الاثنين، 25 أكتوبر 2010

الكتب بين السرقة والإعارة





*أد. محسن خضر

هل تعيد ما استعرته من كتب الآخرين؟
قبل 221 عاما مضت استعار جورج واشنطن أول رئيس أمريكي كتابين هما "خطب ذات شأن عظيم في العلاقات الدولية" والمنأشات البرلمانية"، على أن تتم أعادتهما في الثاني من نوفمبر من العام نفسه إلا أن الكتابين لم يعودا حتى اليوم.
حدث ذلك في عام 1789.
كانت بنيويورك مكتبة وحيدة، ويفرض نظام المكتبة غرامة على التأخير، وتبلغ حجم الغرامة حوالي 14 آلف دولار.
التأخير اكتشف أثناء محاولة إدخال نظام الترقيم الإلكتروني بالمكتبة. تأملت الواقعة ملياً.
السؤال: لماذا لا يعير البعض ما يستعيدونه من كتب الآخرين؟
للمفكر الكبير عباس محمود العقاد عبارة شهيرة ومفارقة:
" غبي من يعير كتابا، والأغبى من يعيده".
كثير ممن أعرفهم من المثقفين يشتكون بأن أصدقائهم لا يعيدون ما استعاره من مكتباتهم (جمال الغيطاني، بهاء طاهر) مثلاً، كما يشبه البعض بأنهم يسطون على مكتبات أصدقائهم ولا يرون عيباً في ذلك، بل ثمة رأي شائع مختلف بين الكثيرين بأن "سرقة الكتب حلال"، وهي مغالطة أخلاقية ومنطقية واضحة.
في تجربتي الخاصة أؤمن بأن تدوير العلم يشابه تدوير المال في المجتمع، سواء من منظور ديني أو من منظور أخلاقي، فاحتجازك أو اقتناؤك لكتاب يفرض عليك التزاما أخلاقيا تجاه الآخرين: تعلما أو اعارة أو اهداءا أو تبرعا، ولذلك فإن مساعدة طلابي في مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا بالمراجع موقف ثابت، وإن يبدو الأمر شاقا مع جامعة الأعداد الكبيرة مثل جامعة عين شمس، فتظل تحمل عشرات المراجع في كل فصل دراسي ذهابا وعودة ربما بسبب فقر مكتبات الجامعات أو إختفاء بعض المراجع المهمة، أو عدم كفايتها، ولم أسجل في مرة واحدة اسم طالب استعار أحد كتبي، وأحيانا يحدث ألا يعيد البعض المراجع تكاسلاً أو نسياناً، وبين الحين والحين أعيد شراء ما فقد من هذه الكتب.
يرهبني مسألة اكتناز العلم أو الكتب (مع أن شبكة الإنترنت يسرت المسألة نسبيا، وأرى أن على المثقف دورا خصباً ومعيناً تجاه نشر المعرفة في المجتمع، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر تأمين أوعية ومصادر المعرفة..
لا معنى في مجتمعاتنا الأمية أو المسطحة ثقافيا – لمنع إعارة كتب المرء للآخرين، بل لا يملك المثقف الملتزم أن يتجاهل حق الآذى في ما لديه من معرفة، فكراً ووسائط، وأن يد يده إلى مجتمعه بالرأي والنفوذ والإتصال والتغيير.
لا يعيد القراء كتبهم إلى الآخرين أو المكتبات طمعاً أو نسياناً أو تكاسلاً أو أستحلالاً، ولكن يتبقى حقيقة صعوبة وصول شباب القراء إلى الكتاب الجيد والمعقول ثمناً هي مسئولية مجتمعية مستمرة، أعني أن الدولة مسئولة من خلال أجهزة الثقافة والإعلام والتعليم من توفير الكتب وربما ساعد إمكانات المعرفة الرقمية على تيسير نشر الكتب حتى القديم منه، وثمة مبادرات مميزة على المستوى العربي نشر الكتاب المدعم للقراء وخاصة الشباب منه ، منها مشروع "القراءة للجميع" في مصر، وكتاب في جريدة الذي تتبناه اليونسكو بالتعاون مع صحف عربية، بالإضافة إلى سلسلة عالم المعرفة" الكويتية الناجحة، كما بدأت بعض المجلات الشهرية (دبي الثقافية، الرافد، الثقافة الجديدة، المجلة العربية) في إهداء كتاب مع كل عدد من المجلة..
عن نفسي فأنا ذلك الغبي الذي عناه العقاد الذي يعير كتبه، والأغبى منه، أنا أيضا الذي يعيد كتب الآخرين لأنها مكرمة أخلاقية.
يا ترى، أكان الرئيس جيفرسون ناسيا أو متناسيا عندما لم يعد كتب مكتبة نيويورك قبل قرنين أو أكثر من الرقابة؟.

*أستاذ بجامعة عين شمس
المصدر نشرة المسار العدد رقم 194

السبت، 23 أكتوبر 2010

ما أراه ليس ما أراه






"وسط ضجيج الصور المتناثرة لتشكل مشاهد أكثر تشتتا ركام من الأوراق وحبر يظل ينزف وينزف وينزف حد النهايات رعب من صراخ الصورة وخوف من عدسة المجهول..." هكذا جاء على غلاف كتاب " دراسات في التصوير" للدكتور عبد المنعم الحسني من قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية في الجامعة وقد صدر ضمن سلسلة إصدارات "كتاب نزوى".
بعد الغلاف تستقبل القارئ كلمات فرانز كلين: " ما أراه ليس ما أراه، إنما هي الأحاسيس التي تستثار في داخلي من خلال ما أرى وتلك هي أصورها"
قبل استعراض محتويات الكتاب في المقدمة يشير المؤلف بأن المكتبة العالمية والعربية ما تزال تعاني من نقص شديد في المرجعيات المتعلقة بدراسة التصوير الضوئي ونقده وتحليله. من هنا يأتي هذا الكتاب ليتدارس مجموعة من القضايا المتعلقة بالتصوير الضوئي.
ويضم الكتاب مجموعة من الدراسات التي كتبت في مراحل زمنية مختلفة تحتفي في مجملها بالصورة الضوئية وتحاول أن تقدم قراءات تحليلية نقدية في هذا المجال وهو عبارة عن ثمان دراسات وحوارين.
الدراسة الأولى بعنوان " التصوير الضوئي"، والثانية بعنوان " التصوير بين العدسة والفرشاة" وأما الثالثة فتتناول " الأثر الفني بين الفنان والمتلقي" وفي الدراسة الرابعة يتطرق المؤلف إلى " قراءة الصورة الضوئية.. تحليل سميوطيقي" وبالنسبة للدراسة الخامسة فتتناول " الصورة الصحفية.. بين الثقافة والإيديولوجيا"، وعنوان الدراسة السادسة " الفن والإسلام.. والبحث عن أرضية مشتركة"" وجاءت الدراسة السابعة بعنوان " الفوتوغرافيا العمانية 1970-2009م" والدراسة الثامنة والخيرة فهي تتعلق " بالفوتوغرافيا المفاهيمية" أو فن الفكر كما يطلق عليه البعض.
يضم الكتاب حواراً بين المؤلف والمصور العالمي يوجين جونسون من خلال رؤيته الفنية في مجال التصوير الضوئي وعلاقته بهذا الفن وعلاقة الفنون بالمجتمعات ووجهة نظره حول التصوير الضوئي في السلطنة.
أما الجزء الأخير من هذه الكتاب فهو رؤية المؤلف وتجربته في مجال التصوير الضوئي وهذا الجزء في الأصل عبارة عن حوار تم إجراؤه مع المؤلف ونشر في إحدى الصحف المحلية.









معبر أزرق برائحة اليانسون (سلطة الأشياء وخفوت الإنسان)



في ندوة بنادي دار العلوم





أقيمت الخميس الماضي ندوة بنادي دار العلوم حول رواية "معبر أزرق برائحة اليانسون" للكاتبة ياسمين مجدي، تحدث فيها كل من د.محمود الضبع، ود.حسام جايل، وأدار الندوة الناقد أحمد حسن.
تحدث في البداية د.حسام جايل عن عالم الرواية، الذي يدور في محطة المترو، ليبدو قطار المترو نفسه كرمز للحياة في تحركها وفي رحلة الصعود والهبوط. وأشار جايل إلى أن الكاتبة قدمت هذا العالم عبر بطل رواية ذكر، مما عكس قدرتها على النفاذ والكتابة من زاوية رجل، ليتسم العمل بجرأة مغلفة بحياء الأنثى، بالإضافة لاعتمادها فكرة جماليات القبح من رائحة العرق وزحام الموسكي. أما عن اللغة فقال جايل أن اللغة مجنحة وشعرية،وبسيطة، وأن الكاتبة استطاعت نحت لغة تخصها.
وفي كلمته أكد د.محمود الضبع أنه قدم قراءة نقدية لرواية "معبر أزرق برائحة اليانسون" في سياق دراسة يقوم بها حاليًا لتحديد ملامح الرواية العربية الجديدة. وأوضح الضبع أن الرواية تحكي عن مجموعة من القابعين تحت الأرض، وكيف أن أحلامهم لا تعبر هذه المساحة، رغم محاولاتهم للبحث عن ذاتهم طوال الوقت، فالأبطال يقدموا حكاياتهم العادية، التي لا تحمل أي بطولات، لكنها في الوقت نفسه تحمل مشكلة العالم ومشاكل تمس عالمهم النفسي والجسدي سواء كمسيحيين أو كمسلمين. وعن الأسلوب ذكر الضبع أن مستوى الخطاب تعدد في الرواية، كما أن الكاتبة لم تكتف بالسرد الروائي، واستعانت ببعض الصور والرسوم وإعلانات الجرائد ووظفتها داخل بنية الرواية، بما يحيل إلى إمكانية انفتاح الرواية على رسائل أخرى إلى جوار رسائل السرد.
أما الناقد أحمد حسن فتحدث عن بيئة صراف التذاكر في المترو، تلك البيئة الزجاجية التي تؤثث لرؤية العالم، فتصنع إحساس العاجز. وأشار حسن إلى أن الرواية تؤكد على سلطة الأشياء، حيث يصبح للأشياء سلطتها على الإنسان الهامش، وطبيعي أن ينزوي الإنسان المقهور والمقموع لتمارس الأشياء دور الفاعلية، فيصبح لها حضور في مقابل خفوت الإنسان. فيعترف البطل في أحد الأجزاء أن الملابس هي التي تحمله إلى عمله. وعن الخيال ذكر حسن أن الصور والاستعارات ليست مجانية بل موظفة لخدمة البنية الشخصية السردية في النص.
في النهاية تحدثت ياسمين مجدي عن جانب توثيقي لتجربة كتابتها لهذه الرواية، وكيف أنها ذهبت في رحلات للعتبة من أجل البحث عن منزل البطل، وأنها اصطحبت البطل معها في داخلها، وأشارت ياسمين أنها عاشت سنة كاملة مع هذه الشخصيات، فكانت تركب المترو في رحلات شبه يومية طويلة وتعود المنزل لتستمع لصوت المترو المسجل، فتشعر أنها عالقة في هذا العالم، وكل تلك الأشياء تسبب وجع كبير للكاتب، حتى أنها اعترتها بعض الهواجس والخوف أثناء الكتابة من البطل نفسه

«دفقات» للظفري.. تأمل في الحب والحياة





في البداية تعاملت مع قراءة مجموعة «دفقات» للشاعر العماني سعيد الظفري، وكأنها للتعرف على تجربة بسيطة، ولكن القراءة أخذت مجرى غير ذلك، فالقصائد أثارت بي حماساً وانفعالاً محرضاً على تلمّس الجدية، والجدة التي ميزت بعض القصائد... فإذا بي أمام تداخل طقسي ملحمي وخطابي غنائي ووجداني صوفي، مفعم باستحضار روحي مدروس، وعمدي لعناصر زادت غزارة الشعرية من الأسطورة، ورمزيات المكان والشخوص التي امتزجت بالشخصي، فرفعت هذا الشخصي إلى حوارية العام الملحق بتفاصيل لكينونات، أعطت لتجليات الحياة بعدها التأزمي المأساوي، مختلطاً بفرح ذلك العارف لمكنونات الألغاز: الشاعر.
قصائد «التغيّر» و«عندما يسقط المهد» و«تمرّد» و«عندما ننكر الأمواج» و«طفولة الأصيل»، هي أسّ المجموعة، وهي افترشت حكائيتها كموضوع شعري. ولقد تماهى هذا الموضوع بتوهّج درامي، ترك للمعنى حرية التعدد والغموض والوضوح، وحتى الاختفاء. وحَسْبُ كل جملة محمّلة بخاصيات تكشف جوهر القول الشعري، ما جعل كل قصيدة تنتهي إلى وحدتها المضمونية، في تحوّلات سياق منتظم بتأطير صوري، وصيروراته تتسلسل وفق نباهة شاعرية، تقصد الوصول إلى غاياتها المعرفية لتعكس الثقافي بالشعري في مضمون يتناغم معنوياً:


وأرى قابيل يناديني


في من تخطب يا هذا؟!


في الدنيا آدم أو حواء


وأخي هابيل المجنون


والكلّ جميعاً قد رحلوا


وكلامك ما عرفوا


هذيان يطلب شرعية


والعالم يقضي بالإعدام


فهنيئاً يا مزن


ويقول في قصيدة «نواح على قيثارة دينار الراوي»:


في عمق سكونك


ما عدتَ تجرّ بكحل العينين جيوش الحاضرة الحبلى


وشموخ إهابك سوف يُصاغ


لم يدروا أنك قدّمت لهم مأساتك


كي يتوكأها مجدٌ بالأمس أضاعوه


القول الحكائي الشعري يدور حول اضطهاد المجتمع لانتماء الرجل الحرّ إلى روح هذا العصر، فالقصاص اليومي حدث متكرر، والشاعر هو ذلك الرجل الحرّ الذي يخترق أسوار الممنوع أو الخطوط الحمراء التي هي حدود العرف والعادات التي تمثّل النظام العام الاجتماعي.
إن واقعاً من الانغلاق والظلامية الطاغية، يسدّ على الشاعر باب وعي تحوّلات الحياة، فهو على الرغم من تأكيد انتمائه للمجتمع متهم ومشكوك بأمره، وأية مناداة له بالتغيّر، تعني الخروج، وتعني مقامرة تستحق مواجهتها، هنا يستنجد الشاعر بالحب وبِجَيَشانِ أحاسيسه الرقيقة، ليعوّض أولاً، وليؤكد على بدائل آنية، فيضفي على قصائده رومانسية وسيولة أحلام، تطغى أحياناً فتبدو القصائد غنائيات للحب وللحرية معاً:


لا تلومي مصبراً في نهار يتعثر


لو تأملت قليلاً


جلّ من في الأرض يسعى نحو لذه


يتمسك الشاعر بمكابرة الواثق بنفسه في تحدّي النقائض المتصارعة في المجتمع، فاضحاً ذلك السوء الذي جعل الحقيقة السوداء، تحلّ محلّ السياق الطبيعي لعدالة سماوية، أرضية كما يراها الشاعر وهو يمارس حضوره البطولي.
وعلى أية حال تقف مجموعة «دفقات» الصادرة عن وزارة التراث والثقافة العمانية لتضيف للشعر العماني زهواً ما، ولو أن الشاعر اهتم قليلاً بقضية الشعر الشكلية، لقدّم ديواناً شعرياً في غاية التألق الشكلي والموضوعي معاً.





أمير سماوي






الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

إعادة ترتيب الكتب ومؤلفيها على الرفوف


كان عليّ أن أسحب كل هذه الكتب من عشرات الصناديق الكرتونية، وأعيد ترتيبها وصفّها على أرفف المكتبة الخشبية الضخمة. كتب قضيت أكثر من 25 سنة في اقتنائها نسخة نسخة. مئات الكتب انتقيتها للإحتفاظ بها دون مئات أخرى إما تخلصت منها من فور وصولها إليّ، وإما خسرتها سرقة وتلفاً وضياعاً. كتب قرأتها مرة واحدة أو لم أفتح صفحتها الأولى بعد أو لم أكمل مطالعتها حتى النهاية أو قرأتها لأكثر من مرة واحدة، بل وكتب نسيت إن كنت قرأتها أم لا. كتب تحمل تواقيع إهداء من مؤلفيها وكتب سرقتها من أصحابها وكتب اشتريتها مستعملة، وكتب وصلتني من دور النشر مجاناً، وكتب دفعت ثمنها بحبور وأنا أختارها من أجنحة معارض الكتب.

هذه هي المرة التاسعة منذ العام 1991 التي اضطر فيها لتوضيب مكتبتي لأنتقل إلى بيت جديد، حيث علي أن أعيد توزيعها كتاباً كتاباً على الأرفف الكثيرة والعميقة التي تتسع لصفين من الكتب في داخلها. ويحدث أن أنظّمها باستمرار وفق موضوعاتها، فدوماً أضع كتب الشعر العربي سوية متضامنة متخاصرة، وعلى حدة أضع كتب الشعر المترجم عن اللغات الأجنبية. هذا التقسيم نفسه أتبعه مع الروايات، إذ يتراءى لي أنه لا يجوز الخلط بين الروايات المصرية والروايات اليابانية مثلاً، مثلما لا يجوز أن أضع سرفانتس وكونديرا مع محمد مهدي الجواهري، فذلك سيلخبط طريقة تفكيري بالأدب، وسأبدو للناظر إلى مكتبتي أني فوضوي أو غير قادر نقدياً على التمييز بين أنواع القراءات.
لكن حين تكون الكتب في الكرتونة تحدث مجاورات مدهشة فيما بينها، كأن أجد "رجوع الشيخ إلى صباه" مع كتاب عن الغزالي، أو رواية "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي مع "أيام القتل العادي" لوضاح شرارة، أو كتاب نيتشه "ما وراء الخير والشر" وتحته كتاب عن صدام حسين. وأجمل تلك المصادفات وقوع كتاب لمحمود درويش فوق رواية عاموس أوز. وفي هذه المجاورات واللقاءات أنتبه إلى أن قراءاتنا "المنهجية" قد تكون خطأً فادحاً، وأن الكتب تستطيع أن تقترح علينا ما لا نهاية له من منهجيات القراءة والقرابة بين أنواع الكتابة والأفكار. وربما يجب ترك الكتب هكذا تختار بعضها البعض، أن تختلط كما الناس على أرصفة المدن في "فوضى" لا تشبه إلا الحياة نفسها، وتتعارك على الصدارة والإصطفاف، متنازعة ومتصالحة كما في العيش نفسه.
مكتبتي العميقة السميكة تستوعب في كل رف صفاً داخلياً وصفاً خارجياً، وإذ اضطر كل بضع سنوات إلى إعادة ترتيبها مع كل تبديل في السكن، أكتشف في كل مرة أنني غيّرت كثيراً في تلك التي أختارها بارزة وتلك التي ستقبع في الخلف غير مرئية. يحدث الإختلاف هذا في كل مواضع وخانات المكتبة، تلك الرفوف السياسية، وتلك الرفوف المختصة بشؤون الإسلام والتراث وهذه المخصصة للمؤلفات الفلسفية والأفكار والعلوم الإجتماعية والتاريخ...إلخ. ذلك أن بعض الكتب تصيبها الشيخوخة المبكرة، أو تصاب بمرض الشلل الفكري، أو تصير باطلة المحتوى، وبعضها يكون موضة رائجة ويصبح فجأة بائخاً وعتيق الطراز، وأخطرها تلك الموميائية التي لا تتحلل رغم موتها، وأسوأها تلك الرديئة التي لها رغم ذلك سطوة وجدانية وثقافية تردعنا عن رميها. لكن على الأغلب ثمة الكثير منها يصير ضحية ضيق المكان فاضطر إلى وضعها في الخلف بكثير من التردد والحسرة. القليل منها فقط ما وضعته في الخلف بسرور لا لأنها ضعيفة القيمة بل لأني بت أمقت مؤلفها مثلاً، فيذهب الكتاب متقهقراً ضحية تعسف الأهواء الشخصية.
ثم أنني في كل مرة أعاود إختراع تقسيم جديد من مثل ذاك الرف المستحدث منذ العام 2005 والمخصص فقط للبنان، إذ ما عدت أطيق وضع الكتب التي تتناول لبنان مع تلك التي تتناول بلداناً عربية أخرى. ما عدت أحتمل كتاباً عن لبنان بجوار كتاب عن أزمة الشرق الأوسط. أعرف أن هذا ليس ترتيباً منطقياً، إنه "مزاج" سياسي فحسب.
على هذا المنوال أشعر أن علاقتي بالكتب تخضع للتبدل والتحول، علاقة حب وكراهية، إنجذاب ونفور، وتقلبات عاطفية ودهشات فكرية وذاكرة مخادعة، مثلما يحدث إذ نسمع أغنية فتنبثق ذكرى قديمة كحلم يقظة. فها إني أمسك مجلدات "الدون الهادئ" فتندلع في رأسي الرياح الجليدية وجحافل الفرسان القوزاق والسهوب الروسية.. ها هو "جاروميل" شاعر كونديرا بجوار حبيبته الحمراء اللون، الذي جعلني أخجل من صفة "الشاعر". هذا كتاب ميشال شيحا الذي قرأته مطلع التسعينات مستهدياً إلى وعي جديد سيلازمني حتى اليوم، متذكراً معه قراءاتي لأحمد بيضون وسمير قصير والخطاب الشهير للأب سليم عبو.
ها أني أجمع مجموعات بسام حجار الشعرية، متذكراً خط يده المرتعش، جلسته اليومية قبالتي في المكتب، ضحكته الصريحة التي لا يعرفها سوى المقربون، ثم أني أضع معها كل "رواياته" الفرنسية واليابانية، فلا أعود أعرف إن كانت كتب بيسوا من تأليفه أم أن بسام حجار إخترعها لنا، أو أن رهافة كاواباتا هي من صنعه أم هي في ترجمة بسام فقط؟ ثم هذا الشاعر المتوحش محمد الماغوط الذي أحرص كل مرة على وضع مجلده القديم (منشورات دار العودة) لوحده بارزاً فوق كل كتب الشعراء الذين من جيله، كإعلان لا لبس فيه عن إنحيازي له دون الآخرين.
بالحرص نفسه أجمع كل مجموعات سركون بولص وعباس بيضون سوية كتوأم شعري لا أحد يتبين توأمتهما سواي، كذلك ريتسوس وكفافي اليونانيين. وأنتبه إلى كل الكتيبات الشعرية التي ترجمها سعدي يوسف، وأحتار هل محبتي لهذا الشاعر العراقي اللندني متأتية من شعره أم من شخصيته الجذابة الملهمة أم من إختياراته في الترجمة الشعرية؟ الكتب لها خاصية إجتماعية، أقول وأنا أرتب دواوين محمود درويش، متقصداً وضعها هذه المرة بجوار كتب شعراء موتى سبقوه (نزار قباني، صلاح عبد الصبور، عبد الوهاب البياتي، بدر شاكر السياب..).
في كل مرة أتعجب من كتب موجودة من غير درايتي بها، مجهولة أو منسية، أو أتت بطريقة غامضة وصمدت إزاء كل "جردة" تصفية. كتب تعيش في عزلة وكتب أغمرها بالود، وأخرى أودّ أن يرثها مني إبني، الذي أهديته أمس "العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية".
طوال 25 سنة ظننت أني أختار كتب وأشتريها، غير منتبه إنها هي التي اختارتني، وظننت أني كوّنتها لكنها هي التي كوّنتني، وظننت أن المكتبة بكتبها هي لمؤلفيها، لكنها بالأحرى هي من تأليفي وهي في الوقت نفسه التي صنعتني.

يوسف بزي
شاعر وكاتب لبناني، بيروت
ybazzi@almustaqbal.com.lb


المصدر موقع كيكا


فلنصنع ذواتنا ومستقبلنا عبر القراءة



يغذي الماء ومختلف أنواع الأطعمة أبدان الناس والقراءة غذاء العقل والروح والوجدان، ويصعب الفصل بين الإبداع والقراءة والتثقيف الذاتي وسعة الأفق، وتبيّن سير عظماء العالم أنهم كانوا منذ الصغر قراء نهمين، وتعشق الدكتور مريم الوشاحي القراءة منذ نعومة أظفارها وتتمنى أن يقبل جميع طلابها وطالباتها على القراءة ليصنعوا ذواتهم ومستقبلهم والقراءة لا ترتبط بالمقررات والمواد الدراسية فقط وإنما هي أكثر من ذلك هي مصباح أو عامود إنارة يرشد كل شخص إلى الطريق الذي يناسبه أو يلائمه، وتشعر الدكتورة مريم بالحزن لأن أمة اقرأ لا تقرأ، المسار تقلب بعض الصفحات من أوراق شجرة غرست في بستان القراءة والتفوق فإلى التفاصيل.
موقف بسيط

تعمل الدكتورة مريم بنت أحمد بن سالم الوشاحي أستاذا مساعدا بقسم تكنولوجيا التعليم والتعلم في كلية التربية وهي من مواليد 22 أبريل 1975 وعاشت طفولة سعيدة وهادئة في ولاية شناص وتقع في أقصى الشمال من سهل الباطنة لذا تعرف ب"ثغر الباطنة" ، عاشت الدكتورة مريم في المنزل نفسه ودرست في المدرسة نفسها جميع المراحل الدراسية وترتيبها الخامس في عائلة مكونة من 5 إناث و3 ذكور. من أجمل ذكريات الطفولة الجري تحت الشمس في حواري قرية "العقر" فهو بالنسبة لها يعني الانطلاق والحرية وبراءة الطفولة وأيضا الأمان إذ لم يكن هناك ما يدعو للخوف والقلق. حدث لها موقف بسيط عندما كانت طالبة في الصف الثاني الابتدائي وترك ذلك الموقف أثرا كبيرا في حياتها وقد طلب منها إعادة كتابة نصف الكتاب المدرسي كواجب أثناء إجازة الربيع ولم كين هذا الواجب ممتعا لطفل في الصف الثاني الابتدائي وكانت تقوم بتأجيله كل يوم وانتهت الإجازة وبعد معاناة اعترفت لأختها الكبيرة وطلبت منها كتابة نصف الواجب على أن تقوم هي بكتابة النصف الثاني فرفضت الأخت الكبيرة بشدة وذهبت إلى المدرسة وواجهت مصيرها وتلقت العقاب وقد تعلمت من هذا الموقف بأن كل إنسان مسؤول عن نفسه وأفعاله ولا يجوز له أن يلقي اللوم على الآخرين في حالة خطأ ارتكبه هو ويستفزها كثيرا الشخص الذي يخطأ ويحاول الهروب أو التملص من خطأه وتبعات هذا الخطأ.

ماذا ينقصكم؟

كان ترتيبها الأول من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية وقد ذكرت الدكتورة مريم بأنه لم يكن يسمح لها ولجميع أخوانها وأخواتها أن يكونوا في مراتب أقل من المرتبة الأولى وكان سؤال الوالد دائما: "ماذا ينقصكم لتكونوا في المرتبة الأولى؟"
للوالد العزيز مكانته والكل يحترمه ويهابه حتى أثناء غيابه الطويل لمدة 3 أشهر بسبب ظروف عمله بالسلك العسكري في دولة الإمارات العربية المتحدة وكنا نحترم وصيته ومن أجمل الأشياء التي غرسها فينا مساعدة بعضنا البعض وتحمل كل طفل مسؤولية الذي يليه أو يصغره، وبالرغم من غيابه إلا أنه كان حريصا على إرسال الصحف لنا وكذلك الكتب ومكافأة النجاح تمثلت في رحلة إلى إحدى المكتبات الكبيرة وشراء الكتب ومع إن الوالدة لم تكن متعلمة إلا أنها كانت تشجعنا على المذاكرة وتحاول توفير الأجواء المناسبة في البيت قد تحملت الكثير من المسئوليات والأعباء.

الجودة أولا

حافظت الدكتورة مريم على مركزها الأول بعد التحاقها بالجامعة وحصولها على نسبه 97م وهي نسبة تضعها أمام خيارات كثيرة ولم ترغب في الطب والعلوم واختارت كلية التربية وتخصصت في مجال الفيزياء وتخرجت من الكلية سنة 1997م ولكونها الأولى على الدفعة تم تعيينها ضمن تخصص تكنولوجيا التعليم والتعلم وفي السنة نفسها تخرج أخوها يوسف من كلية الطب والعلوم الصحبة وعمل في مستشفى الجامعة، في سنة 1998 سافرت إلى المملكة المتحدة ودرست الماجستير في جامعة ليدز وعادت في سنة 1999م وفي نهاية 2002م سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودرست الدكتوراه في جامعة أوهايو وعادت إلى السلطنة سنة 2007م، وأشارت الدكتور مريم بان الدكتوراه كانت حول التطوير المهني للمعلم الجامعي في مجال تكنولوجيا التعليم وتعلمت أشياء جديدة أثناء الدراسة منها أن المنافسة ليست في الكم والحصول على التفوق وإنما الجودة هي الأهم وخاصة في العمل كذلك لا تلغي المنافسة التعاون والدعم وكان الطلاب يشكلون فرق دعم وتعاون دراسي واجتماعي.

صائدة الجواسيس

قامت جريدة الخليج بنشر رواية "صائدة الجواسيس" على عدة حلقات وهي رواية قالبها خيالي وعلمي وقد تابعت فصولها الدكتورة مريم ولا يمكنها نسيان هذه الرواية لأنها تتناول الكثير من المصطلحات السياسية بشكل سهل ومبسط وساعدتها هذه الرواية على دخول عالم الكبار وفهم الأحاديث والنقاشات التي تدور في مجالسهم، وتتمنى الدكتورة مريم الالتقاء وجها لوجه بمؤلف كتاب "رحلة السندباد" تيم جيفرسون ويذهلها كثيرا طريقة عرض ووصف الرحلة التي قام بها المؤلف بالإضافة إلى احترامه وثقته بالبحارة والذين يتمتعون بمهنية عالية وهناك وصف للأهوال والمخاطر التي تعرضوا لها، وإهداء الكتب بالنسبة للدكتور مريم حياة جديدة للكتاب ومتعة كبيرة وخاصة الكتب التي تحبها وقد قامت بإهداء نسخ من رواية "الزهير" للروائي العالمي باولو كويلو والكتاب أمانة ويجب أن يصل إلى القراء الذين يستحقونه وقد شعرت بسعادة كبيرة عندما زارت إحدى الطالبات مكتبها وطلبت منها النصيحة وسألتها الطالبة: كيف لي أن أجد من يشاركني قراءة الكتب التي أحبها؟

مرايا بلاد العجائب

أثارت مجموعة من المرايا ذات الأحجام المختلفة والشكل الدائري والمعلقة في مكتب الدكتورة مريم فضول المسار فسألتها عنها وذكرت الدكتورة بأنها قامت بشرائها ولها طريقة معينة في الترتيب والتنسيق إلا أنها قامت بتوزيعها بطريقتها الخاصة وبشكل عشوائي فأحيانا العشوائية والفوضى تمنح الترتيب والنظام حياة من نوع آخر ولا تسمح الدكتورة مريم لأي زائر بلمس هذه المرايا أو محاولة إعادة ترتيبها فمكتبها هو مملكتها الخاصة بها وترغب في جلب أشياء جديدة لاستقطاب فضول الزوار والمرايا برأيها تحكي لكل إنسان قصته مثل المرايا في قصة " أليس في بلاد العجائب" للكاتب وعالم الرياضيات والمصور الفوتوغرافي الإنجليزي لويس كارول، وفي داخل كل منا " أليس".

روح الجامعة

تختتم الدكتور مريم بنت أحمد الوشاحي حديثها مؤكدة بأن الطالب هو روح هذه الجامعة وأساسها ولابد من تكاتف جميع الهيئات في الجامعة من أكاديمية وإدارية وفنية للارتقاء بالعملية التعليمية وتطوير الطالب الجامعي.



الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

صبا الصوت


أخبرني عن هذا المشروع الصديق يونس الحراصي ويهدف لأن يكون أضخم مشروع لإنتاج المحتوى العربي الثقافي ووضعه في صيغة رقمية تسجيلية سواءً ككتابٍ مسموع, أو كبرمجيات تثقيفية وتعليمية, أو كتوثيق صوتي ومرئي, ونشر ذلك كله في الأسواق العربية والعالمية بهدفِ الوصولِ باللغة العربية, والمكتبةِ العربية, إلى مواكبةٍ مُلائمةٍ لعصرنا الحديث.
والمزيد تجدونه في هذا الرابط:

الاثنين، 11 أكتوبر 2010

النسخة السابعة لمعرض الكتب المستعملة


بدأت صباح اليوم بجامعة السلطان قابوس فعاليات المعرض السابع للكتب المستعملة تحت رعاية الدكتور سعيد بن علي اليحيائي نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية وخدمة المجتمع وذلك في قاعة المعارض بالجامعة.

وحول المعرض ذكر الدكتور سعيد بن علي اليحيائي: المعرض يقام للمرة السابعة وأرى بأن فكرة هذا المعرض ناجحة وأزكيها لمردودها الإيجابي على الطلبة والأكاديميين بالإضافة إلى الاستخدام الأمثل للكتاب وأتمنى الاستمرار لهذه الفعالية مع استفادة الجميع منها.
وقام بتنظيم المعرض دائرة المشتريات بالجامعة وقد ذكر معمر بن عبد الرحيم بن عيسى الميمني رئيس اللجنة التنظيمية للمعرض ورئيس قسم الكتب الدراسية بأن المعرض يشتمل على 24 ألف كتاب منها 8 آلاف كتاب باللغة العربية و16 ألف كتاب باللغة الإنجليزية ويبلغ عدد العناوين 380 عنوان منها 160 عنوان باللغة العربية و220 عنوان باللغة الإنجليزية.
وأضاف الميمني بأن اليوم مخصص للطالبات وبالعادة يقام المعرض لمدة 5 أيام ولكن الوضع يختلف هذا العام كما إن أبواب المعرض مفتوحة يومي الخميس والجمعة، وكتب المعرض دراسية وعلمية وهي تمثل كليات الجامعة التسعة بالإضافة إلى مركز اللغات وكتب كلية الحقوق تعرض لأول مرة في الحرم الجامعي وتم ترتيب وتنظيم الكتب حسب كليات الجامعة وتخصصاتها ولتسهيل عملية الشراء والدفع وتجنبا للزحام تم تخصيص ثلاث أماكن للدفع مع حجز مجموعة من النسخ للطالبات.
الجدير بالذكر أن المعرض يستمر حتى الثامن عشر من أكتوبر الجاري.







الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

أدب الومضات الجدارية


بحث ودراسة:

الشاعرة خيرة خلف الله - من تونس
والكاتب عبد اللطيف المنيّر- من سوريا

مع التواتر نسق الحياتي السريع، وانتشار المعلومة اللحظية الناتجة عن ثورة البرمجيات تقارب العالم وناسه، وتلاقحت أفكاره بثقافة الآخرين، وأفرزت شكلا ثقافيا معاصراً نتيجة التداخل الحضاري. وأصبح العالم في تقاربه أصغر من قرية صغيرة. هذا النتاج الجديد لم يكن مألوفا لدينا، لكنه تزامني مع هذه الحياة السريعة، وشمل واثرعلى معظم سلوكيات الفرد في المجتمع ومنها الفنون والأدب، وحتى على نمطية التفكير لديه.
فمثلا في الموسيقى، ومنها الراب هذا التوقيع السريع الذي تنتهي اواخر كلماته بقافية ثابتة لا تحتاج ممن يؤديها أن يكون موسيقيا او فناناً، أو ملحناً، سوى أن يعرف كيف يتحكم بلوحة المفاتيح للآلة الموسسيقية الرقمية المبرمجة لحنياً، ويبدأ بالغناء السريع. كذلك التصوير والرسم الرقمي، لم يعد يحتاج أن تكون فناناً بقدر ماتكون بحاجة لمعرفة بعض البرامج الحاسوبية التي تخص هذا النوع من الأداء !
ولم يكن الأدب ببعيد عن هذه الثورة، بل أصبح وبفعل مواقع التواصل الإجتماعي على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ومنها الفيس بووك، حياة بشر وقبائل وأمم لهم أخبارهم ورسائلهم وأدبهم وفنونهم، ولهم خصائصهم وفعاليّتهم. وما يخصنا هنا وفي بحثنا هذا، موضوع أدب الجداريات على الفيس البووك والذي سنسميه هنا أدب الومضة الجدارية، أو كما يعرّف سابقاً "الخاطرة" أو كما قيل: خربشات على الحائط في الشوارع العامة !
فقد تقرأ نصاً على جدار الفيس بووك لأحد الشعراء من عشرة كلمات، فتكون أمام قصة متكاملة الشروط من مقدمة وعقدة ونهاية، هذا الكم المختزل في عشرة كلمات تقريبا والمضغوط بصورة جميلة، وأحيانا تكون ايقونات رائعة في الجمالية الشعرية.
ومن خلال متابعتنا لبعض الشاعرات والشعراء والكتّاب وأكثرهم من جيل الشباب، الذين يكتبون هذا النص الوامض، توجهنا بسؤالين لهم:


- هل لكم أن تعطونا فكرة سريعة عن اللحظات التي تسبق هذا النوع من الكتابة وعن شعوركم قبل كتابة هذه الومضه الأدبية علي جدارية الفيس بووك؟


- والسؤال الثاني: ماذا تريدون من هذه الومضة، هل هي تفريغ شحنة نفسية لكم تودون من خلالها النفاذ إلى القارىء، ام شي آخر؟


اجابت الصحافية الشابة احسان الفقية من الأردن:


"اشعر بضجيج في رأسي، افتح مربع او مستطيل أحرّك اصابعي في الهواء مثل الذي يهمّ بعزف على آلة البيانو، مثلا الكلمة الأولى مهمة او العبارة الاولى وبعدها يتدفق الكلام، لا أعود لترتيب شيء، فقط اتأكد من الأخطاء المطبعية هناك، وفي الإملاء اخطئ طبعا احيانا ولكن اقل من غيري.
وتضيف احسان الفقية قائلة: "الومضة لها علاقة بالليلة السابقة وبمزاجي الحالي، نعم هي عبارة عن تفريغ شحنة نفسية وبصراحة أشعر بالارتياح وبنوع من اللذة وبدماء تتدفق الى قلبي كلما كتب احدهم تعليقا سواء اعجب بي ام لم يعجب، المهم ان هناك قراء تتلمسهم، وتتذوقهم، وتشعر انهم معك يقرأونك الآن"


نماذج من ومضات احسان الفقية:


من قال أني أمقت الملك او أنقم على الأغنياء ؟ قد لا أحبّ الأول ولكني لا أكرهه، ولا أظنّ أن هناك نص قانونيٌّ يجرّمُني إن لم أُصفّق له أو أفتح فمي بدهشة حين أراه كالبلهاء، او إن لم أتخشّب في مكاني عندما أرى سياراتٍ حمقاء تكاد تسحقني ذات موكب خاص به او بعائلته او معاونيه، نقمتي على الأغنياء لاعلاقة لها بما ورثوا عن آبائهم فقد ...
وفي عينة من ومضات غادة مخّول صليبا وهي كاتبة من لبنان ولها مقال أسبوعي تحت عنوان “قهوة من كلمات”، في مجلة “المرأة اليوم”، التي تصدر من أبوظبي عن العربية للصحافة والإعلام، ويقوم على تحريرها أعلام من الفكر والإعلام. تقول عن ومضاتها:


"هذه الومضات هي إما فكرة مسبقة تأتيني وأنا في حالة ما، مع كتاب أو في مكان ما، أو حتى عند سماع أغنية، هناك شيء يلهمني لأكتب، ربما كلمة أو جملة وحتى لحن فريد يحرك الإحساس ويعطي الراحة النفسية لدافع الكتابة. كما هي أيضاً تعبير سريع عن خيال ما، أخلقه في أي حالة أعيشها لربما حزن أو فرح أو قلق، لأن جدار الفيس بووك يساعدنا أن نتشارك ما نشعر به مع الآخرين، هذا ويشعرنا بالراحة لتفريغ ما هو لم يكتب على ورق. التواصل مع الآخرين عبر ما نكتبه هو دليل أن الكلمة وصلت لقلب أو فكر القارئ، ربما عبرت عن نفسه أيضاً أو عن أي حالة يعيشها. كما هي أيضاً كتابات تلهمنا لأن نكتب نصاً كاملاً وهي تكون كفكرة أو إحساس يساعد في الانطلاق."


وهذه نماذج مما تكتبه غادة مخّول صليبا على جدارها في الفيس بووك:


هــو.. ليس له مكان أو زمان، رجـل من عصر لم يأتِ بعد، يـُرمـم حلمـي وينـام في إحساسي، يتشبّث الصحـو في رائحـة قهـوتـي الداكنـة واللذيـذة بمـرارتـها، أرتشفـه ببـطء ولا أعرفـه، متسائلة مع النسيـم: هل سيبقـى الغـائب المتكلم في اللازوردِ؟.. أنــــا.. حـقــاً أهديـه وردتـي !


أما الشاعرة المخضرمة ضحى بوترعة، عضو اتحات الكتّاب ومدرسة لغة عربية وفرنسية من تونس، كتبت على جداريتها:
تولد فيّ الف مرة، لأنّ انتباه الذاكرة غيمة قرب الندى. ومعجزة الارتطام فوق سقف عاشقة لا تتوب !
وعلى أسئلتنا اجابت:


"القصيدة الومضة ربما تحاول عبر اختزالها شكل من اشكال التقدم الهروبي، التخلص من توتر ملح جدا .. لابد ان يظهر ...او ينتهي.. وتعتمد على ثقافة المتلقي الشعرية. فلابد للشعر ان يكون نخبوي و إلا صار كلاما عاديا. الشعر الآن يخرج من الذاتية المغلقة ... الومضة هي كالبرق تماما ...تضئ العالم فتكشف وبسرعة ايضا العتمة ثم تعتمد على قوة الانتباه ... "


لكن بلال سلامة الشاعر الشاب من فلسطين حين يكتب بشكل مختلف نراه قد تخصص في هذا النوع من الأدب فهو يكتب بإحساس عالٍ جدا، وبشكل مضغوطة أدبية، مكثفة المعنى، ليقول في بعض ومضاته:


يُحكى أنَّ


زوجـة الـرّاوي


التي تَكرَهُ المساحيق


دَهَنَتْ وجهها


بغيمة


...لِذا..


مات البطل


وفي ومضة اخرى يقول:


أستطيع تدوين تاريخ الثلاثة آلاف عام المنقضية..عنك


وأنا أبتسم للغيم بلطف،


لكنني لا أستطيع دون قبلة واحدة


أن أقول للتاريخ،


لا تبدأ... حبيبتي لم تنهض من نومها بعد


...


وفي جدارية اخرى له كتب:


في عيد ميلادها


تذكرت كل شيء


لكنيّ..


نسيت الوقت !


وفي معرض سؤالنا للشاعر بلال سلامة افاد عن ومضاته قائلا:


"هي لحظات، ومضة، أو حَالَة، وإن شئت سكتة تأمّلية، أو فكرة،لا فرق.. لا وقت لها ، ولا مكان أو زمان يسبقها، تفرضُ نفسها أينما كنت وكيفما كنت، في البيت أو في الشارع، ومضات أو مشاهد من أفكارنا العادية السريعة الكثيرة، من أحلامنا وهواجسنا، أحاسيسنا وتطلعاتنا، انتباهنا الحسيّ إلى جمالية شيء ما، إلى حالة عاطفية، أو فكرية، من عالم الفرد الخاص والجمعي في آن واحد.
ويضيف بلال: إن تدوين هذه الأفكار، بصورة أدبية، أو دهشة كثيرة الشكوى، أو قليلة الحظ، أمر ضروري يساعد على اكتشاف عوالمنا وعزفنا المنفرد، معرفة علاقتنا بالأشياء، الزاوية التي ننظر من خلالها لأدقّ التفاصيل، إدراك طبيعة الصور التي نشاهدها في الواقع اليومي المُعيش وما تمثله لنا، كيف نراها، وكيف نترجمها، وكيف نشعر بها، وكيف تنمو العلاقة المرتبطة بها، أيضاً الصور المتخلية في الأذهان، والتي لا يراها أحد غيرنا، أن نستطيع ترجمتها وتدوينها رغم سرعتها الهائلة، أو أن يحالفنا الحظ لالتقاط بعضها وترجمته لنص سريع أو بطيء، يساعد على مشاركة العوالم..استفزاز القارئ لتحريك مخيلته، وإن أردت لـ "فكفكة الاستعمار" العقلي والتقليد المكرر لزاوية الرؤية للأشياء وعلاقاتنا الساكنة أو بطيئة النمو نحوها. ليس مهمة هذه الومضات أو ما تشبه قصائد "الهايكو اليابانية"، إمتاع القارئ وحسب إنها تحمل فكرها ومعرفتها ورؤيتها للمشهد، لا تثرثر أكثر مما يجب، ولا تطيل على القارئ، هدفها الأول أن تقدم صورة المشهد بأبعاده الخاصة العامة المشتركة. "


في حين كتب آخر على جداريته:


انقطع الحب حين انقطعت الإنترنت ليوم واحد لأني نسيت أن أدفع الفاتورة. بعدها وجدت حبي صدفة، عند جاري وصديقي، الذي يدفع فاتورته بانتظام !


كما كتب وبنفس الموضوع ساخرا أيضا:


كنت أبحث في دليل الهاتف ومحرك البحث غوغول عن مكاتب للحب، لم أجد سوى مكاتب للزواج هل سقط ما أبحث عنه سهوا ؟


لكنه في مقام آخر كتب:


عندما ينصهر الظّل على نهديها، ويمنح جسدي جمر انتصاره. حينها ينسى اللحظ قراره.


حتى أن من الشعراء الكبار كأنسي الحاج على صفحته في الفيس بووك لديه ومضات أيضا، وجداريته تعتبر من الروئع لما تحمله من صور ومعاني شعرية خفيقة الظل رقيقة المعنى قوية الصورة وهذه مثال ومضه للشاعر اللبناني أنسي الحاج يقول: "حين في صدري المنهار ، يشرق وجهك الباسم كأحضان الملاذ، كدموع الخلاص، أعرف أني أحبك. لن أحبك الحبّ، الحبّ الذي ينتشلني والذي يملأك و يغمرنا معا بسماء تتوسع فينا، إلا بارتمائي واحتضانك لارتمائي".
بيد أن القارىء يستفيد من هذه الجرعة الأدبية، فتكون قد احيت فيه اشراقة يوم جديد، يقرأها من خلال هاتفه النقال الذكي، او لمحة البصر من جهاز حاسوبه أثناء العمل، لتعطيه نشاطاً ولربما حافزا ليرد على هذه الومضه بومضة اخرى، وليس من الضروري أن يكون ذلك القارىء كاتبا أو شاعرا، لكنه تمرس من خلال القراءة وأصبح لديه من الشجاعة أن يكتب ومضه أدبية مماثلة، إن سرعة الوقت والعجلة اليومية انتجت أدباً سريعا وبكل الأحوال غالبا ما يكون جيدأ وراقيا.
وقبل أن ينتقل أدب الكتابة على جداريات مواقع التواصل الإجتماعي، كان وما زال، على أرض الواقع، فكثيرا من مدن العالم المكتظة سكانيا تعاني من هذه الظاهرة، وبعض الدول المتقدمة وصل بها الضيق إلى سنّ قوانين تجرّم الكتابة على جدران الشوراع العامة، وفي داخل محطات القطارات، أو على الحافلات، وعلى أسوار الحدائق. وفي أميركا مثلاً يسمى هذا النوع من الكتابة على الجدران ,Graffitiوحتى أنها في مرحلة ما، وقبل الثورة الرقمية وانطلاق الإنترنت، كانت تمثل رأي شريحة من الشباب الذين يودّون تمرير رسائل إلى حكوماتهم تعبر عن معاناتهم ومشاكلهم، ومنهم من أراد أن يكتب لحبيبته، ومنهم من تسلق الجبال ليكتب على قممها كلمات الحب، ومنهم من انتحر بعدما كتب آخر جمله لمعاناة ما، كانت تواجهه في حياته.
وفي المقابل الآخر وفي هذه الدول تحديدا، وفي نطاق ضيق، اجازت بعض القوانين الكتابة على الجدران من قبل أطفال المدارس، وأحيانا على أرضية الأرصفة، حتى يعبر الأطفال عن تطلعاتهم وآمالهم المستقبلية. هذا الفن وهذا الأدب انتقل تماما، كأي فنون آخرى إلى المواقع الألكترونية، وكما أسلفنا سابقا.


فهل النّص الوامض :حوار يستحقّ المجاملة؟


نعم هو ومضات (خواطر) تلج الذاكرة وتنسّغ مواقف لترتسم في شكل حروف مترابطة متتالية على العناوين الرّقميّة والرسائل الالكترونيّة في إيصال المعلومة بدقة وسرعة متناهيتين، وبفنيّة تترجم مابلغته كلّ ذهنيّة بحسب ميولاتها وطبيعة أفكارها، فهناك من يرى أنّنا "أمة لم ولن تتحرر من قيد الفكر ..الا عندما ينساب فكرها كحروف متمردة بلا أغلال" وهذه المقولة المقتبسة وردت على أكثر من حائط هكذا يتكوّن النص ماسحا حيّزا افتراضيّا وشكليا، له خصوصياته ومداره، مختلف من حيث الطبيعة وإن التزم الحرف متميّز في حضوره وإن حافظ على أهدافه، فيصبّ فيه جام الإبداع متى كان الكاتب في حالة من التجلّي مربكة: يقول المبدع والدكتور المصري المتغرّب محمد مصطفى السّالم" وهل الفجر إلا ضحكة من قلب بطعم ركعتين مبلّلتين بالضّراعة". وكما يبثه كلّ غضبه متى استشاط بهذه الحياة يقول المبدع الشاعر محمد الصغيّر أولاد أحمد "قال الزّعيم وجدتكم ذرّات رمل في الفلاة، صاح المهرّج أن أنت مدى الحياة" هكذا يحمل النص الوامض ما يخامر ذهن قائله. فالمغرم يترنم بأسمى ما تجود به قريحته إن كان في زهوّ مع المحبوب وإن خاصمه أو عاتبه فإن الحائط الألكتروني تسوده القتامة المدادية ولا تجد متنفّسا من الآهات والشكوى، والمناضل يكسيه بكلام الثّوار وعبارات النخوة وما يمدّ في نفس حربه مدّا، والسّياسيّ تسود صفحته الخطابات والتمريرات الديبلوماسيّة والإعلاميّ تراه يطلق النّار على هذا الطّرف أو ذاك بغية إيصال فحوى الوعي بالحياة، فتخضّب التعاليق صفحته شتما أو إكراما ثمّ يكون التثمين أو الاستهزاء، وهكذا يتحرّك النص الوامض في سرعة اسرع من البرق، وأخفّ من لمح البصر حيث غدت سرعتهما مقارنة بسرعته في طيّ الكتمان لما اكتسبه من خصوصيات. فهو جنس ان اردنا نثريّ سرديّ يقوم على المشهد واللقطة والومضة والاختزال والكثافة في كلّ العناصر: شخصيات وفضاءات ووصف ولغة تطلب تواصلا أوتقاطعا مع فكر ما، أو طائفة أو منطق، بغية الإرساء للبديل. كما هو حالة وجدانية تعبّر عن ذاتها فتذر الصحب والمعلّقين يخوضون غمارها في شكل منتدى مفتوح ومن كلّ حسب رغبته إلى كلّ حسب طاقته ومراميه فتندلع ردود الأفعال ويتشكّل المشهد الحياتيّ الفايسبوكيّ أو غيره وينتشر الوعي بالموضوع من متصفّح إلى آخر لتتّسع دائرة الحوار حتى تعرّج إلى شطر الانفعال أو الهدوء وتستيقظ الهرر النائمة والنوايا الحقيقية لتفرز في النهاية موقفا مصالحا مع المجتمع الافتراضيّ أو نقضه.
يبقى النص الوامض فسحة موازية ترصد الإحساس والهواجس ليشكل موقفا يختزل بإزاء الآخر، يتاخمه فيتقاطع معه حينا ويختلف معه أحيانا دون أن يفسد حبل الودّ ومن ثمة يكون القارىء والكاتب في إطار تشكيل نصّ ذي حراك معيّن يمتعنا يستفزّنا ولكنّنا لا نستطيع أن نتجاهل وجوده وإرساءه لتقاليد أدبيّة حتّمها الافتراض.
وان نكتب عن هذا الأدب فلن نعطيه حقه هنا، فهل سيكون لهذا النمط من الأدب مستقبلاً ورواجاً، أم سينتهي ويكون كفقاعة صابون احرقت عيوننا في لحظة قراءته وانتهى؟ نترك الباب مفتوحا لنقاد الأدب والمهتمين به وسائر القراء.

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

نسيان:


سيفشل الإنسان إذا أراد اختيار وجه من مئات الوجوه التي يراها كل يوم لينساه،وإذا حاول التملص من شعور حفره في داخله كائن ما،فسيتعرض للفشل، وعليه أن ينسى كل ما يحيط بذلك الوجه الكائن، والمسافة التي يصل إليها صوته، والبعد الذي يتردد فيه، وعمق نظراته،والأمكنة التي يتجول فيها،ويتنزه، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه، وما يتسع له، ما يمكن أن يحمله. النسيان بالنسبة للإنسان ممكن في حالة زمن كامل. وإذا أردنا نسيان نظرة فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار فقداناً كبيراً. وهذا ما أخذته بعين الاعتبار. ولا يمكن أن يكون للإنسان حياة أخرى إلا إذا استطاع النهوض من تحت أنقاض هذا الانهيار، ويغدو الإنسان صاحب معرفة عميقة، ومعرفة للمفقود في حياته الجديدة هذه.


لطيفة تكين، لا موت في الغابة



نوافذ - (كتاب أعجبني) .. القراءة.. الحلم


أحمد الفلاحي


استسمح الصديق والزميل الكاتب سليمان المعمري ضمن عنوان برنامجه الذي ينوي بثه خلال الدورة البرامجية، وهي فكرة جدا رائعة، ما ينوي الزميل تنفيذه، وان كان سوف يستحوذ على البرنامج من هم مدمنو القراءة فعلا، وهؤلاء لا يحتاجون إلى تشجيع، فهم مدركون أهمية الفعل القرائي الذي يقومون به، والذين يلتهمون عشرات الكتب في العام الواحد، فهنيئا لهم.
قد توجد فينا الإجازة – نحن المقلين في القراءة – نوعا من التحدي، خاصة في مسألة القراءة الحرة، فأحيانا تمر عليك الإجازة السنوية على سبيل المثال، مع طول مدتها، دون أن تتيح لك متسع إكمال قراءة الكتاب الذي بدأته مع بداية الإجازة والذي عقدت عليه العزم أن تنهيه قبل نهاية الإجازة، فكيف لك أن تضيف إليه آخر إذا كان لديك متسع من الوقت المهدر أساسا في أشياء غير موضوعة على جدولك اليومي، حيث اعتاد الجميع أن يسرق منه التسوق – على سبيل المثال - الكثير من الوقت مع أن الجميع، في المقابل، يشتكي أن الأسعار نار.
التحدي الأكبر دائما مع الالتزام بقراءة كتاب، وعلى الرغم من الفشل الذريع في كل مرة نضع فيها جدولا لقراءة كتاب في فترة محددة، إلا أن المحاولات تبقى مستمرة مهما كلف الأمر، خاصة، للذين يتعاطون الكتابة، والحوار المستمر مع الآخر، بدون الشروع في هذا التحدي لا يمكن أن يستمر المشروع الكتابي، وإلا فلا بد أن تتعطل لغة الحوار مع الطرف الآخر.
استهل بهذه المقدمة انعكاسا لحوار دار بين مذيع ومتصلة في أحد برامج المسابقات في شهر رمضان، فالسؤال المطروح عن الدول التي تقع في شبه الجزيرة العربية، ومنها السلطنة، حيث لم تستطع المتصلة أن تحدد هذه الدول، وان لم يخني الظن، أتوقع أن المتصلة ليست بأقل من مستوى الشهادة العامة، بينما الثقافة الجغرافية عن المنطقة تدرس في المراحل الأولى من عمر التعليم، وما ينطبق على هذا الموقف يندرج تحته مواقف كثيرة، عندما يقف المسؤول أمام السائل عاجزا عن الإجابة نتيجة لعدم الاهتمام بالقراءة والاطلاع.
هي إشكالية كبيرة يعاني منها الجميع على الرغم من المحاولات الكثيرة من أطراف مختلفة لحث الناس على القراءة، وخاصة حث الوالدين للأبناء؛ ومنبع هذه الإشكالية خاصة في اليوم والغد وما بعد الغد.
القراءة مشروع صعب المنال، لا أحد يشك في ذلك، وفي المقابل هناك من يستطيع أن يطوعه ويكسب نتائجه الرائعة، ولذلك كثيرا ما يفشل أولئك الذين يتقدمون إلى الوظائف المختلفة؛ لأنهم لا يقرؤون، وعندما يفاجئهم من يختبرهم عن آخر كتاب قرؤوه تأتي الإجابة خجلى؛ لأنهم لم يقرؤوا شيئا حتى تلك اللحظة، وربما من يوم تخرجهم من المؤسسة التعليمية، ولفرط المعرفة بأهمية القراءة يحرص كثير من الآباء على ترسيخ هذا الوعي القرائي لدى أبنائهم، على الرغم من الصعوبات التي ترافق هذا الحرص، ذلك أن هناك منافسة غير متكافئة بين طرفين أحدهما الأسرة، والآخر مجموعة المواد المسلية، وفي مقدمتها الألعاب الالكترونية، كأجهزة «البلاي استيشن»، والتلفاز، ويضاف إليها لعب الكرة في كل وقت وحين، ومن هنا يظل نصيب الكتاب نصيبا خجولا، وقد يكون نادرا إلا في حالات هي نادرة أيضا لدى فئة لا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة ضمن أسر مجتمع كبير، وهذا واقع للأسف مخجل إلى حد بعيد، في وقت تنمو فيه المعرفة بصورة يصعب اللحاق بها، وهذه المعرفة لا يمكن أن تنمو وتترعرع إلا من خلال كتاب وقارئ جاد، ومجموعة «الأكلات السريعة»، إن جاز التعبير، بغير هذه الطريقة لن تنشئ معرفة معمقة

المصدر: جريدة عمان

الأحد، 3 أكتوبر 2010

هدايا ساعي البريد: المقامر



الليلة الماضية قمت بزيارة المكتبة الإسلامية "العامة" في روي للبحث عن قارئ جديد وذلك بعد شهور من الزيارة الأخيرة لها.

وكالعادة لم يكن هناك عدد كبير من الزوار أو القراء في المكتبة، وضمن أجواء هادئة استمعت إلى أصوات خفيفة وكان أحدهم يقلب صفحات كتاب ما، والتقيت به بعد مروري على القليل من الأرفف وألقيت عليه التحية بسرعة ثم صعدت إلى الطابق العلوي.
هناك التقيت بالطالب عبد الله الفلاحي من السنة الثالثة في معهد العلوم الشرعية، ورأيت أمامه مجموعة مختلفة من الكتب.
أخبرني الفلاحي بأنه يحب قراءة الكتب المتعلقة بتخصصه ومنها كتب الشريعة واللغة العربية كما يحب قراءة الكتب خارج نطاق التخصص مثل كتب التاريخ الإسلامي والآداب العربية والعالمية.
وذكر لي بأنه يحب تشجيع القراء -وخاصة المبتدئين- لقراءة الأدب العربي والعالمي، وقدمت له رواية بعنوان المقامر للأديب والكاتب الروسي المعروف دوستويفسكي وقام في البداية بتصفح الكتاب ثم أخذه معه.
ولا تعد هذه الرواية من أهم أعمال هذا الكاتب الكبير ولكنها تضيء بعض الجوانب الإنسانية وتصور بعض العلاقات الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء كما تعكس شخصية الكاتب نفسه.
رواية المقامر ترجمة الراحل سامي الدروبي وإصدار دار رادوغا- طشقند ولا أتذكر جيدا سنة الإصدار ويبدو أنها طبعة قديمة كما يشتمل الكتاب على مجموعة من الرسومات وهي مختلفة عن الطبعة الحديثة التي أصدرها المركز الثقافي العربي مؤخرا.





السبت، 2 أكتوبر 2010

الرواية





الكتابة تستدرج الأفكار، لكن ليس بشكل خطاب جاهز، وإنما من خلال ترك الشخصيات تتحرك في الحياة لتقربها الرواية وتصير قريبة منها.
الرواية تتشكل من مجموع أفكار تستدرجنا بقدر ما نستدرجها ، وهي في واقع الأمر ما يشكل الرواية.

علوية صبح، روائية لبنانية