الخميس، 6 أبريل 2017

مرتا حداد تنصهر في بوتقة الصبر



(أميركا) رواية تحكي قصة عن امرأة وفيَّة قلقت على زوجها الذي اختفت أخباره من أمريكا، فسافرت من سوريا إلى أمريكا ولم يكن معها أحد وبحثت عنه وعانت في الطريق كثيرا من المتاعب خلال تلك الرحلة الطويلة. بعد أن وصلت إلى كفيل زوجها ظلت تبحث عن زوجها حتى وصلتها أخبار بأنه يعيش مع سيدة أمريكية في مزرعة في مدينة (نيو أورلينز)، هنا أحست (مرتا حداد) بالغدر وذُهلت وسافرت إلى تلك المدينة ووصلت إلى المزرعة التي زعم الناس أن زوجها (خليل حداد) يعيش هناك، ورأته بأم عينيها جالسا بجانب المرأة التي خانها معها وبعدها أصبحت (مرتا حداد) امرأة أقوى على الرغم من كل لحظات الانكسار التي مرت بها. بعدما قُتل زوجها السابق خليل أو جو حداد في الحرب العالمية الأولى تزوجت برجل مسلم اسمه (علي جابر) وأنجبت منه أربعة أطفال إلى أن ترملت مرة أخرى وأحست بعد وفاة علي بأنها صخرة وكأنها حية فقط جسديا أما قلبها وروحها فقد ماتا منذ أمد. ولكن بعد ذلك بدأت تدب فيها الحياة مجددًا وهذا كله لأجل صغارها الأربعة الذين لم يكن معهم أحد يرعاهم. افتتحت متجرا في فيلادلفيا قبل زواجها وصار لها اسم في التجارة، وظلت تكافح وتحارب رغم الكساد الاقتصادي الذي أصاب أمريكا بل والعالم بأسره بعد الحرب العالمية الأولى إلى أن انتقلت مع أسرتها إلى باسادينا قبيل الحرب العالمية الثانية وعاشت مع أطفالها الأربعة بقية حياتها. هناك الكثير من القضايا التي نرى من خلال السطور أن الكاتب ناقشها، منها: الكفاح والصبر، وهذا نراه من خلال شخصية (مرتا حداد) تلك المرأة التي سافرت من بلدها وهي لا تتجاوز العشرين خرجت إلى العالم لأول مرة عندما أرادت أن تبحث عن زوجها الذي خانها ورماها وراء ظهره، ولكن برغم الألم والانكسار إلا أنها انتفضت وصمدت ونجحت في حياتها العملية ونرى أنها شخصية تطورية عبر أحداث الرواية. وأيضا قضية أن الإنسان قد يضطر أن يبتعد عن بلده الأم ولكن الهجرة ليست سيئة دائما فمثلا (مرتا) لو لم تهاجر لما عرفت الحياة التي وصلت لها فيما بعد لهذا لا بد من المحاولة دائما وعدم الاستسلام. أشار الكاتب إلى أن الحياة قد تعطينا فرصًا كثيرة وليس شرطا أن نوقف حياتنا بسبب فشل تجربة ما بل بالعكس يجب أن نعيش الحياة بكل حذافيرها فمثلا مرتا لم تكن تريد أن ترتبط بأي رجل بعد أن رأت خيانة ابن عمها لها ولكن بعد أن تزوجت علي نبض قلبها بالحب مجددًا وأنجبت حيوات أخرى. تعلمت الكثير من خلال رواية أميركا ومما أعجبني: أن الأشخاص الذين نعيش معهم قد يؤثرون فينا سلبا أو إيجابا مثل قصة مرتا وخليل عندما خانها، مرتا تغيرت وصارت أكثر قوة.
عرف عن (ربيع جابر) سلاسة أسلوبه ولغته البسيطة والعبقرية في آن واحد، لم تكن هناك لغة شعرية مبالغ فيها ولكن مع ذلك وفق الكاتب في جعل القراء يتخيلون المشاهد بكل سهولة وكأنهم يرون الرواية على شاشة سينمائية، وهذا يدل على أنه لا يشترط أن تكون اللغة معقدة حتى تزخر بالمعاني الضمنية ما وراء سطح الجمل. تضمنت الراوية العديد من مفردات اللهجة السورية وبعض الأحيان استخدم الكاتب مفردات باللغة الإنجليزية. توجد الكثير من الإحالات لكتب ومقالات وأحداث سياسية مثل الحرب العالمية الأولى. إنها راوية طويلة ومشوقة ولن يمل القارئ منها والاستفادة من القضايا التي طرحها الكاتب، ولطالما عرف عن ربيع جابر برواياته ذات الأسلوب الحديث الجذاب، لذا أنصح الجميل بقراءتها.
ربيع جابر هو أديب وكاتب وصحفي لبناني ولد في بيروت عام 1972. درس الفيزياء من الجامعة الأمريكية في بيروت قدم الكثير من المؤلفات منها:( شاي أسود)، (البيت الأخير)، ( الفراشة الزرقاء)، ( طيور الهوليداي ان) وروايته (دروز بلغارد) التي فاز بها بالجائزة العالمية للرواية العربية. تميز بجودة كتاباته وتنوع أسلوبه وحداثته. تعد رواية (أميركا) أحد أهم أعمال ربيع جابر.




قرأت الرواية: إبتسام بنت خلفان الحديدية

كلية الآداب والعلوم الاجتماعية


 جامعة السلطان قابوس