدكتور صبري حافظ للكتاب: «هذا الكتاب وثيق الصلة بدراسات الأدب العربي الكلاسيكية في الثقافة بشكل عام والشعر بشكل خاص، فهو يملأ فجوة في الحقل الأكاديمي ويفتح مجالات جديدة للدراسة والبحث في المستقبل، لأنه يضيف بعدًا جديدًا إلى الدراسات المتوفرة في الشعر العربي الكلاسيكي. تعامل المؤلفة مع المصادر العربية والغربية تشكل سابقة معرفية للدراسات التي ستزدهر وتؤتي ثمارها.
أتوقع أن يصبح هذا الكتاب من القراءات الأساسية في مجاله، وأن تصبح قراءته ضرورة في هذا الحقل، وأرى أنه قد يؤدي إلى مقاربات جديدة لدراسة الجسد وأهميته في النصوص الكلاسيكية الأخرى.
وسوف يلهم طلاب الأدب لاكتساب نظرة ثاقبة جديدة وموضوعية في الثقافة العربية الكلاسيكية، ويشجعهم على المغامرة في عالم البحث في المسكوت عنه. كما أن كتاب جوخة الحارثي هذا متصل بعدد من الحقول الأكاديمية الأخرى، مثل الدراسات الثقافية والدراسات النسوية، وتمثلات الجسد ثقافيا، ودراسات التلقي لدور المرأة في الثقافة الإسلامية والأدبية الشعرية، ودور الشاعر والمثقف».

الاثنين، 8 مارس 2021

26 إصدار جديد

 



مسقط ــ جريدة الوطن

تزامنا مع ذكرى الموعد السنوي المعتاد لمعرض مسقط الدولي للكتاب، المؤجل لهذا العام بسبب الأوضاع الراهنة جراء تفشي جائحة كورونا (كوفيد19)، أعلنت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء وضمن إصداراتها للعام 2021م عن (26) إصدارا جديدا تشكل إضافة مهمة للمكتبة العمانية والعربية، تنوعت في صنوف الأدب شعرا ونثرا ونقدا، وفي الثقافة بقضاياها المختلفة، وفي التاريخ العماني، إصدارات تعاونت فيها الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء مع دار نثر للنشر، التي قامت بجهود كبيرة في إنجاز هذه الإصدارات.
وحول هذه الإصدارات، قال المكرم المهندس سعيد بن محمد الصقلاوي رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء: إن الجمعية تواصل العمل وفق منظومة أدبية تقترب من الكاتب والأديب والمثقف العماني والعربي على هذه الأرض الطيبة المباركة، في ظل الدعم المتواصل من لدن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه -، وما هذا التوجه الثقافي إلا استمرارا للمسيرة الأدبية وتحقيق رؤاها وأهدافها التي طالما شكلت نقاط ارتكاز حقيقية لنهج الجمعية خلال السنوات الماضية.
وأضاف الصقلاوي: تأتي هذه الإطلالة الثقافية لتعزز واقع قربنا من الإصدارات العمانية المتحققة والمتنوعة، كونها خضعت لتقييم من متخصصين كل في مجاله في الشأن الفكري الثقافي، وفق الآلية المتبعة لإخراج إصدارات الجمعية، كما أن قرب الجمعية من الناشر العماني جعل من دار نثر هي من تخرج إصدارات الجمعية هذا العام وهي تطل بحلة يسودها شغف الابتكار مع الترويج الأمثل للكتاب العماني وإيجادها لهذه الإصدارات في جميع منصات البيع الإلكترونية، وفي حال إقامة معارض دولية للكتاب، ستكون هذه الإصدارات حاضرة بإذن الله تعالى، مع مواصلة الجمعية في تبني الكاتب العماني ودعم إصداراته الأدبية وتقديمها على نطاق واسع. ونوّه الصقلاوي إلى أن هناك ثلاثة إصدارات أدبية سترى النور قريبا وهي قيد الطبع، ومن بينها إصدار لمجموعة القصائد الرثائية التي قدمها الشعراء في المقام الخالد للمغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ في مجالي الشعر الفصيح والشعبي، وأتقدم بالشكر الوافر للشاعرين يونس البوسعيدي وخميس الصلتي، على تعاونهما وجهودهما في التنسيق لهذا الإصدار وتواصلهما الملموس مع الشعراء الذين تشرفت قصائدهم لتكون بين دفتيه، بالإضافة إلى إصدار شعري آخر للشاعر أحمد العبري مع إصدار خاص في أدب الطفل، كتبه مجموعة من الأطفال من واقع حلقة العمل الأدبية “هيا نكتب حكايتي”.
وضمت الإصدارات الجديدة للجمعية العمانية للكتاب عناوين مختلفة ، جاءت عناوينها كما يلي: “تداوليات الخطاب السردي في روايات علي المعمري” للكاتب علي الشرجي و”الاستنهاض في الشعر العُماني “ للباحث خالد بن عيسى السليماني وكتاب “عقد اللؤلؤ” للكاتب المسرحي اليقظان اليماني وضم ثلاث مسرحيات: عقد اللؤلؤ، غيمة التسامح والشموع، عش العصافير، مطعمة بأهازيج وأغان تتناسب مع روح الطفولة. واصدار “بيت الجزيرة” للكاتب هاشم الشامسي واصدار “الاستعارة المعرفية” للدكتور جمال بن علي الحراصي واصدار “على دثار النجمة “ للشاعرة خديجة بنت علي المفرجية ، و” ترويض الفيلة” للشاعر فيصل الحضرمي ، و”الظواهر التركيبية” للباحث عبدالله الهاشمي، و”قهوة مرّة” للقاص سلطان بن حميد البادي ، ورواية “إرّا ليس غاضبًا” للكاتب محمد قرط الجزمي، وكتاب “ وجهني بقصة” للكاتبة ميمونة بنت محمد البلوشية ، ومجموعة “ما لم تقله الأرض” للشاعر العراقي المقيم في السلطنة وسام العاني، واصدار “لست أعرفني” للشاعر محمد المسلمي ، واصدار “ إبحار باتجاه الكلمة” للكاتب الصحفي محمد الحضرمي ، و”ديوان البوح” للشاعر علي الحامدي، ويشتمل على قصائد رثاء للمغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، وقصائد أخرى توزعت في أغراض شتى في المناسبات كالوطنيات، والأعياد، والدينيات، وحتى عن جائحة كورونا. ويصافح الشاعر خالد بن علي المعمري القارئ من خلال غيماته عبر إصداره الجديد “أصافح الغيم” ، أما الكاتب محمد الرحبي، فيسجل حضوره من خلال “الثقافة كما نريد” ، واصدار “كان ظلا وارفاً” للشاعر علي الهاشمي ، ويطل الشاعر يونس البوسعيدي برائحة الشعر من خلال مجموعته “كطائر يحلم بالمطر” ، واصدار” بياض في المخيلة” للشاعر سالم الهاشمي ، و”الجمل التي لا محل لها من الإعراب” للكاتب سامي بن علي الكندي ، و“ شياطين طفل الستين” للشاعر عبدالرزاق الربيعي ، واصدار “من ظلال البيت الكبير” وهو عبارة ثلاث مسرحيات في كتاب، المسرحية الأولى عندما تشرق الشمس للدكتور عماد بن محسن الشنفري، والمسرحية الثانية من وراء القصد لعلي بن محسن الشنفري، والمسرحية الثالثة “سكة إسماعيل” لهيثم بن محسن الشنفري، أما الشاعر عثمان العميري فيقدم “واستقال الملاح”، والكاتبة شيخة الفجرية تستعرض تجربتها مع الرواية عبر “ تلك المائة عام” وهي تحتفي بالتاريخ العماني، وتصقل الدكتورة هدى بنت عبدالرحمن الزدجالية الأثر الفكري العماني من خلال كتاب “العمانيون واثرهم الثقافي والفكري في شرق أفريقيا”.

السبت، 6 مارس 2021

فصل من رواية دلشاد لبشرى خلفان



 

التهم الغول الشيخَ وابنَه، وانتبهت أنا من ضحكي، تغير الوقت، ولم أعد أنا دلشاد الذي كان. أرجع بذاكرتي إلى ذلك اليوم، فأرى عسكريًّا هنديًّا في بنطلون قصير يقف أمامي، يأمرني بالوقوف ويسألني عمَّن أكون، قلت له: اسمي دلشاد وأنا من مسقط، والغول ابتلع شيخي وابنه، لكنه لم يفهمني رغم أني تكلمت بالأوردو التي تعلمتها في سوق مسقط، وساقني أمامه إلى المخفر، وهناك قلبتني الأيادي والأقدام بعنف شديد، أردت أن أصرخ في وجه الأحذية والقبعات، لكن ضحكتي سبقت صراخي، فاهتاجوا أكثر، وازدادت قوة ضرباتهم، ثم فجأة توقفوا وقذفوني إلى الشارع مرة أخرى، دون أن يسألني أحد عن شيء، أو حتى يوجهوا سبابة اتهام إلى وجهي، وكأن كل حاجتهم مني كانت التدرب على الركل والصفع. جررت جسدي ومشيت في أزقة مومبي وحاراتها، كانت عيون الناس تلتفت إلى دشداشتي الممزقة، ومشيتي العرجاء، لم تكن العيون تطيل النظر، بل تستقر قليلًا ثم تذوب، تتجاوز ضعفي وبؤسي بسرعة، وتذهب إلى مكان آخر. كنت أريد أن أتوقف، أن أفتح فمي، أن أسألهم عن شيء ما، لكنني لم أعد أتذكر ما هو، ففي المخفر، علقوني طويلًا من عقبي، وأظن أن كل أسئلتي والكلام الذي في رأسي اندلق على الأرض وغاب فيها.
مشيت طويلًا، وعيون الناس من كثرتها صارت عينًا واحدة، شعرت أني أمشي وحيدًا على صفحة بحر من الأجساد بلا عيون ولا أفواه، حتى اصطدمت بقامة رجل، فانتبهت، نظرت إلى وجهه فوجدت عينين وفمًا، ثم نظرت من حولي، فوجدتني أقف وسط سوق عظيم، كان الناس يسيرون فيه، هنودًا وإنجليزًا وعربًا.
رأيت رجلًا يلبس دشداشة، وعلى رأسه يضع غترة وعقالًا مقصبًا، وفي يده عصا غليظة، عرفت أنه ليس عمانيًّا، فهان مصابي قليلًا، أو ربما تعاظم، ما عدت أفرق بين القليل والكثير، وما عدت أعرف ما أحس به أو أشعر. نظرت إلى وجهه لثوانٍ، ثم سقطت عند قدميه.
لا أعرف متى فتحت عيني أو أين، كانت الأرض تحتي خشنة وباردة ورطبة، وإلى أنفي تسللت روائح كثيرة. مرت دقائق حتى تبينت الضوء الذي يأتي من بعيد، نظرت حولي فوجدت جدرانًا بيضاء تحيط بي، وتحتي أرض داكنة. بقيت ممددًا، قلت: ربما هذا قبري، أعجبني ذلك، قلت: إن لم أكن ميتًا بعد فربما يجب أن أموت، لعلي لو ادعيت الموت، أغريت ملك الموت فيأتي ليأخذني، قبل أن تعود تلك الأقدام الغليظة فترفسني مرة أخرى. من وسط الروائح الخاملة في رأسي، جاءت رائحة تشبه رائحة شيخي، عطره الذي يضعه كل صباح، والذي يتركه خلفه وهو يمشي، فأمر فيه وكأني أدخل في الفرح، فرح واثق كنت أمر فيه كل يوم وما دريت أنه منقضٍ. فرحت بالرائحة، قلت: نجوا من الغول، ولقيني حمد وعاد شيخي لينقذني. تحركت بكل وجعي وقمت محاولًا الجلوس، وبعد أن جلست تلاشت الرائحة وهبت روائح أخرى متداخلة، حلوة، خفيفة، جافة، رطبة وثقيلة، لكن أيًّا منها لم تكن رائحة شيخي. حبوت خطوة أو خطوتين، ثم قمت وبدأت بالمشي، ساحبًا عظامي التي كنت أسمع صراخها في أذني، وصلت عند الباب الموارب قليلًا، اتكأت على جانبه، فوجدت رجلين يجلسان متقابلين، بينهما ميزان يضعان عليه قطعًا صغيرة من الخشب، وقنان كبيرة بها سوائل ملونة ولزجة، يسكبانها في قمع صغير ويوزعانها على قنان أصغر.
انتبه أحد الرجلين إلى وقفتي، فطلب من صبيه أن يحضر لي كرسيًّا وأمرني بالجلوس.
كان يتكلم الهندية، لكن وجهه مثل وجوه أولاد العرب ويلبس مثلهم، سحبت قدمي وجلست، سألني عن اسمي بالأوردو، فوجدتني أرد عليه بالعربية، اسمي فرحان بن غصيب ود السيح.
ابتسم الرجل فالتمع سن ذهب في فمه، ثم سألني بالأوردو مرة أخرى من أين، فقلت له من مسقط، فاتسعت ابتسامته، ولم أعرف لماذا يسألني هذا الرجل، لكنني أردت أن أجيبه، فإن كان في المسألة ضرب فليكن، عسى أن تنتهي حياتي وآلامي. كنت متعبًا، وشعرت أني سأسقط من الكرسي، لكن الرجل أمر صبيَّه فأحضر كأس ماء وقربه من فمي. شعرت في تلك اللحظة بالعطش مُلحًّا وقويًّا وصارخًا في كل جسدي، وكأن جسدي كان بحاجة إلى رؤية الماء حتى ينتبه لعطشه، أو وكأن العطش لم يخلق قبل تلك اللحظة. استعدت شيئًا من قوتي، ثم أحضر لي الصبي كوبًا من الشاي، فارتعشت يدي وهي تمتد إليه، أخذتني رائحة الشاي إلى السفينة، إلى قمرة النوخذة، إلى شيخي البصير، إلى عبوسه ويده التي تحط كحمامة على كتف حمد.
قربت الكوب من شفتي، نفخت فيه لكن الرشفة الأولى أحرقتني فتمهلت، وعندما انتهيت سألني الرجل ولكن بالعربية هذه المرة: «اسمك فرحان بن غصيب ود السيح وأنت من مسقط؟ ويش جابك مومبي وأيش صار لك»؟
قبل أن أجيب أحضر الصبي صينية فيها خبز وعدس ووضعها أمامي، فعرفت أني جائع.
بين اللقمة والأخرى كنت أخبره عن النوخذة والشيخ والغول وعن مسقط وعيسى، لكني لم أخبره عن أمي ولا نسبي ولا مريم ولا عن بيت لوماه. حتى أنا أعرف أن هناك أشياء لا تقال، الخزي واحد منها.
أمر لي الشيخ بفراش في المخزن وطعام، وجعل صبيه يدهنني صبحًا ومساء بخلطات صفراء حارقة، عجلت شفائي، وعندما استطعت المشي دون أوجاع كثيرة، طلبني، وخيرني بين أن أبقى في مومبي أو أن يجد لي مركبًا يعيدني إلى مسقط. لا حاجة لي في العودة إلى مسقط، فأنا لم أتركها لأعود، حتى لو ركلتني كل الأحذية، لماذا أعود إلى مسقط؟ حتى أقف أمام بيت لوماه أطلب مضغة قلبي ولا يرد عليّ أحد؟ كي أقف في لوغان وتنهال عليَّ شتائم العجائز ولوم الرجال، سلمت بنتك لبيت لوماه… أتعرف ماذا يحدث للبنات في بيوت الأغراب.. البيوت الكبيرة.. بعت بنتك يا دلشاد؟ سأقول سنجور جمعة… قاتل الله سنجور جمعة وحكاياته ونصائحه.
لا… ما أريد أرجع لمسقط… أريد أجلس هنا… أشتغل معك.
معي؟ ما عندي لك شغل.
لم ألح في الطلب، شكرته ثم حملت جسدي ومزق ثيابي وخرجت، لا أعرف إلى أين أذهب؟ وماذا سيلقاني في الدرب؟ وأي أحذية ستتبارى على رفسي؟
كانت الشمس والرطوبة ورائحة العفن ممتزجة برائحة طعام يقلى وبروائح أخرى حادة وكثيرة، تنبهت إلى أني لم أسأل الرجل عن اسمه، فالتفت إلى باب الدكان، فكرت أن أعود فأسأله، لكني كنت متعبًا… أكثر تعبًا من أن أهتم.
مشيت قليلًا وأنا غائب الذهن، وعندما تنبهت وجدت نفسي وسط شارع عريض، على جانبيه دكاكين وبسط طعام ورجال ونساء وعتالون وثيران بقرون عظيمة تجر عربات محملة بسلال البضائع ولفات الثياب. قلبت بصري في المكان، ثم شعرت بالخواء يملأ بطني ورأسي، أغمضت عيني لحظة، وعندما استيقظت وجدت نفسي في مخزن الدكان مرة أخرى. لم أرَ وجه التاجر، لكني رأيت حذاءه وطرف ثوبه الأبيض ورشات من طين الشارع تبقعه، وسمعت صوته وهو يأمر صبيه: «عطيه ماي وخله ينام وبعدين عطيه ياكل».سقطت في النوم ثانية، وعندما استيقظت لم أرَ شيئًا سوى الظلام، فقلت: ظلام في ظلام، فأغمضت عيني، لكن الجوع أيقظ معدتي، ورائحة الطعام تسللت إلى منخري، فتبعتها أصابعي حتى وجدت صحن العدس، وتلمست الخبز.
لست بحاجة إلى عيني ولا إلى الضوء لآكل، يدي والصحون وفمي كل حاجتي الآن… في وسط اللقمات غصصت وأنا أسأل نفسي هل كنت بحاجة إلى عيني فعلًا كي أحمي مريم؟

 

فصل من رواية دلشاد لبشرى خلفان

 


"سندلايلات مسقط" بالفارسية

 



مسقط في 16 فبراير /العمانية /

 

 

 تُرجمت رواية الكاتبة العُمانية هدى حمد سندريلات مسقط للغة الفارسية، وستصدر قريبا عن دار ثالث، إذ قامت الكاتبة الفارسية معاني شعباني بترجمتها
وهذه الرواية التي نشرت عن دار الآداب عام 2006، حيث تستعير الكاتبة في روايتها حكاية “السندريلا” الشعبية، لتؤثث عالما روائيا جديدا تقعُ أحداثه في مطعم صغير مُطل على البحر في مسقط. غير أنّ “سندريلات مسقط” الثمان لم يخرجن بغرض البحث عن أمير وإنما لمتع أخرى. تُدخلنا الرواية إلى أجواء فنتازية غير متوقعة، ولكن عندما تبدأ الرواية بتفتيت حكايات الشخصيات، نجد أنفسنا نصطدم بواقعية تُشبه اليومي والبسيط المعتاد من حياة النساء.
كانت السندريلّات الثمان متأهبات للتحول، ومستغرقات في الحكي الذي يمتد حتى تدق الساعة الثانية عشرة ليلا، حيث يغدو الحكي هو المعادل الموضوعي للشعور بالخفة والتغلب على آفة النسيان. كما أنّ الطباخ “رامون” هو المعادل الموضوعي للإصغاء الذي يفتقدنه.
وتقول الكاتبة هدى حمد: “لا توجد قضية كبيرة في هذا العمل. إنّها ليلة سهر صاخبة 
بالحكايات وحسب. الحكايات العادية والبسيطة كما تبدو من الخارج وهي في الوقت نفسه بالغة الإيذاء، وكثيرا ما تتسبب في تدميرهن. السندريلات لسن كما يبدو لنا، أنيقات وجميلات وبالغات الرقة، إنّهن متحولات وحسب، وهن في بيوتهن شيء آخر تماما”.صدرت للكاتبة هدى حمد ثلاثُ مجموعات قصصيَّة عن مؤسسة الانتشار العربي، “نميمة مالحة”، “ليس بالضبط كما أريد”، “الإشارة برتقالية الآن”، وأربع روايات، “الأشياء ليست في أماكنها” التي حازت على المركز الأول في مسابقة الشارقة للإبداع العربي2009م، وجائزة جمعية الكتاب والأدباء كأفضل إصدار في العام نفسه، ورواية “التي تعدّ  السلالم”، عن دار الآداب في إطار “محترف نجوى بركات” 2014. ورواية “سندريلات مسقط” 2016، ورواية “أسامينا”2018. وكان آخر اصداراتها كتاب مقالات وتأملات بعنوان: “تأمل الذئب خارج غرفة المكياج” عن مؤسسة الانتشار العربي