الأحد، 31 مارس 2019

من الفلكلور وفتات الذكريات





تُقيم صالة ستال معرض «قصص تُروى» الفني، وهو معرض ثنائي يشتمل على العديد من الرسومات المعقدة، وأعمال الأوريجامي، والأعمال التركيبية للفنانة الهندية دبجاني بهارودج والفنانة العمانية روان المحروقية. ويفتح المعرض الفني أبوابه للجمهور في الأول من أبريل 2019م، ويستمر لمدة أسبوعين.
وقد اختارت الفنانة دبجاني بهارودج أن تستكشف عبر أعمالها الفنية التوزاي بين حالة الانسان في الوقت المعاصر والحكايات الفلكولورية العمانية، بينما تسلط الفنانة العمانية روان المحروقية الضوء على الرؤية الاجتماعية المعاصرة لهذه الحكايات.
وتستمتع الفنانة الهندية دبجاني بهارودج بتلك التحولات النابعة من العمل على قطع الأوريجامي الفنية؛ فهي ترى أن بساطة وهشاشة هذه الممارسة الفنية تجعلانها «تفكر بيديها»، لتُطلق إمكانات غير محدودة من القطع الورقية.
وفي «حكايات مُعبرة» تخلق دبجاني عالماً بديلاً تسكنه شخصيات من الحكايات التراثية؛ تلك الحكايات التي نستقي منها التوجيه الأخلاقي، والدافعية، والإلهام. كما أنها وفي غمار سعيها لاستكشاف تلك الشخصيات الرائعة من زمن الطفولة، والتي ما تزال عالقة في وعيها الباطن، تسبر الفنانة الهندية أغوار هشاشة الإنسان كما تصورها الحكايات الفولكلورية في منطقة الخليج. تقول دبجاني: «هناك طرق لا أخر لها لممارسة فن الأوريجامي ليتحول الورق إلى قطع فنية ثنائية الأبعاد أو متعددة الأبعاد كما المنحوتات. ومُراوِحَةً بين الواقعي والمُتخَيل، تستكشف هذه التكوينات الرقيقة ذلك الخط الدقيق الفاصل بين الممكن والمستحيل. ومُستقاة من الحكايات الفلوكلورية العمانية، تقدم أعمالي لحظات عابرة، ومشاهد كالحلم، وشخصيات ذات طبيعة مميزة وهي تقوم بأداء مهام تكاد تكون مستحيلة
والعديد من أعمال دبجاني تنطوي تحت الشكل الفني كتب «صندوق الدنيا»، أو «الكتب المجسمة» PEEPSHOW BOOKS (وهي أعمال فنية على هيئة كتب بشكل صندوق يمكن رؤية محتويات كل الصفحات بمجرد فتح الصفحة الأولى التي هي بمثابة باب الصندوق)؛ حيث تقوم الفنانة الهندية بوضع الصور الظلية من قطع الورق في طبقات وتثنيها إلى بعضها البعض، لتعطينا احساس بوجود عمق و منظور للعمل الفني الذي يتم تأطيره وإحاطته بصندوق خشبي وعمل خلفية له لتنشئ لنا مشاهد عامة غير مادية. وهناك بعض من هذه القطع يحتوي أيضا على أعمال نحت. فهذا الشيء الذي يشبه الطبلة في شكله، والذي حل محل لعبة «زويتروب» التي تعود إلى القرن التاسع عشر، نجده مصطفاً مع مجموعة من الصور التي تصور، بالتتابع، تقَدُم شيئ متحرك. وعندما تُدار اللعبة، تنعكس حركتها على سلسلة متطابقة من المرايا، ما يعطي انطباعاً بالحركة الحقيقية. كما أن هناك لعبة مرسومة باليد مستوحاة من لعبة «إكسكويسيت كوربسس» تُمكن الجمهور من خلط الشخصيات ومضاهاتها بعضها ببعض بطرق لا محدودة من أجل إيجاد شخصياتهم السحرية التي يريدونها. وخلقت روان الرواحية سلسلة من الأعمال والفنية والرسومات المستوحاة من المشاهد الثقافية المحيطة بها؛ حيث إن جُل أعمالها تحمل موضوع (ثيمة) الرؤية الاجتماعية، لتقوم من خلل أعمالها بدراسة ما يمكن وصفه بأنه «الجني» الأكثر إرعاباً على الإطلاق؛ وهو «كلام الناس». لتعزف بكل مهارة حول مفهوم وتعريف هذا التعبير؛ كلام الناس. وتخلق الفنانة روان المحروقية شخصياتها وتقدمها لنا في شكل رسومات توضيحية بالفحم ومنظار بالحكم الطبيعي؛ ليكتمل العمل الفني بمقطع صوتي يعمل باستشعار الحركة ويحتوي على همسات متداخلة.


الخميس، 28 مارس 2019

مشكــلة الثقافة العــربية ليست في الإبداع ولكــن في القـراءة





كتب: عاصم الشيدي، جريدة عمان


لم يفاجئ أدونيس حضورَ جلسته الحوارية مساء أمس، كان هو أدونيس الذي يعرفه قرّاؤه ومتابعوه.. صراحته، مواقفه التي يعرفها الجميع، وقدرته على جعلك تحترمه وتحترم تلك المواقف وإن كنت تختلف معها تماما. كان كعادته معجبا بالمتنبي وبأبي نواس ونزار قباني وأن مشكلة العرب تكمن في ثقافتهم ورؤيتهم لها. ولم ير في محمد عابد الجابري مفكرا، بل هو «مجرد فقيه»، وغير الأشخاص فهو لا يحب الرواية لأن الزمن فيها رخو كما يقول.
كان أدونيس يتحدث مساء أمس في جلسة حوارية نظمها بيت الزبير وسط حضور ثقافي كبير متحفز للنقاش والمساءلة.
بدأ أدونيس جلسته الحوارية التي أدارها سليمان المعمري بقراءات شعرية فبدأ يقول: «ولست أعرف هل من أمسنا نحتت
أم أنها نحتت من شهوتي وغدي
تراني الجرح محمولا
على طبق
من الرؤى أم تراني لست من أحد».
وبعد الشعر كان الحديث قد بدأ من الطفولة والحنين لها، وقدرة أدونيس أن يعيشها حتى اليوم. يقول في مستهل حواره: ولدت في قرية فقيرة جدا تكاد لا تُرى على الخارطة ولم أدخل المدرسة حتى وصل عمري الثالثة عشرة، كنت أزرع وأحصد الزيتون، والتين، ولذلك لم أعرف الطفولة التي يعرفها أطفال اليوم، لكن الآن أنا في مرحلة اكتشاف طفولتي وهذا ما يعطيني بعض الحيوية والفتوة.
وحول هاجس التجديد الذي يؤرقه قال: ربما هذا هو أثر الطفولة، فأنا لا أستطيع أن أقيم طويلا في إطار واحد، تجدني دائما مأخوذا بالحركة والتقدم، لم أعرف أبدا الاستقرار حتى في حياتي، عشت دائما حياة اغتراب واستذكر هنا قول المتنبي «على قلق كأن الريح تحتي».
وحول ما يقال من أنه يعيش حالة حرق للمراحل منذ بداية مسيرته الشعرية فقد كتب القصيدة العمودية والقصيدة الحرة قبل أن يكتب قصيدة النثر قال أدونيس: لا تعجبني هذه الكلمة، بالعكس، ليس هناك حرق للمراحل، بل هناك نفور من البقاء على وتيرة واحدة، وأنا أقول دائما ان الإنسان كائن خلّاق، وسر عظمته إنه لا يجيء من الماضي بقدر ما يجيء من المستقبل، والمستقبل انفتاح وتحولات.
وقال أدونيس إن القارئ خلّاق آخر، بمعنى مبدع، مشيرا أن مشكلة الثقافة العربية ليست مشكلة مبدعين فهم كثر، ولكن مشكلتها مشكلة قراءة، فالعرب لا يقرأون اجمالا وإذا قرأوا لا يقرأون النصوص ولكن يقرأون الأشخاص وانتماءاتهم وأيديولوجياتهم.
وأكد أدونيس انه لا يهتم بالقارئ الجاهز، ولكن بالقارئ الذي يتحداه، والذي يقول لي: أنت مخطئ، أريد قارئا في مستواي.
وعندما سأل سليمان المعمري أدونيس عن المتنبي قال إنه شاعر عظيم، وكان عنده مشروع وهو من بين القلة الذين لديهم مشروع، وقد جعل الشعر أساس المعرفة، وأساس العلاقات بين البشر. لكنه عاد وقال إن لكل عظيم هفوات في إشارة إلى أبيات شعرية ذكرها سليمان المعمري من مثل «لا تشتري العبد إلا والعصا معه»، لكنه قال إن مثل هذه النماذج لا يمكن التركيز عليها، ولا يمكن اختزال تاريخ كبير في نماذج صغيرة.
وتحدث أدونيس عن «الكتاب» وسبب تسميته وكيف أنه بقي عاما كاملا يبحث في الشكل الذي سيخرجه به.
فقال إن الكتاب مكون من ثلاثة أجزاء، وهو مشروع رحلة في التاريخ الإسلامي العربي، لكن في قلب التاريخ وليس كما فعل المعري أو دانتي عندما صعدا إلى السماء.
كنت أشاهد فيلما لمخرج سويدي، كان المشهد أمامي يظهر عزفا موسيقيا ولوحة تشكيلية، وراو، وامرأة جميلة، كانت هناك عدة مشاهد في مشهد واحد، تلك الصورة أوحت لي الشكل الذي عليّ أن أخرج به كتابي «الكتاب» ولذلك كل صفحة من الكتاب فيها ثلاث صفحات تقريبا، أو ثلاثة نصوص تتحرك في وقت واحد.
أما حول سبب تسميته بالكتاب، فمفهوم الكتاب في اللغة مفهوم شرقي كما يقول أدونيس، لأنه قام على أساس أن يكتب الإنسان كتابا يتحدث عن أفكار كثيرة، يتحدث عن الله، والوجود، والمصير، بمعنى آخر كتاب جامع. وسيبويه لديه كتاب بهذا الاسم أيضا.
وعن سبب عدم حبه للسرد قال أدونيس لا أحب السرد، لا أحبه لأني لا أحب الزمن الرخو المتوزع، أشعر معه أنني أريد أن أنفجر.. عدم حبي للرواية ليس كرها في الرواية في حد ذاتها ولكن لكرهي للزمن الرخو فقط!
وفي رده على سؤال لماذا هو متمسك بلغته الأم فيما كان يمكنه أن يكتب باللغة الفرنسية التي هي لغة ثقافته قال أدونيس: منذ طفولتي نشأت في جو شعري، رباني أبي على حب الشعر العربي واللغة العربية ولغة القرآن، واللغة العربية لغة عظيمة وأحبها لهذا السبب، فهي لغة الحب ولغة البكاء لدي ولا أعرف شاعرا في العالم كتب شعرا بلغتين وكان ناجحا.
لكن أدونيس قال إنه حاول كتابة شعرا باللغة الفرنسية وكان يعطيها لشاعر فرنسي لمراجعتها رغم أنه يتبنى قول الجاحظ «إذا ترجمت الشعر هدمته» وأن هذه الفكرة لا تتعارض من وجهة نظره مع أن الترجمة ركن من أركان مستقبل الثقافة.
وعن نقده لمجلة شعر قال أدونيس: كان الخلاف بيننا حول علاقة المجلة بالتراث العربي، وعلاقته بالشعر العالمي، ولكنه كان مجرد خلاف فكري.. يضيف أدونيس: كان موقفي ينطلق من أننا لا نستطيع أن نبتكر جمالا جديدا بلغة تجهل تاريخها الجمالي، وأن الشاعر الذي يحلم بإبداع جماله عليه أن يتقن لغته اتقانا كبيرا. أعتقد، والحديث لأدونيس، لا نستطيع خلق شعر حديث إلا داخل ثقافة حديثة، ولذلك شددت على أن مشكلة الشعر العربي ليست في الشعر العربي ذاته وإنما في الثقافة، في المدرسة في الجامعة.. الشاعر لا يمكن أن ينضج ويتقدم في ثقافة لا تنهض بمستوى الشعر.
وفند أدونيس ما يقال عن أن الشاعر العربي متأثر بالشعر العالمي وقال: هذا تأثر بالكلمات والجمل، أما التأثير بالعوالم والتجارب الإنسانية فهذا ليس موجودا وأضاف: أتمنى لو كان هناك تأثير حقيقي.
كما تحدث أدونيس عن أسباب توقف مجلة مواقف التي لم تستطع أن تجد من يكتب لها عن وضع المرأة القانوني والحقوقي في القرآن الكريم!!
وحول عدم حبه لشعر نازك الملائكة قال أدونيس الشاعر الحقيقي يجب أن يكون لديه مشروع، وهذا غير موجود عند الملائكة. ثم إن أغلب الذين كتبوا في شعر الحب من شعراء الحب كتبوا عن الحب في المطلق وليس عن تجاربهم هم في الحب، لا أحد من الشعراء العرب لديه تجربة عن المدينة عن الموت!!
ونازك الملائكة لم تقدم مشروعا، وليست لديها رؤية واضحة بل هي استمرار للتيار الرومنطيقي خصوصا الرومنطيقية الانجليزية، والحديث لأدونيس، مضيفا: لم تقدم لنا علاقة الرجل بالمرأة أو على الأقل كما فعل نزار قباني الذي خلق لغة شعرية خاصة به، هو كان لديه مشروع حقيقي في ذلك. لكن أدونيس تحدث بحب عن بدر شاكر السياب.
وانتقد أدونيس المفكر محمد عابد الجابري واعتبره مجرد فقيه ولم يقدم أي جديد في ذلك أما المفكر الوحيد الذي كان لديه رؤية مختلفة فكان محمد أركون الذي قال ان علينا دراسة النص الديني بوصفه نصا تاريخيا رغم أن مثل هذه الفكرة كانت قد طرحت منذ العصر العباسي.
وناقش الحضور أدونيس في الكثير من القضايا التي تخص الشعر العربي ومواقفه الفكرية وكان واضحا ومتقبلا للاختلاف.

الأربعاء، 20 مارس 2019

سيدات القمر في قائمة مان بوكر






دخلت رواية سيدات القمر المترجمة للروائية الدكتورة جوخة بنت محمد الحارثية أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة السلطان قابوس إلى القائمة الطويلة لجائزة مان بوكر الدولية في بريطانيا، وهي جائزة مفتوحة لجميع الروايات المترجمة من أنحاء العالم، وقد قامت بترجمة الرواية  إلى الإنجليزية مارلين بوث.
وجاء في موقع «إيريش تايمز» عن الرواية: “سيدات القمر ثلاث شقيقات في قرية «العوافي» بعُمان. ميّا التي تتزوج من عبدالله بعد أن كُسر قلبها. وأسماء التي تتزوج من شعور بالواجب، وخولة التي ترفض جميع عروض الزواج أثناء انتظار حبيبها الذي هاجر إلى كندا. هؤلاء النساء الثلاث وأسرهن كن شاهدات على تطور عمان من مجتمع تقليدي إلى مجتمع يعيد تعريف نفسه ببطء بعد الحقبة الاستعمارية. هذه الرواية منظمة ومبنية بأناقة، وهي تحكي عن تقدم عمان من خلال منظور الحب والخسائر لعائلة واحدة”. كما أورد الموقع ما قالته لجنة التحكيم عن الرواية: “نظرة ثاقبة متخيلة وغنية وشاعرية لمجتمع يمر بمرحلة انتقالية وفي حياة غامضة سابقا”.
وكان مهرجان أدنبرة الدولي للكتاب بالمملكة المتحدة قد استضاف الروائية العمانية جوخة الحارثي في أغسطس الماضي كأول كاتب/‏كاتبة من عمان يستضيفه المهرجان، وكان ذلك بمناسبة صدور الرواية ذاتها عن دار نشر بريطانية بعنوان «Celestial Bodies» بعد أن عملت مارلين بوث على ترجمتها، حيث إنها العمل الروائي الثاني للكاتبة سبقه رواية «منامات» وتلاه رواية «نارنجة» التي فازت بجائزة السلطان قابوس للثقافة والآداب والفنون عن فرع الرواية.
جدير بالذكر أن جائزة مان بوكر الدولية هي جائزة دولية تأسست في المملكة المتحدة رسميا في عام 2005، تمنح كل سنتين إلى الكاتب من أي جنسية كان لعمل يكون قد نشره باللغة الإنجليزية أو قام بترجمته إلى اللغة الإنجليزية.