الثلاثاء، 31 يوليو 2012

سيرة مثيرة لصحفي عراقي



لا أبالغ في القول أن كتاب من أوراق صحفي عراقي، الذي نشرته مجلة (دبي ثقافية)كهدية مجانية ضمن عددها الأخير هو بالنسبة لي مفاجأة، فمن خلاله تعرفت على صحفي عراقي كبير، اسمه محسن حسين، الذي يعيش شيخوخته حاليا في دبي، ونشر أوراقا من حياته الصحفية الممتدة إلى أكثر من نصف قرن.سر المفاجأة هي في تعرفي على شخصية صحفية كبيرة، كانت مجهولة بالنسبة لي، ولو يقدم هو على كتابة سيرته الذاتية في أوراقه الصحفية، ولو لم تقدمه مجلة دبي الثقافية ضمن العدد، لبقي هذا الصحفي منسيا، خاصة وأنه عمل جل عمره في وكالة الأنباء العراقية (واع)، ومجلة ألف باء، وطبيعة العمل في الوكات تحرم الصحفي نشر اسمه على الخبر، وأما المجلة فمهما يكن يظل توزيعها محدودا، ولذلك لم أتعرف عليه من قبل، فجاء كتابه مفاجأة سارة، لأني وأنا أقرأ أوراقه تعرفت على طبيعة العمل الصحفي خلال المرحلة التي عمل فيها محسن حسين، وهي فترة تبدأ من عام 1956م، حيث عمل صحفيا ولأول مرة في صحيفة الشعب، إبان العهد الملكي في العراق .بداية الحكاية كان مع أحلام البدري، هذا الاسم قاده إلى الصحافة، وهو اسم حركي، وقع به الكاتب محسن حسين خواطره ومقالاته، حيث يقول: بدأت علاقاتي بها صيف عام 1956م، عندما قرأت في ركن المرأة بصحيفة الشعب مسابقة لأطرف نكتة، فقررت المشاركة فيها، وارسلت مع النكتة رسالة بالبريد إلى محررة ركن المرأة وتدعى ليلى، وليلى هو اسم حركي، لصحفي يعمل بصحيفة الشعب، واسمه الحقيقي منير رزوق، أما مقالاته فتضمنت ملاحظات عن ركن المرأة. يقول الكاتب: في حينه قررت أن تكون الرسالة باسم نسائي واخترت اسما مشتقا من اسم شقيقتين لي، (أحلام البدري)، وكانت مفاجأة لي أن الرسالة نشرت في العمود الرئيسي لصفحة المرأة، وبتوقيع أحلام البدري، في العدد الذي صدر يوم 27/6/1956م، وهكذا ظهرت أحلام البدري إلى الوجود، وأخذ الكاتب يكتب به، ويوقع مقالاته به، وكانت مقالاته تتناول قضايا المرأة والأسرة وتربية الأطفال، وتطالب المرأة حقوقها، وسرعان ما أصبح لها الكثير من القراء، وبعد أحداث أخرى، اتصلت به الصحيفة، وتم التعرف عليه، وعرض عليه أن يعمل بها محررا. فأصبح محررا في الصحيفة منذ عام 1956م، حتى عام 1958م.
يتضمن الكتاب مواقف وأحداثاً وقع فيها الصحفي خلال عمله، منها تهديده بالقتل من قبل ألمانيا، ومفاجأة للرئيس جمال عبدالناصر، وتحدث عن السبق الصحفي، كما تحدث عن لقائه بأحمد بن بللا، وتحدث عن أعرق صحيفة عراقية وهي صحيفة العراق، لكن لا يوجد منها أية نسخة، فيما يظن البعض أن صحيفة الزوراء هي الأقدم، كما كشف عن بعض الجوانب الإنسانية التي يتمتع بها صدام حسين، من بينه لقاء الكاتب به في مسابقة لصيد الأسماك.
كما تحدث عن الصحافة العراقية أيام زمان، وحكاية التصريح الصحفي الذي أخذه من رئيس الوزراء العراقي عبدالكريم قاسم إبان القضية التي عرفت باسم "خليج الخنازير"، في كوبا عام 1961م، وهي العملية العكسرية التي أمر الرئيس الامريكي جون كنيدي بتنفيذها ضد كوبا بحجة وجود صواريخ سوفيتية هناك.
كما تحدث عن حكاية مع النعي الذي كتبه لكوكب الشرق أم كلثوم، قبل وفاتها، حيث نما إلى علمه أنها توفيت، فكتب خبرا سريعا إلى الوكالة، ونشرته الوكالة العراقية، وأذاعه التلفزيون العراقي، مع تقديم برنامج خاص بأم كلثوم، مع أنها لم تمت بعد، وتفيت بعد نعيها وبالخطأ بعد عشرة أيام.
الكتاب مليئ بالأحداث والمفاجآت، يؤكد للقارئ المشاق التي يتجشمها الصحفي، والمفاجآت التي تحصل له، وقد كتب بأسلوب صحفي شيق، من جانب آخر يضم الكتاب صورا فوتوغرافية، مع كل مادة كتبها، فالقارئ يقرأ المادة المكتوبة، ويتطلع على الصور الصحفية التي استفاد منها، حيث التقطت له خلال عمله الصحفي.
الكتاب مهم جدا لكل الكتاب الصحفيين ولدارسي الأعلام، حتى يتعرفوا على شخصية صحفية، فقد أنفق الكاتب محسن حسين حياته في العمل الصحفي، وزار الكثير من البلدان، والتقى بالعديد من الشخصيات، رؤساء وجنرالات، وكتب أخبار أحدثت ضجة في حينها، وتسببت في إغلاق بعض الصحف، وصرف بعض المسؤولين عن وظائفهم.
جدير بالذكر أن محسن حسين صحفي عراقي ولد في محافظة النجف بالعراق عام 1934م، وكتب القصة القصيرة في بداية حياته الصحفية، ثم تخصص في الأخبار، وكان واحدا من ثلاثة أسسوا وكالة الأنباء العراقية عام 1959م، وعمل فيها حتى عام 1977م، مديرا للأخبار الداخلية، ومعاونا للمدير العام ونائب رئيس التحرير ومديرا لمكتب القاهرة.
وفي الصحف عمل محسن حسين في جريدة الشعب، ومجلة الأسبوع، في الخمسينات الماضية، كما عمل في جريدة الجمهورية، وجريدة البلاد والإذاعة، ومنذ عام 1977م ولمدة 25 عاما عمل في مجلة ألف باء محررا وسكرتيرا للتحرير، وعضوا في هيئة تحرير المجلة، كما عمل كاتبا ومحللا في مكتب وكالة الأنباء الصينية شيخو من عام 2002م وحتى عام 2005م، وغيرها من المهام الوظيفية في الجانب الصحفي، ويقيم حاليا في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة. يقع الكتاب في 227 صفحة من الحجم الصغير.
قراءة محمد الحضرمي ونشر في جريدة عمان/الثقافي العدد 11382

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق