قرأت المجموعة: بدرية البدري
في بداية الكتاب وضع الكاتب إهداء للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق
رحمه الله، جاء فيه:
“أشهد أنك جعلت الشباب يقرأون” وإن تعمق القارئ في أحداث المجموعة القصصية يستشف السبب وراء ذلك؛ إنه الأسلوب ذاته، المغامرة، والغموض، والتشويق، مع احتفاظ الكاتب توفيق الشحي بخصوصيته.
تسع قصص قصيرة، تتمنى وأنت تقرأها لو تطول، علّك تجد شيئاً من
الإجابة على تساؤلاتك التي انبثقت فجأة، عند تطور الحدث، وتحوّله إلى حيث لم تتوقع
أبداً. ففي اللحظة التي تظن بها أنك امتلكت تلابيب الفكرة السردية التي أرادها
الكاتب، وتعلّق بداخلك:
ـ ليته منح القصة بعض الإثارة.
حتى تتراجع إلى الخلف، وتتلفّت باحثاً عن ذلك الذي قرأ أفكارك في
غمضة عين، ثم سطّرها في أوراقه، وتمكّن من طباعتها، ونشرها لتصل إليك قبل أن
تتلفّظ بها.
أعترف للكاتب بذكائه السردي، وقدرته على جعل القارئ يُفكّر في
أحداث قصصه بعد الانتهاء منها، لذلك أنصح بقراءة كل قصة بشكل منفرد، وعدم إتباعها
بقصة أخرى، إلا بعد يوم أو نصف يوم مثلاً، وهو ما أعترف أنني أنا شخصياً لم أتمكن
من فعله، لأن فضولي أجبرني على قراءتها دفعة واحدة، مما جعلها لاحقاً تضطرم في
عقلي، في صراعٍ فيما بينها، أيها يتسيّد المشهد.
احتوت بعض القصص على نقد واضح لعادات مجتمعية طفت على السطح
مؤخراً، مثل متابعة مشاهير التواصل الاجتماعي في قصة “هل استيقظت؟”، ونشر هؤلاء
المشاهير لأدق تفاصيل حيواتهم اليومية، مما يجعلهم كُتباً مفتوحة أمام المتابعين،
ووصول تأثر البعض بهم إلى إفساد حيواتهم. وبدا رأي الكاتب واضحاً حولها، إلا أن
طريقته السردية نجحت في تغليف رأيه، دون مواراته فعلاً.
كما تطرّق لمنع الكتب في معارض الكتاب كما في قصة “كلمات”،
والأسباب التي تدعو لذلك، والتي قد لا تكون إلا موقفاً شخصياً من مسؤول، أو رؤية
يظنها، دون أن يكون على بيّنة فعلاً، ولكن الكاتب نجح في الوقوف موقفاً وسطيّاً،
ليُمكّنك كقارئ من اتخاذ موقفك دون أدنى ضغطٍ عليك.
هذا المنع الذي قد لا يكون مسببه الحقيقي استحقاق الكتاب للمنع،
وإنما خوف المانع من تأثيره على من يقرأه، أو غسل دماغ القارئ، وتوجيهه نحو فكر
الكاتب (المخالف) أوضحها الكاتب بشكلٍ مثير فعلاً، جعلت قلبي يخفق بشدة مع آخر
جملة يُنهي بها قصته، وأشهق بذعر من الفكرة المطروحة هناك.
النهاية الصادمة أهم ميزة في قصص المجموعة، رغم أن الكاتب يُهيئك
أحياناً لها في منتصف القصة، ولكنك تظل في حيرة، ترى ماذا يقصد بتلك الكلمة أو
الجملة التي رماها في منتصف القصة، وهل سيكون لها دور في الأحداث السابقة، ليفاجئك
أن تلك الكلمة أو الجملة هي النقطة التي تضع النهاية المربكة للقصة، كما كانت
مربكة في منتصفها.
أنهيت المجموعة وأستطيع القول إن ختامها مسك، وإن القصة الأخيرة
سارت عكس توقعاتي، أو كما لم أتخيّل أبداً، لأكتشف أن “الرجل اللطيف” كان لطيفا
فعلاً، وليس كما أوهمني طوال المدة السردية للقصة، ليفاجئني في النهاية بأنه قال
ما أراد مني أن أقرأه فقط.
كل القصص الأخرى في المجموعة – عدا واحدة ربما – سارت بنهايات غير
متوقعة، إلا أن ذلك لم يكن ليطوفني وأنا القارئة الكاتبة التي أعرف أفكار الكاتب،
وكيف يطيب له التلاعب بفكر القارئ وتوجيهه حيث يريد ليتفاجأ في النهاية أنه سلك
الطريق الخطأ، فكنت على الأقل أستشف طرف خيطٍ أتوقّع منها نهايةً ما، تدور في
الفلك ذاته، وإن لم تتطابق معه فعلاً، ولكنني أعلنت فشلي مع قصته الأخيرة.
أخيرا..
أنوّه إلى أن هذه المجموعة هي الكتاب الثاني الذي أقرأه للكاتب، إذ
قرأت له من قبل رواية “نسيا منسيا”، وإن قارنت بين الكتابين فإنني استمتعت بقراءة
القصة أكثر من الرواية، لأن أسلوبه بها كان مدهشا حقا، وأجدني مضطرة للقول إنني
وجدته أقدر على كتابة القصة القصيرة، والتي أبدع فيها فعلاً. كما أنوّه أيضاً إلى
أن هناك إصدارات أخرى للكاتب أرجو أن أطّلع عليها قريبا.
المصدر جريدة الوطن العدد رقم
13349
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق