الثلاثاء، 31 يوليو 2012

سيرة مثيرة لصحفي عراقي



لا أبالغ في القول أن كتاب من أوراق صحفي عراقي، الذي نشرته مجلة (دبي ثقافية)كهدية مجانية ضمن عددها الأخير هو بالنسبة لي مفاجأة، فمن خلاله تعرفت على صحفي عراقي كبير، اسمه محسن حسين، الذي يعيش شيخوخته حاليا في دبي، ونشر أوراقا من حياته الصحفية الممتدة إلى أكثر من نصف قرن.سر المفاجأة هي في تعرفي على شخصية صحفية كبيرة، كانت مجهولة بالنسبة لي، ولو يقدم هو على كتابة سيرته الذاتية في أوراقه الصحفية، ولو لم تقدمه مجلة دبي الثقافية ضمن العدد، لبقي هذا الصحفي منسيا، خاصة وأنه عمل جل عمره في وكالة الأنباء العراقية (واع)، ومجلة ألف باء، وطبيعة العمل في الوكات تحرم الصحفي نشر اسمه على الخبر، وأما المجلة فمهما يكن يظل توزيعها محدودا، ولذلك لم أتعرف عليه من قبل، فجاء كتابه مفاجأة سارة، لأني وأنا أقرأ أوراقه تعرفت على طبيعة العمل الصحفي خلال المرحلة التي عمل فيها محسن حسين، وهي فترة تبدأ من عام 1956م، حيث عمل صحفيا ولأول مرة في صحيفة الشعب، إبان العهد الملكي في العراق .بداية الحكاية كان مع أحلام البدري، هذا الاسم قاده إلى الصحافة، وهو اسم حركي، وقع به الكاتب محسن حسين خواطره ومقالاته، حيث يقول: بدأت علاقاتي بها صيف عام 1956م، عندما قرأت في ركن المرأة بصحيفة الشعب مسابقة لأطرف نكتة، فقررت المشاركة فيها، وارسلت مع النكتة رسالة بالبريد إلى محررة ركن المرأة وتدعى ليلى، وليلى هو اسم حركي، لصحفي يعمل بصحيفة الشعب، واسمه الحقيقي منير رزوق، أما مقالاته فتضمنت ملاحظات عن ركن المرأة. يقول الكاتب: في حينه قررت أن تكون الرسالة باسم نسائي واخترت اسما مشتقا من اسم شقيقتين لي، (أحلام البدري)، وكانت مفاجأة لي أن الرسالة نشرت في العمود الرئيسي لصفحة المرأة، وبتوقيع أحلام البدري، في العدد الذي صدر يوم 27/6/1956م، وهكذا ظهرت أحلام البدري إلى الوجود، وأخذ الكاتب يكتب به، ويوقع مقالاته به، وكانت مقالاته تتناول قضايا المرأة والأسرة وتربية الأطفال، وتطالب المرأة حقوقها، وسرعان ما أصبح لها الكثير من القراء، وبعد أحداث أخرى، اتصلت به الصحيفة، وتم التعرف عليه، وعرض عليه أن يعمل بها محررا. فأصبح محررا في الصحيفة منذ عام 1956م، حتى عام 1958م.
يتضمن الكتاب مواقف وأحداثاً وقع فيها الصحفي خلال عمله، منها تهديده بالقتل من قبل ألمانيا، ومفاجأة للرئيس جمال عبدالناصر، وتحدث عن السبق الصحفي، كما تحدث عن لقائه بأحمد بن بللا، وتحدث عن أعرق صحيفة عراقية وهي صحيفة العراق، لكن لا يوجد منها أية نسخة، فيما يظن البعض أن صحيفة الزوراء هي الأقدم، كما كشف عن بعض الجوانب الإنسانية التي يتمتع بها صدام حسين، من بينه لقاء الكاتب به في مسابقة لصيد الأسماك.
كما تحدث عن الصحافة العراقية أيام زمان، وحكاية التصريح الصحفي الذي أخذه من رئيس الوزراء العراقي عبدالكريم قاسم إبان القضية التي عرفت باسم "خليج الخنازير"، في كوبا عام 1961م، وهي العملية العكسرية التي أمر الرئيس الامريكي جون كنيدي بتنفيذها ضد كوبا بحجة وجود صواريخ سوفيتية هناك.
كما تحدث عن حكاية مع النعي الذي كتبه لكوكب الشرق أم كلثوم، قبل وفاتها، حيث نما إلى علمه أنها توفيت، فكتب خبرا سريعا إلى الوكالة، ونشرته الوكالة العراقية، وأذاعه التلفزيون العراقي، مع تقديم برنامج خاص بأم كلثوم، مع أنها لم تمت بعد، وتفيت بعد نعيها وبالخطأ بعد عشرة أيام.
الكتاب مليئ بالأحداث والمفاجآت، يؤكد للقارئ المشاق التي يتجشمها الصحفي، والمفاجآت التي تحصل له، وقد كتب بأسلوب صحفي شيق، من جانب آخر يضم الكتاب صورا فوتوغرافية، مع كل مادة كتبها، فالقارئ يقرأ المادة المكتوبة، ويتطلع على الصور الصحفية التي استفاد منها، حيث التقطت له خلال عمله الصحفي.
الكتاب مهم جدا لكل الكتاب الصحفيين ولدارسي الأعلام، حتى يتعرفوا على شخصية صحفية، فقد أنفق الكاتب محسن حسين حياته في العمل الصحفي، وزار الكثير من البلدان، والتقى بالعديد من الشخصيات، رؤساء وجنرالات، وكتب أخبار أحدثت ضجة في حينها، وتسببت في إغلاق بعض الصحف، وصرف بعض المسؤولين عن وظائفهم.
جدير بالذكر أن محسن حسين صحفي عراقي ولد في محافظة النجف بالعراق عام 1934م، وكتب القصة القصيرة في بداية حياته الصحفية، ثم تخصص في الأخبار، وكان واحدا من ثلاثة أسسوا وكالة الأنباء العراقية عام 1959م، وعمل فيها حتى عام 1977م، مديرا للأخبار الداخلية، ومعاونا للمدير العام ونائب رئيس التحرير ومديرا لمكتب القاهرة.
وفي الصحف عمل محسن حسين في جريدة الشعب، ومجلة الأسبوع، في الخمسينات الماضية، كما عمل في جريدة الجمهورية، وجريدة البلاد والإذاعة، ومنذ عام 1977م ولمدة 25 عاما عمل في مجلة ألف باء محررا وسكرتيرا للتحرير، وعضوا في هيئة تحرير المجلة، كما عمل كاتبا ومحللا في مكتب وكالة الأنباء الصينية شيخو من عام 2002م وحتى عام 2005م، وغيرها من المهام الوظيفية في الجانب الصحفي، ويقيم حاليا في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة. يقع الكتاب في 227 صفحة من الحجم الصغير.
قراءة محمد الحضرمي ونشر في جريدة عمان/الثقافي العدد 11382

لماذا نحب القراءة



من الإجابات المحببة إلى قلبي عن هذا السؤال ما ذكره عباس محمود العقاد: "أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني" هذا السطر الصغير يعكس الحيوات المتعددة التي نحصل عليها من خلال القراءة كما يجسد الدور الذي تلعبه في تطوير الإنسان وتحسين جوهره فضلا عن أن القراءة تزيدنا فكرا وحكمة وقوة وسيطرة على العديد من الأشياء والأمور.
خلال إجازتي السنوية قررت أن أطرح هذا السؤال وأقوم بتجميع بعض الشهادات في حب القراءة من أبناء مجتمعنا العماني وقمت باختيار الفئة التي لا علاقة لها بتأليف الكتب ولا تنتمي إلى النخبة المثقفة من المجتمع وذلك ضمن أنشطة مدونتي ساعي البريد وبدأت العمل قبل أن تنتهي الإجازة ولم أقم بالإعلان عن هذا النشاط في المدونة بعد.
قمت بطباعة السؤال على ورقة كبيرة وبخط جيد واخترت دمية صينية يطلق عليها اسم "الكائن السعيد" لتحمل هذه الورقة وأطلقت عليها اسم "فرحان" كما أخترت دمية سنفور مفكر وهو يحمل كتابا تحت ذراعه الأيسر ليقف بجوار الدمية الأولى ليساندها في حمل هذه الورقة، كذلك قمت باختيار قلم حبر يجسد إحدى الشخصيات المبتسمة وأطلقت عليه اسم حالم. اخترت مكانين مختلفين في مسقط لتنفيذ هذا النشاط وبقيت لساعات طويلة انتظر في كلا المكانين لم أتحدث إلى الناس الذين مرورا وشاهدو الورقة والدميتين وشعرت بأن المثل المشهور "الدنيا أشكال وألوان" يتجسد أمامي في كل لحظة فالحصول على شهادات معينة حول  أمر ما كالقراءة يحتاج إلى أشخاص من مختلف الأشكال والألوان شخصياتهم وقدراتهم متنوعة ومختلفة، كان جليس الخير برفقتي أيضا وبشكله غير التقليدي وقد أمضيت معه بعض الوقت وبعد مرور أكثر من ساعة لا أدري لماذا تذكرت تلك الكلمات التي سمعتها من بعض المقربين ومنها السؤال ذل عندنا ولو في "دلني على الطريق" ولم اكترث لهذا الأمر فما أحدث كان أجمل وأروع بكثير كما إن مرور بعض الأطفال واهتمامهم شجعني أكثر للاستمرار وعدم ترك المكان رغم حرارة الجو والرطوبة والحمد لله حصلت على بعض الشهادات القليلة من مجموعة من المارة ومنهم رجل متقاعد في نهاية الستين من عمره وهو أول من تجاوب معي بفاعلية كبيرة وأثناء الإجابة على السؤال كتابةً مر بعض الأخوة وقرر أحدهم وهو باحث اجتماعي المشاركة وفي المكان الثاني التقيت بمهندس يعمل في سلاح الجو ويدرس في احدى الكليات الخاصة بالإضافة إلى موظف آخر في الجيش وكان تجاوبهم رائعاً.
الكتاب ليس خير جليس فحسب بل هو عالم أو مجموعة من العوالم والكتب ليست حكرا على مجال واحد أو مجالات معينة فقط وهي تشمل مختلف التخصصات والاهتمامات كما تختلف أشكالها وأحجامها وبفضل التقنيات الحديثة تنوعت من ناحية الشكل وطريقة تخزينها وتصفحها وإمكانية الحصول على الكثير منها بسهولة ويسر وبالتالي أصبح بإمكان القارئ أن يجمع الحيوات في عمر واحد فقط فلماذا لا نحب القراءة؟

نشر في المسار العدد رقم  246 والصادرة في 30\7\2012م

الاثنين، 30 يوليو 2012

شهادة لميلاد جديد


 




غسان كنفاني وناجي العلي


هل هي مصادفة ان يستشهد المناضل المبدع الفلسطيني غسان كنفاني والمناضل الفنان ناجي العلي في شهر تموز/ يوليو، ليجمع بينهما اسم الشهر، مع اختلاف السنوات، موعدا لذكراهما وتذكرهما سوية؟. في الثامن من تموز/ يوليو 1972 استشهد كنفاني في بيروت، وفي 22 من تموز/ يوليو 1987 أصابت رصاصات غادرة راس العلي في لندن ليستشهد بعدها بأسابيع. وكل تموز/ يوليو يُستذكر المبدعان الفلسطينيان بتقدير ووفاء، فهما بإبداعهما باقيان والتذكر لهما يدوم معهما، ولكن الجريمة التي أودت بهما تدفع لإحياء الدرس والاعتبار منه. لقد قتلا بغدر لأنهما مبدعان، ومعبران عن قضية وشعب وإرادة وخيارات تقهر العدو وتجدد العهد بالحقوق والإنسان الفلسطيني، أينما عاش، في المنافي القريبة أو البعيدة. وهل مصادفة ان يعيشا أو يمرا برحلات الهجرة واللجوء وفي عواصم عربية واحدة مع اختلاف الأزمان والأعمار؟ وهل مصادفة ان يأخذ كنفاني بيد العلي وينشر له أولى رسوماته؟.
ولد كنفاني في عكا في التاسع من نيسان/ ابريل عام 1936. وحاز شهادة الدراسة الإعدادية والثانوية وعمل مدرّسا في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في دمشق، وفي عام 1955 توجه إلى الكويت للعمل مدرسا في مدارسها، بعد ان نال شهادة من قسم اللغة العربية/ جامعة دمشق.
عاد غسان عام 1960 إلى بيروت وانضم إلى أسرة تحرير مجلة "الحرية" الناطقة باسم حركة القوميين العرب، وتولى رئاسة تحرير جريدة "المحرر" اليومية، وأشرف على الملحق الأسبوعي الذي تصدره "المحرر" باسم فلسطين، ثم انتقل رئيسا لتحرير جريدة "الأنوار" اليومية خلال أعوام 1967-1969.
في 26 تموز/ يوليو 1969، ترك غسان كنفاني صحيفة "الأنوار" ليتولى رئاسة تحرير مجلة "الهدف" التي أصدرتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وكان عضوا في مكتبها السياسي وناطقا رسميا باسمها ومسؤولا عن مكتبها الإعلامي.
إضافة إلى نشاطه السياسي عرف غسان كاتبا وأديبا وصحافيا ورساما. فقد كانت أعماله الأدبية، من روايات وقصص قصيرة ومسرحيات، مشهودا لها في الثقافة العربية والفلسطينية، وكذلك رسوماته ورسائله، وأصدر حتى تاريخ استشهاده المبكر ثمانية عشر كتابا، ومئات المقالات في الادب والسياسة. في أعقاب اغتياله تمّت إعادة نشر جميع مؤلفاته بالعربية، في طبعات عديدة، وجمعت رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته ومقالاته ونشرت في أربعة مجلدات. كما تُرجمت معظم أعماله الأدبية إلى سبع عشرة لغة، ونشرت في أكثر من 20 بلدا، وتم إخراج بعضها في أعمال مسرحية وبرامج إذاعية في بلدان عربية وأجنبية عدة. وتحولت اثنتان من رواياته إلى فيلمين سينمائيين عام 1972.
"كتب كنفاني العديد من الروايات منها "رجال في الشمس"، وقصة فيلم "المخدوعون" و"أم سعد"، و"عائد إلى حيفا"، إضافة إلى "العاشق"، و"الأعمى والأطرش"، و"برقوق نيسان5" (روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة).أما القصص فهي "موت سرير رقم 12"، و"أرض البرتقال الحزين"، و"عالم ليس لنا"، و"ما تبقى لكم"، وقصة فيلم "السكين"، و"عن الرجال والبنادق"، إضافة إلى "الشيء الآخر" التي صدرت بعد استشهاده، و"القميص المسروق"، و"قصص أخرى"، وكذلك مسرحيات "القنديل الصغير"، و"القبعة والنبي"، و"الباب"، و"جسر إلى الأبد".
كما أصدر البحوث والدراسات: "أدب المقاومة في فلسطين المستقلة"، و"الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968". ونال كنفاني في 1966 جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن روايته "ما تبقى لكم". وحاز اسمه جائزة منظمة الصحافيين العالمية في 1974 و"جائزة اللوتس" في 1975، ومنح وسام القدس للثقافة والفنون في 1990".
أما ناجي العلي فقد ولد عام 1937 في قرية الشجرة الفلسطينية، القريبة من طبريا في الجليل، وأنتقل مع أهله إلى مخيم عين الحلوة ـ جنوب لبنان، ومنه بقوارب الهجرة بحثا عن العمل والخبز والكرامة والحرية في رحلات العذاب الفلسطينية.
يوم 22 تموز/ يوليو عام 1987 أصيب ناجي العلي برأسه، فلم تجد الرصاصة محلا لها، وظلت تنهش في غيبوبته خمسة أسابيع ليودع هذا العالم يوم سبت عند صلاة الفجر، مبتسما وتاركا لمن يعرفه ويقرأ رسالته أيقونته التي سماها: حنظلة، الولد الشقي، بساقيه العاريتين وشعره المتناثر وعينيه الجاحظتين. حنظلة صورة معبرة وتوقيع شخصي، وعلامة مسجلة وإشارة مميزة على أكثر من أربعين ألف عمل فني متكامل يشرح رؤاه وفلسفته وآماله وطموحاته.
منذ بدايات عمله ورسوماته عرف مصيره، أدرك محنته، من بين ركام أحجار المخيم، واحتياجات العيش القاسية، والعائلة المهاجرة المغلوب على أمرها، الغلبانة، نما وعيه وتدربت ريشته. هل صدفة أن يكتشف موهبته المبدع الإنسان غسان كنفاني وينشر أولى رسوماته وهو سجين معه، ويقتلا برصاص إجرامي في شهر واحد وباختلاف الأيادي القاتلة والسنوات؟.
يقول ناجي العلي: "بدأت باستخدام رسمي كشكل من أشكال التعبير السياسي حين تم اعتقالي من قبل أفراد المكتب الثاني (المخابرات اللبنانية) في إطار الإجراءات التي اتخذها المكتب لاحتواء الفعاليات السياسية في المخيمات الفلسطينية في الستينات. رسمت على جدران السجن، وقد شاهد غسان كنفاني بعضا من هذه الرسوم وشجعني على الاستمرار حيث قام بنشر بعض هذه الرسوم".
ولم يكمل دراسته في معهد الفنون بلبنان في أوائل الستينات بسبب حصوله على عمل في مجلة الطليعة الكويتية. يضيف: "لاحقا ذهبت إلى الكويت، حيث هامش الحرية والديمقراطية الموجود هناك مكنني من التقدم. لقد ركزت أعمالي هناك على الأخطار المحدقة بنا كشعب". ومن الكويت عاد إلى بيروت، في أوائل السبعينات، ليلتحق بهيئة تحرير صحيفة السفير اللبنانية، يقول عنها: "لقد شكل عملي في صحيفة السفير في بيروت عام 1971 الجزء الأهم والأكثر إنتاجا من مسيرتي. هناك واجهت بقلمي كل يوم ما يحيط بي من عنف من قبل عدة جهات وآخرها الغزو الإسرائيلي على لبنان. لم اشعر بالخوف، الفشل أو اليأس، ولم استسلم. واجهت الجيوش برسومي الكاريكاتيرية ولوحات عن الأزهار والأمل والرصاص. اجل، أن الأمل ضروري دائما. عملي في بيروت جعلني مرة أخرى قريبا من اللاجئين في المخيمات والفقراء المسحوقين".
عام 1983 عاد إلى الكويت مرة ثانية خوفا من تهديد قوات الكتائب له بعد أن تعاونت حينها مع قوات الغزو الصهيوني، فعمل في صحيفة القبس ونشر في صحيفة الخليج الإماراتية في نفس الوقت ولم ينته العام الأول من عمله هناك حتى بلغ بالطرد من الكويت بضغوط سياسية خارجية خليجية ليرحل وعائلته إلى لندن مواصلا العمل مع صحيفة القبس بمكتبها اللندني، الذي على عتباته تلقى رصاصة الغدر الجبان.
في هذه الفترة أصبح اسم ناجي العلي معلما مهما في فن رسم الكاريكاتير ومدرسة جديدة في الكاريكاتير العربي السياسي، وكانت رسومه تنشر يوميا في عدد من الجرائد في القاهرة، بيروت، الكويت، تونس، الإمارات، لندن وباريس، في إصدارات مختلفة الاتجاهات من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
انتمى  ناجي العلي إلى الكادحين والفقراء والمهمشين المستضعفين على الأرض فكسب حبهم وتقديرهم وحقد أعدائهم وغضب جلاد يهم ودهاقنة استغلالهم وإرهابهم وتجويعهم، فصارت أعماله لسان حال القاع العربي، وصوت الرأي العام العربي الشعبي،  وصرخة الأغلبية الصامتة.
عبر الفنان عن هذه اللحظات والسنوات قائلا: "حالما أدركت ما يجري  - كل الفوضى في منطقتنا – شعرت بان عليّ أن افعل شيئا، أن أشارك بأية طريقة. جربت السياسة أولا، الانتساب إلى حزب، الاشتراك في المظاهرات، لكنني لم أكن لأجد نفسي. إن الصرخات الحادة المنبعثة من داخلي كانت بحاجة لوسائل مختلفة للتعبير عنها. بدأت الرسم في الخمسينات على جدران مخيمنا. خلال تلك الفترة، بدأ وعي اللاجئين يتطور باتجاه الفهم السياسي كرد فعل لما يحدث في العالم العربي. شعرت انه من واجبي أن أتكلم بصوت عال لهؤلاء الناس، لشعبي في المخيمات، في مصر، في الجزائر، والناس البسطاء في كل أنحاء المنطقة الذين لا يجدون متنفسا للتعبير عن وجهة نظرهم وتحريضهم. إن وظيفة رسام الكاريكاتير السياسي – كما أرى – هي إعطاء رؤية جديدة بشكل ما. إن مهمته تبشيرية لأنه من الصعب فرض رقابة على رسم الكاريكاتير".
في كل رسومه وضع حنظلة شاهدا عليها وفسر ذلك بان كل من عرفه: "تبناه لأنه رقيق وصادق وصريح ومرح، انه الأيقونة التي تحميني. كما إن وضعه ليديه خلف ظهره هو رمز لرفض المظاهر السلبية الحالية في المنطقة".
لم يرسم بلا هدف، ولم يترك شاردة أو واردة ولم يضعها نصب المشاهد والقارئ والمهتم والمراقب، أدان غياب حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات والكرامة واستشراء العسف والقمع والاضطهاد والفساد والخنوع والتواطؤ والرياء والرقص على حبال الهوان.
إن رسوم ناجي العلي لقوتها وتعبيريتها لما تزل تؤشر لما نعيشه ونحياه، وكأنه بصر ما نراه وقرا المحنة العربية الحالية والقادمة.
كل رسم له مشهد وقصة وصرخة ودلالة ومعنى وقوة تحريض ودعوة شهادة ببساطة مدهشة  وإتقان مبدع وبشكل متطور رمزا وواقعا، حالة وكينونة، مادة يومية وعلاقة هامة باقية مع بقاء مصادرها وبواعثها، كل جملة في رسمه تلخيص لحكمة شعبية وصرخة مكبوتة بخطوط قوية تختصر مهمة وقضية وتبعث تكثيفا مبرمجا لإرادة وعزيمة عبر اللوحة الكاريكاتيرية، سواء بالرسم الصامت أو بالمشحون باللون الأسود والتخطيط المجسد، وعبر مسيرة عمره الفني لأكثر من ثلاثين عاما.
لقد عرف قاتل الشهيد كنفاني، ولكن من قتل ناجي العلي؟ للأسف لم يكشف لحد الآن ما يدل بالوثائق والتحقيقات، ولكن غاب القاتل وظل أسم ناجي العلي ورسوماته تقلق كل من حرض عليه أو ظل صامتا لموته. وظلت رسوماته شهادته، مثلما صار اسم كنفاني معلما فلسطينيا في الثقافة العربية والعالمية.

كاظم الموسوي

kalm2011@live.co.uk

الأحد، 29 يوليو 2012

نحن الليل




كان الليل كسوتنا، وربما قيل في عالم آخر إنه كان يحيطنا برعايته لا أثر لبصيص ضياء. لكن أعيننا، وإن فقدت البصر اعتادته. كنا نبصر في الظلمات، أو نظن أننا نبصر. كانت صورنا ظلالاً متنقلة في العتمة، بعضها يعثر بالبعض، أو يعثر بكرّاز الماء، أو يطيح بكسرة الخبز اليابس التي يحتفظ بها البعض اتقاءً لتشنجات المعدة.كان الليل كف عن أن يكون هو الليل، فما عاد له نهار ولا نجوم ولا قمر ولا سماء. كنا، نحن الليل.
تلك العتمة الباهرة: الطاهر بن جلون

الأربعاء، 11 يوليو 2012

عندما يُفصح المُبدعون عن أوجاعهم






عن مؤسسة عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة، يصدر هذا الأسبوع للأديبة والكاتبة السعودية "زينب البحراني" كتاب «على صليب الإبداع/ عندما يُفصح المُبدعون عن أوجاعهم».
الكتاب يقع في 184 صفحة من القطع المتوسط، ويُناقش نخبة من هموم المبدع العربي في إطار صحفي يجمع بين الجرأة والتشويق، وبين دفتي غلاف رسم لوحة غلافه الأمامي الفنان السوري "كمال سلمان"، بينما صمم غلافه الفنان والشاعر المصري "مصطفى الجزار"، وكتب مقدمته أستاذ الأدب الحديث الدكتور/ محمد نجيب بن محمد العمامي.
يُعتبر هذا الكتاب، بمضمونه الجريء، مدخلاً حُرًا للتجوّل في عقول أكثر من أربعين مثقفًا وفنانًا وأديبًا عربيًا من أعمار متفاوتة، ومواهب وتجارب مُتباينة في مدى عُمقها وعتقها وشهرتها وإخلاصها لمبادئ حريّة الفكر والإبداع والجمال. ومُحاولة صغيرة للإجابة عن بعض التساؤلات المُشاغِبة التي تمس واقع المبدع في وطننا العربي على اتساعه، يُميّزها تسليط الضوء على أوجاعه وهمومه الخفيّة من زوايا مُجتمعيّة حساسة قلّما نالت حظها من التحليل والمناقشة قياسًا إلى المشكلات التقنيّة والفنيّة الجامدة التي طالما أشبعتها الأبحاث الأكاديميّة تحليلاً ومُناقشة، وفق محاور عديدة أبرزها: "علاقة المبدع بمجتمع لا يفهمه"، "الشلليّة كمرض يفترس الواقع الثقافي"، "المبدع والصراع مع ضغوطات المهنة"، "المبدعات الإناث وقيود المجتمع"، "المبدع واستغلاله من قِبل بعض الناشرين"، "المبدع ومعاناته المادّيّة"، "المبدع وهواة النقد الهجومي" و"المبدع واعتزاله عامّة الناس".
ولأن الحريّة الفكريّة هي رئة الإبداع في كل مكان وزمان، وإيمانا منا بضرورة فتح الأبواب لحُريّة الرأي على أمل الوصول بمستقبلنا الثقافي والإبداعي إلى مرحلة تتجاوز عقبات الواقع ومشاكله وأزماته بحلول جذريّة ترتقي بحضارتنا العربيّة؛ نقدّم هذه المحاولة بكلّ ما تضمّه من جرأة، وبساطة، وتنوع في الآراء، وحرية بلا قيود، مشرعين أبواب الحريّة ونوافذها على مصاريعها للقارئ الذي يبقى له الحق الأخير في إبداء رأي قد يتفق مع ما يطّلع عليه من آراء متعدّدة؛ أو قد لا يتفق، لكنه سيخرج في جميع الأحوال؛ برؤية جديدة من زوايا لم تخطر لذهنه قبل قراءتها.
أهدت المؤلفة كتابها إهداءً عامًا "إلى كل مبدع شاركها رحلة البحث عن جواب على صفحاته"، بينما قدمت إهداءها الخاص إلى كل من القاص البحريني "عبد العزيز الموسوي" لبدايات اكتشافه موهبتها في عالم الصحافة، والشاعر والإعلامي البحريني المُحترف "علي الستراوي" عرفانًا لثقته التي فتحت أمامها أول أبواب الصحافة الرسمية، لتنطلق منها بموهبتها إلى عالم الصحافة الثقافية في مطبوعات رسمية عربية أخرى.
شارك بإبداء الرَّأي في تلك المحاور كل من المُبدعين والمثقفين وفق ترتيب حضورهم على صفحات الكتاب:
أحمد طوسون (مصر)، محمّد خيري (مصر)، محمود الديداموني (مصر)، محمّد الأكسر ( مصر)، مقداد رحيم (العراق)، محمّد صابر عبيد (العراق)، نصرت مردان (العراق)، عبد الله غفال (سورية)، عبد الرّحمن سعد (السّودان)، شريف الشّافعي (مصر)، زكي الصّدير (السعوديّة)، عبد الله النّصر (السّعوديّة)، يوسف عبد العزيز (فلسطين)، جُمعة الفاخِري (ليبيا)، جليل الحايك (السّعوديّة)، زياد جيوسي (فلسطين)، أحمد الكبيري (المغرب)، محمّد عبّاس علي (مصر)، أسعد المصري( سورية)، علي الجاسم (الكويت)، علي مرتضى (السعوديّة)، علي عباس خفيف (العراق)، صبيحة شبّر (العراق)، إبراهيم حمزة (مصر)، علي السّتراوي (البحرين)، محمد البشير (السّعوديّة)، محمّد العشري (مصر)، فؤاد قنديل (مصر)، عبد الرّضا علي (العراق)، نورة الفرج (قطر)، لطيفة بطي (الكويت)، زهراء موسى (السعوديّة)، سارة الجروان (الإمارات)، ياسر ناصر (البحرين)، أحمد ناجم (البحرين)، محمد الحريري (سورية)، كمال سلمان (سورية)، محمد فاهي (المغرب)، فيصل حامد (سورية)، حسين العلي (السّعوديّة)، حسن القحطاني (السّعوديّة)، عبد الحفيظ بوناب (الجزائر)، نادر عبد الخالق (مصر)، أحمد المؤذّن
 (البحرين)، سعدي البريفكاني (العراق)، محمّد محفوظ (مصر)، محمد النبالي(فلسطين)، أحمد الأمين(العراق).