الثلاثاء، 9 يوليو 2013

حالها الآن يكدر الخاطر ولا يسر الناظر







كتب: محمد بن سليمان الحضرمي، نزوى


رغم أنها تقع في مكان قريب من السوق والمراكز التجارية، وبمحاذاة الشارع العام، إلا إن حالها الآن يكدر الخاطر ولا يسر الناظر، كانت مكتبة عامرة بالكتب قبل سنوات، ومحبو القراءة يتوافدون إليها، واليوم لم تعد كذلك، لم يتبق من (مكتبة نزوى العامة) سوى لائحة حزينة، تنتصب أمام مدخلها بانكسار، لقد ضاعت المكتبة، وتبددت كتبها، ويقال: إنها نقلت إلى مكتبة مسجدية قريبة منها، اللائحة ما تزال منتصبة بانكسار، والمكان خاو على عروشه، الجدران بما تضمه من أدوات مكتبية، وبقايا كتب متناثرة، تهالكت وتداعت، فنسج العنكبوت عليها بيوتا، وكنت كلما مررت على لائحتها تتوق نفسي إلى زيارتها، وفي لحظة سانحة قررت أن أدخل المكان، لأرى ما فيه، وما يضم من كتب، وهل ماتزال المكتبة قائمة أم مجرد أطلال وأشباح لمكتبة كانت عامرة، ففوجئت بالحال الذي عليه المكتبة الآن، إنه حال يكدر الخاطر ولا يسر الناظر.
المكان الذي يحيط بالمكتبة رائع وأخاذ، تحيط به خمائل ظليلة من نخيل وأشجار مثمرة، وساحتها الخارجية الفسيحة تستوعب مواقف السيارات، وإضافة متنزه سياحي، أو كافتيرا لتقديم المشروبات للزائرين، لاحظتها لم أكن أعرف بالحال الذي آلت إليه المكتبة، لذلك أوقفت سيارتي في ساحة المكتبة الخارجية، وحملت آلة التصوير الصحفية، ورحت ألتقط صورا للمكتبة من الخارج، وبحثت عن الباب فوجدته مغلقا، واقتربت من النوافذ فوجدتها متصدِّعة، زجاجها متناثرا في الجوانب، اقتربت أكثر، وحاولت أن استكشف ما بداخل المكان المغلق والمهجور، فرأيت كتبا متناثرة، ملقاة في غير انتظام، أجهزة حاسوب مليئة بالتراب، وأرفف قائمة من غير كتب، وبعضها بكتب مهترئة، ومتمزقة، ملقاه في طاولة مستطيلة، يبدو أنها كانت تستخدم للقراءة في زمن ما.
دققت في المكان أكثر وأكثر، ووجدته في حالة يرثى له، فبحثت عن شخص يمكن أن يحدثني عن الأسباب التي أدت إلى ما آلت إليه المكتبة، وكل من التقيت به لم يعطني إجابة واضحة، سوى أن مكتبة نزوى العامة كانت عامرة بالكتب قبل سنين، وفجأة تداعت لأسباب يعرفها القائمون عليها، فضاع الحلم الثقافي الذي راود أذهان الإنسان والمكان.

لائحة حزينة منتصبة
الحال الذي آلت عليه المكتبة بحاجة إلى إعادة اعتبار والنظر إليه من جديد، خاصة وأن نزوى سوف تصبح بعد شهور معدودة أيقونة ثقافية في العالم الإسلامي، باعتبارها عاصمة ثقافية إسلامية خلال عام 2015م، هل يدرك القائمون على مختلف مشاريعنا الثقافية في نزوى وخارجها هذه الحقيقة؟ هل يعون ماذا يعني أن تصبح نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية خلال عام 2015م؟ أم يراد لنزوى أن تحتفل بهذه المناسبة العالمية، وليس فيها مكتبة أهلية عامة عامرة؟ ثم هل ستبقى تلك اللائحة الحزينة، اللائحة التي ترفع اسم (وزارة التراث والثقافة) هي اليوم تقف منتصبة بانكسار، عاكسة في ذهن وقلب كل من يراها حالة التشظي الثقافي التي نعيشها، ثم هل يصعب على أثرياء نزوى الكبار، الذين يشيدون العمارات العملاقة، ويقيمون المصانع الكبيرة، بناء مكتبة ثقافية متواضعة في مدينتهم الأثرية الجميلة، والتي وصفت منذ زمن بأنها “تخت الملك”، و”كرسي الحكم”، و”مدينة العلم والتاريخ”؟!، هل يصعب على أحفاد الفقهاء والعلماء في نزوى إقامة مكتبة أهلية لهم، تضم نسخا من مصنفات أجدادهم في مختلف العلوم؟ ثم تصبح بعد ذلك مكتبة يتردد عليها أبناؤهم الطلبة، للبحث والقراءة؟ أم أن أحفاد العلماء والفقهاء لم يعودوا ينشغلون بما انشغل به أجدادهم الأوائل؟.
هناك مكتبة يشرف عليها المركز العالي للثقافة والعلوم، التابع لديوان البلاط السلطاني، ملحقة بجامع السلطان قابوس بنزوى، هي أشبه بالمستودع السري، لا يعرفه إلا من له علاقة بالمكان!، وهناك مكتبات تجارية تتناثر في السوق التجاري، لبيع الصحف، والمجلات، والقرطاسيات، والكتب الدينية، والأدبية، والخرافية، وهناك أيضا مكتبات تتبع المؤسسات التعليمية في كليات نزوى المختلفة، وهي مكتبات تعليمية خاصة بالطلبة.

مكتبات نزوى القديمة
في قديم الزمان، وسالف العصر الأوان، يُروى أنه كان في نزوى مكتبات أهلية كثيرة، من بينها “مكتبة السيفيين” التي كانت قائمة أمام قلعة نزوى، في ذات المكان الذي أصبح سوقا للثياب والفخاريات!، في ذلك المكان تحديدا، كانت مكتبة كبيرة، أسسها مجموعة من الفقهاء المنتمين إلى قبيلة السيفي، وكانت تضم آلاف المخطوطات، ثم ضاعت وتبدد ما كانت تضمه من كنوز ووثائق ومخطوطات فريدة، ويحكى أن بعضا من الكتب عثر عليه الآن في المكتبات الخاصة والعامة داخل السلطنة وخارجها.
كما كان يوجد في نزوى “مكتبة السليمانيين”، تقع في داخل حارة العقر الأثرية، لكنها ضاعت بسبب الإهمال، وعدم العناية بتلك المخطوطات، وكثير من كتبها أكلتها حشرة الأرضة، أو الرُّمة، وهناك مكتبة أخرى خاصة، عرفت لبعض الفقهاء والعلماء، الذين عاشوا خلال فترة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي (ت: 1954)، لكن أين هي اليوم؟، وأين ضاعت تلك المخطوطات والوثائق المهمة؟!أين ذهب الأرشيف الثقافي لمدينة نزوى العامرة بالعلم والعلماء والفقه والفقهاء؟!
وفي قديم الزمان وسالف العصر الأوان، كانت نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية في عُمان، خلال فترة طويلة امتدت إلى ألف عام، بشهادة الباحثين في التاريخ العماني، الذين كتبوا عن نزوى في بحوثهم ودراستهم، قبل أن تكون عاصمة للثقافة الإسلامية في الوطن العربي، بترشيح من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم (الإيسسكو)، ويشهد على الحال الثقافي لمدينة نزوى كل من أقام فيها وزارها، ولكن الحال الذي آلت إليه مكتبتها الآن محير؛ لعل الحياة تغيرت، ولم يعد أبناء نزوى يعنيهم وجود مكتبة أهلية، يلتقون فيها كما كان يلتقي أجدادهم مع خير جليس، لعل الحياة تغيرت إلى مناح كثيرة ومشاغل أكثر، ولكن مهما تغيرت وتقدمت ستظل المكتبة بيت كل مثقف، ومستراح كل من يعيش الثقافة فكرا وسلوكا وحياة.

ذاكرة أهلية ثقافية
هناك مكتبات شيدت بين ليلة وضحاها، بتكلفة آلاف وملايين الريالات، وهذا النوع من المكتبات يقوم على المال وليس على الحال، وهناك مكتبات شيدت كتابا كتابا، وفكرة فكرة، ورفا رفا، تنمو كأي مشروع صغير، ليصبح بعد سنوات مشروعا كبيرا، والمثال على هذا كثير من المكتبات الأهلية في مختلف الولايات والقرى، كمكتبة الشيخ محمد بن مسعود البوسعيدي بولاية منح، ومكتبة وقف الحمراء بولاية الحمراء، ومكتبة الندوة العامة بولاية بهلا، التي أنشئت بفكرة صغيرة، برقت في ذهن بعض المثقفين من مدنية بهلا قبل عشرين عاما، فولدت في حجرة صغيرة بإحدى حاراتها الأثرية، واليوم تعد الندوة أفضل مكتبة أهلية في السلطنة، لتحصل خلال عام 2012م الماضي على جائزة السلطان قابوس الأولى للأعمال والمشاريع الخيرية، هذا إنجاز حقيقي كبير، يحسب لتلك الفئة المثقفة التي شيدت المكتبة في صمت وصبر، وبمال وجهد مضاعف، في بهلا وسواها، وكذلك كون لمثقفي قرية فرق مكتبة أهلية تحمل اسم الإمام جابر بن زيد الأزدي، وهذا ما ننشده اليوم من أبناء مدينة نزوى، أن يهمُّوا في بناء مكتبة عامة لهم، لتصبح ناديا ثقافيا، وجوهرة من الجواهر، تلتمع في العقد الثقافي لمدينة نزوى، التي هي الأخرى جوهرة من جواهر المدن العمانية.
هل ستكشف الأيام القادمة تصميم مكتبة أهلية خاصة بنزوى؟ هناك إشارات إلى هذا الجانب، لكنها غير مؤكدة، إشارات ما تزال في حالة مخاض متعسرة، نرجو أن تتسهل ولادتها، ليشرق محياها في الوجود النَّزوي، ولتصبح نجمة تلوح بين الظلال والظلام.
وإذا كنا كثيرا ما نذكِّر بالاحتفالية القادمة لفعالية نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية خلال عام 2015م، إنما لنوقد الهمم في النفوس، ونحفِّز القدرات على استغلال الإمكانيات، للعمل بما يجب عليهم ويليق بهذه المدينة التي تنتظر منا ومن كل المثقفين، بناء ذاكرة أهلية ثقافية، ترفد الذاكرة الوطنية العمانية، لأنه لا يليق بنزوى، المدينة والذاكرة، والحاضرة العمانية، ألا يوجد بها مكتبة أهلية عامة وعامرة.



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق