الأربعاء، 25 مايو 2011

القبو








                                                                        قصة : طلعت سقيرق


السماء تمطر.. الزجاج الأمامي يغطيه الغبش.. ترسم المسّاحة وهي تتحرك جيئة وذهاباً جزءاً كبيراً من دائرة... السائق يرفع زجاج الشباك إلى الأعلى... يصفّر.. ينحني قليلاً محدقاً في الطريق... أضواء الشوارع تحاول أن تزيح عتمة المساء.. أغصان الأشجار العارية تحدق في الفراغ... وجوه المارة تقبض على حالة هلامية.. تقطع السيارة المسافات ببطء..‏
وحده العجوز كان يضحك.. يهز رأسه مثل بندول الساعة ويضحك...‏
قلت بملل: كأنَّ هذا الدرج لا نهاية له .‏
قالت: ستجد في القبو كل ما تريد... أتعرف؟ كان جدي رحمه الله مولعاً بهذا القبو.. أذكر أنه كان يمضي فيه ساعات طويلة... قلت: أشعر أن النزول لا يتوقف... غريب أمر هذا الدرج...‏
تأمَّل العجوز الدرج ..من جديد هزَّ رأسه وأخذ يضحك...‏
أذكر أن رأسي كان على الوسادة.. عيناي مفتوحتان تحدقان في الخطوط المرسومة على الجدار.. ربما كانت غير ما هي عليه الآن قبل حلول الظلمة وانعكاس هذا الضوء الباهت عليها.. أخذت الخطوط تتلوى.. أعرف أنه الوهم.. كنت مدركاً لهذا تماماً.. رغم ذلك خفت.. اضطربت أنفاسي.. الهواء أخذ يقل.. مجرد شعور.. لكن متى كان حدوث الأشياء ينفصل عن الشعور...‏
أدار العجوز ظهره وآثر الصمت.. أخذ يمر بعينيه على الأشياء.. فرقعت ضحكته دون مقدمات ..السائق أنزل زجاج الشباك قليلاً.. دخل الهواء محملاً برائحة المطر.. مالت السيارة قليلاً عند المنحنى.. الفتاة الجالسة إلى جانبي التصقت بي.. عيناها تغرقان في المسافات البعيدة... شعرت أنها تحاول أن تبعد الجزء الملتصق بي... أحد الركاب نظر إليّ بارتياب.. انكمشت قليلاً مع أنني كنت مرتاحاً لالتصاقها بي...‏
حاول العجوز إطباق شفتيه دون جدوى...‏
يومها قال أبي: أنت لا تريد أن تفهم... الحياة ليست هكذا يا بني ..‏
قلت: لكنني أحبها .‏
قال: تحب، وماذا ستطعمها؟ أريد جواباً محدداً.. هل ستطعمها حباً؟ حاول أن تتخلص من هذه الأحلام الوردية.. افهم الحياة أكثر يا بني ..‏
كنت أظن أنني الوحيد الذي يفهم.. الوحيد الذي يستطيع أن يرسم أبعاد الحياة...‏
كان العجوز وقتها متكئاً على طرف الأشياء.. عيناه تشعان بحكايات كثيرة.. تمنيت أن يتحدث.. أن يترك ضحكاته ويقول أي شيء ..‏
قالت: أمرك غريب.. أريد ولداً واحداً فقط.. من حقي أن أشعر بالأمومة ..‏
قلت: ولماذا تذكرت الولد الآن؟ لا أريد.. ألف مرة قلت لك لا أريد..‏


- لكن أسبابك غير مقنعة .‏


- أنا مقتنع... هذا يكفي بالنسبة لي على الأقل ..‏


العجوز أمسك يد الولد وأخذا يركضان ويضحكان....‏
تركت الخطوط وأخذت أنقّل طرفي في الغرفة.. الزوجة تنام بهدوء.. صوت أنفاسها يرتفع.. الأولاد يتوزعون هنا وهناك.. لا أدري لماذا توقفت نظراتي عند الولد الأصغر.. كانت ابتسامته تنقط عسلاً وتتلون بخيوط سحرية يعكسها النور الخافت.. العجوز أعجبه المنظر فشارك الطفل ابتسامته..‏
قال أبي: عندما كنت في عمرك.. كنت رجلاً حقيقياً.. أنتم غريبون يا ولدي ..‏
قلت: لكنكم تركتم كل شيء ورحلتم.. كان عليكم أن تبقوا هناك.. إنها جريمة ..‍‍‏
لأول مرة أرى في عينيه ألق الدموع.. ندمت... . حاولت صياغة الكلمات من جديد... كان الوقت قد فات.. أعرف تماماً أنه يحب البيت الذي تركه أكثر من أي شيء في الدنيا.. حدثني عنه من قبل طويلاً.. كان عاشقاً حقيقياً لهذا البيت.. ضحكة العجوز تزيد الوضع تأزماً...‏
أخرج السائق من صندوق صغير خرقة أخذ يمسح بها زجاج السيارة الأمامي، بصعوبة استطاعت أن تبعد الجزء الملتصق من جسمها.. أحد الركاب نظر إلى ساعة يده.. كانت دون عقارب.. تنهد.. السائق أدار رأسه إلى الخلف، ثم عاد إلى مقوده والطريق المبتل.. كان عليه أن يخفف السرعة.. عدة مرات أفهمنا أن أيّ خطأ يمكن أن يودي بنا.. كأنّ المطر صورة من صور الخيال وهو ينزلق ببطء مختلطاً بالأنوار الباهتة... أخذ الصمت يتسع.. الأنفاس تزداد انضغاطاً.. فتح العجوز مظلته داخل السيارة وأخذ يضحك لحالة الاضطراب التي سادت...‏


قلت: صدقيني تعبت.. الدرج لا نهاية له.. لماذا لا نعود أدراجنا.؟؟‏
قالت: العودة تعني صعود الدرجات التي نزلناها.. تصور !!...‏
قلت: لكن متابعة النزول أمر مستحيل...‏
قالت: يا عبد الرحمن درجات قليلة ونصل إلى القبو....‏


استرخيت وجلست على الدرجة ..حاولت أن أفرد النصف الأعلى من قامتي.. قلت محدثاً نفسي:" عبد الرحمن.. من عبد الرحمن هذا "؟؟ نظرت في وجهها.. لم تكن هي.. الدرجات معلقة في الهواء.. القبو مازال بعيداً.." لكن من هو عبد الرحمن هذا "؟؟ العجوز ضرب كفاً بكف وأخذ يضحك...‏
السيارة تنزلق بهدوء.. حبات المطر تتجمع أمام الأضواء وترسم حالات لا نهائية من الأشكال.. عاد جسدها إلى الالتصاق بي.. نظر إلى ساعة يده.. هزّ يده عدة مرات.. سألني" كم الساعة "... عادت إلى المحاولة من جديد، أخذت تبعد الجزء الملتصق من جسمها بهدوء.. كان الأمر مثيراً.. كرر بإلحاح" كم الساعة " ؟؟ السائق رفع زجاج الشباك مرة أخرى... أخذ يصفر من جديد... " كم الساعة "؟؟ رفعت يدي.. نظرت.. زجاج مطر.. وجوه هلامية.. العجوز يضحك..‏


- أتدري يا ولد الأمر لم يكن كذلك ..‏


- ماذا تقصد يا أبي ..‏


- نحن لم نترك شيئاً.. أجبرونا على ذلك ..‏


- أعرف ..‏


- أنت لا تعرف شيئاً وهنا المصيبة ..‍‍‍‍‍‍‍!!‏


خرج العجوز من الغرفة ونظر في المرآة، كانت ابتسامته عميقة إلى حد ما... الوسادة تنزلق... أعيدها.. أرفع رأسي.. أترك السرير.. أمد يدي.. أمشي ببطء.. أصل إلى الصالون الصغير.. أدخل إلى المطبخ.. أقترب من الصنبور.. أفتحه .. ظمأ شديد يغتالني.. أنحني.. أفتح فمي لأشرب.. لاشيء.. أصرخ برعب.. الماء ينزل من الصنبور ولا يصل منه شيء إلى فمي.. أغلق الصنبور.. يتوقف تدفق الماء.. أفتحه، يندفع الماء.. أضع فمي من جديد .. لكن دون جدوى.. لا يصل شيء من الماء.. تضيق أنفاسي.. يخفق قلبي بشدة.. يجف حلقي أكثر... تغيم الأشياء.. تتراقص الصور... يمدّ العجوز رأسه ويضحك... .‏
الدرجات المتبقية كثيرة.. القبو بعيد... حاول السائق أن يزيد السرعة.. مالت السيارة قليلاً.. قال أبي:" الأمور لا تفهم هكذا ".. الوسادة تزرع رأسي في الخطوط.. يضحك الولد الأصغر.. قلت" لا أريد... الأولاد، جحيم في هذا الوقت" المطر يطرق زجاج السيارة.. تحاول أن تسحب جسدها فتزداد التصاقاً بي... صاح بنزق" قلت لك كم الساعة ".. أخذ يشرح لنا مخاطر السرعة في هذا الجو... فتح المذياع.. حرك المؤشر.. خرج العجوز من بين المحطات وأخذ يضحك.. قال أبي:" افعلوا شيئاً قبل أن تقولوا أشياء كثيرة" قلت:" الأولاد.. كفى... لا أريد ".. أحد الركاب حاول النزول.. مدَّ قدمه فلم يجد الأرض.. أعادها برعب ..كان القبو بعيداً.. قالت" وماذا تريد يا عبد الرحمن "؟ قلت: صدقيني لا أدري.. لكن أريد أن أعرف... من هو عبد الرحمن هذا ؟؟‏










الاثنين، 16 مايو 2011

نادي التصوير الضوئي يحتفي بـ "مونوكروم" رشاد الوهيبي


يفتتح مساء اليوم الاثنين بمقر نادي التصوير الضوئي بالعذيبة معرض فن التصوير الفوتوغرافي "مونوكروم" للمصور الضوئي رشاد بن منصور الوهيبي ، حيث يحتوي المعرض على ٣٠ عملا فنيا بالأبيض والأسود في محاور مختلفة من الطبيعة الصامتة والوجوه والطبيعة.

ويعد (مونوكروم) المعرض الشخصي الأول للفنان رشاد الوهيبي وهو نتاج تجربة فنية امتدت أكثر من سبع سنوات ، ويعتبر رشاد الوهيبي أحد المصورين العمانيين الذي له بصمة واضحة وتجربة فنية في مختلف مجالات التصوير في الوجوه ، والطبيعة الصامتة ، والأبيض والأسود ، والتصوير الصحفي .
ويأتي المعرض الفني ( مونوكروم ) ضمن الأنشطة والفعاليات التي ينظمها نادي التصوير الضوئي التابع للجمعية العمانية للفنون التشكيلية.
يذكر إن افتتاح المعرض سيكون في تمام الساعة7:30 مساءاً، ويستمر المعرض حتى 31 من شهر مايو الحالي.








السبت، 14 مايو 2011

بجهود فردية وتكاتف الأهالي



دشنت قرية إمطي بولاية إزكي مكتبة الصحوة العامة التي جاءت بجهود وتكاتف أهالي القرية. ورعى تدشين المكتبة سعادة الدكتور عبد الله بن محمد الصارمي وكيل وزارة التعليم العالي وبحضور عدد من المسؤولين والمثقفين وأهالي القرية الذين جعلوا من حلم المكتبة واقعاً بتكاتفهم وروح الفريق التي تسودهم.

وعبر أهالي القرية عن عظيم فرحتهم لافتتاح المكتبة التي كانت حلمًا يراود جميع الأهالي.
وتعود فكرة إنشاء المكتبة إلى عام 1991م وتم تنفيذها في العام نفسه بمسجد السوقية ثم تم نقلها في عام 1995م إلى مسجد السواحلي (النور حاليا)، وفي العام نفسه قام أحد أهالي القرية بالتبرع بضاحيته لتكون الأرض التي ستشهد ميلاد المبنى الجديد للمكتبة التي تم إنشاؤها في عام 2003م متضمنة قاعة كبيرة للمطالعة وأرففاً للكتب وعدداً من الفصول الدراسية، كما أن المبنى الحالي يضم تحت سقفه أربع منارات للعلم فبالإضافة إلى المكتبة يوجد ركن الطفل بإمطي تحت إشراف وزارة التنمية الاجتماعية ومدرسة نسائية لتعليم الأمهات تحت إشراف وزارة التربية والتعليم بالإضافة إلى مدرسة للقرآن الكريم.
وتقام في المكتبة العديد من الفعاليات المختلفة سواء كانت المحاضرات واللقاءات الثقافية أو برامج المسابقات وبالأخص في شهر رمضان المبارك.

المصدر جريدة عمان

الاثنين، 9 مايو 2011

هدايا ساعي البريد: نحن هنا يا دكتورة بربارا




استضافت جامعة السلطان قابوس صباح أمس ممثلة بمركز الدراسات العمانية الأستاذة الدكتورة بربارا ميخالاك بيكولسكا رئيسة قسم اللغة العربية بمعهد الاستشراق في جامعة ياجيللونسكي البولندية. وقد ألقت الأستاذة الدكتورة بربارا محاضرة بعنوان " في الأدب العماني المعاصر" وذلك بقاعة مدرج الفهم في مركز جامعة السلطان قابوس الثقافي تحت رعاية سعادة عبد الله بن ناصر الرحبي الرئيس التنفيذي لمؤسسة عُمان للصحافة والنشر والإعلان وبحضور سعادة الدكتور علي بن سعود البيماني رئيس الجامعة ومجموعة من الأكاديميين بالإضافة إلى المثقفين من كتاب الشعر والقصة في السلطنة. في البداية تطرق الدكتور محسن بن حمود الكندي مدير مركز الدراسات العمانية إلى دور المركز وأهم الفعاليات التي احتضنها مؤخرا كما قدم نبذة عن المحاضرة وهي حاصلة على درجة الماجستير من قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة ياجيللونسكي البولندية سنة 1991م وعلى شهادة الدكتوراه في علوم الأدب من الجامعة نفسها سنة 1994م كما حصلت على مرتبة الأستاذية في سنة 2002م. قامت بنشر خمسة كتب في الأدب العربي المعاصر لبلدان شبه الجزيرة العربية، إضافة إلى أكثر من ثمانيين مقالا علميا في دوريات ومجلات علمية محكمة.
قام بالتعقيب على المحاضرة محمد الحجري مدير دائرة التخطيط الثقافي بمركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية وذكر بأن المحاضرة قدمت صورة عامة عن الأدب المشهد الأدبي العماني وبأنه لا يتفق معها في مسألة عدم وجود حياة ثقافية قبل سنة 1970م في السلطنة وأكد على أهمية وجود جسور من أجل التبادل الثقافي والحضاري بين الدول والجهد الذي قامت به الأستاذة الدكتورة بربارا هو أشبه بجسر للمتلقي الأوروبي إلى السلطنة.





قامت الصحف العمانية بنشر المحاضرة التي قدمتها الأستاذة الدكتورة بربارا  وقد شد انتباهي كثيرا تلك الدمعة التي ذرفتها في حب عماني وسؤالها " كنت انتظركم فأين كنتم" وذلك أثناء فتح المجال للحوار والنقاش معها في نهاية المحاضرة.
قدمت مدونة ساعي البريد صباح اليوم الاثنين هدية لها وهي عبارة عن 35 عنوان عماني ما بين شعر وقصة ومسرح وأدب طفل بالإضافة إلى بعض الدراسات وكان بود المدونة تقديم المزيد لها ولكن هذا ما توفر في الوقت الحالي وسنقدم لها المزيد بمشيئة الله، وستغادر الدكتورة بربارا السلطنة مساء اليوم على أمل أن نلتقي بها مرة أخرى






الاثنين، 2 مايو 2011

بكاء



المرأة تبكي إذا فقدت قصورها
ولا تمل من البكاء
إذا ذبلت زهورها
وهي لا تحاكم رجلا دق طويلا
على بابها
هي تعلم جيداً بأي الكثبان
خبأت محارة قلبها

أحمد تسماح أحمد
قصائد قصيرة