الأربعاء، 17 يوليو 2013

لدي "هامستر" وأحبه!







 
سلمى بنت مصطفى اللواتية

 

سعر الواحدة : 150 ريالاً هكذا قالت.. وأخبرتني كذلك أن إفطار أسرة بالمستوى المتوسط في شهر رمضان يكلف ما مقداره أربعون ريالاً عمانياً، بحسبةٍ بسيطة المبلغ الأول يكفي لإطعام أربع أسر صائمةٍ تقريباً..
ولكن ما هذا الذي سعره مائة وخمسون ريالاً؟؟ في أوهن ما قد أفكر به لم أكن أتصور أن يشترى به "قط" !!! أي مقارنة يمكن أنْ تُعقد هنا؟؟!! وهل هناك مقارنة ٌأصلاً ؟؟!!
ولدي ّ"هامستر" وأحبه (وهو حيوان بين الفأر والأرنب) !!! "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم" !! جهل يستورد الطعام والشراب واللباس والأثاث، وحتى الفكر والهواية والاهتمامات!! وأقصى علاقته مع اللغة العربية الامتحان النهائي للصف المدرسي الأخير أما الدين فيأتي تباعاً كلما تقدم بالشاب أو الشابة العمر!!، ويستورد حتى صداقة الحيوانات والأنس بالقطط والفئران من حضارة الميكي ماوس!! فإذن ما الذي بقي من الهوية أيها العقلاء؟!
لست ضد اقتناء الحيوانات الأليفة في المنازل – وإن كانت لي في الأمر وجهة نظر مفصلة، ليس هنا محلها – ولكنني أتابع الأمر بعينين، عين تراقب فقراء الكون، وأخرى تنظر إلى الآية الكريمة قال تعالى :" وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" الإسراء آية (16). هل يا ترى يجوز عقلاً– ولا أتكلم عن حكم شرعي- هل يجوز أن تصرف مئات الريالات على تربية القطط والفئران، في حين يمكن أن تسد هذه المبالغ جوع بشر أهلكتهم المجاعة والحروب والفقر والحاجة على ظهر هذا الكوكب؟!
أي سطحية فكرية نقتات عليها حين تقع أموالنا في هكذا مواضع ولا نفكر بإقامة مشروع مخلص يخدم الوطن والأمة أو الإنسانية جمعاء؛ فيرتقي بروحها وفكرها ويفجر طاقتها الإبداعية في الجوانب العلمية والأدبية ليبني حضارة وينهض بهمم، أو ليكن مشروعاً يهدف إلى إنهاء مأساة الفقر واليتم مثلاً.
أذكر زيارتي لدار الرعاية الاجتماعية وأذكر تلك النظرات التائهة الباحثة عن أسرة كاملة مكونة من أب وأم وقبلها زيارتي لرضيع يتيم فاقد الأبوين في المستشفى السلطاني كل ما يسليه صوت الراديو في الغرفة الموحشة، رأيته ومقلتيه لا تثبتان على نقطة ما كأنما تبحثان عن دفء ضائع ولم تهدأ تلك العينان حتى مسحت بيديّ على رأس اليتيم وتلوت له بضع آيات من الذكر الحكيم، طفل علمت فيما بعد أن مصيره كان دور الرعاية الاجتماعية كمن سبقوه إلا من رحم ممن يجد ثريًا حُرم نعمة الإنجاب.
الإسلام ليس دين المواسم والمناسبات نحيا روحانياته حيثما دارت معايشنا، إنّ الإسلام يرسم أدق تفاصيل الحياة الإنسانية التي يجب أن يسلكها الفرد ، لأنه – أي الإنسان- محور الكون وأساس الحياة فيه، وإلا ماذا كان ينقص الكون حين اكتمل إبداع الخلق فيه وكان النداء الإلهي :" إني جاعل في الأرض خليفة " لقد كان ينقصه بانيه والمستفيد الأهم من خيراته وكنوزه، وكأنّه الجوهرة الأخيرة الأجمل التي كان يجب أن تزين تاج الخلق. أفلا يليق بصاحب التكريم هذا أن يرتفع سقف طموحه ليناطح علو السماء ويوازي فسحة الكون في عمومه وشموله؟! كأنْ يرفع راية المساواة في الحقوق المعيشية الأولية للبشرية جمعاء؟! ولتكن نقطة البداية من ذاته في توزيع الثروة بأسلوب منظم يضمن العيش الكريم لأخيه الإنسان المحروم .
إنّ من المشاريع الاجتماعية المنظمة لحياة المجتمع والهادفة إلى التوزيع العادل للثروة تلك التي أطلق نداءها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في قوله :" أنا وكافل اليتيم كهاتين " وضم السبابة والوسطى أليس حرياً بأموالنا الفائضة أن تنفق في هكذا مصارف ؟؟ بل والله الأجدر أن نجعل برامجنا العطائية من أساسيات نفقاتنا الملزمة، غير أننا سنقبل بها من أية ميزانية كانت، فذاك شأن الإنسان مع نفسه كيف يروضها.
ومن هذا المنطلق الإسلامي الإنساني النبيل أطرح مشروعًا وللقراء الأجلاء حرية الاستفادة منه والذي نواته إقامة لجنة أو مجموعة -وفق القوانين المنظمة في البلاد - تكون صلة بين من يمتلك 150 ريالاً لقطه -الذي أتمنى أنه استغنى عنه- وبين من حُرم نعمة الولد والمال ويرجو أن ينال شرف تربية يتيم، يشعر معه بالأبوة والأمومة ويخرج طفلاً من فاجعة اليتم ومأساته، على أن تتكون تلك اللجنة أو المجموعة من مرشدين نفسيين وعلماء دين واجتماع، وآخرين ربما ممن تستلزم جودة العمل انضمامهم.وليكن من مهامها إقامة مشاريع تجارية لصالح الإنفاق على الأيتام والمحرومين يعمل فيها من بلغ منهم سن العمل القانوني ويستفيد منها آخرون وفي نفس الوقت بهكذا أفكار وغيرها من الأفكار المثمرة سنتجاوز الكثير من المشاكل التي تنتج لاحقاً في المجتمع كالأمراض النفسية والأزمات المالية التي قد يمر بها أبناء دور الرعاية الاجتماعية ومن المؤكد أننا سنسهم في توفير العمل وخفض نسبة البطالة خاصة بين الفئات المستفيدة ونساهم في تطبيق جزء من مفهوم التكافل الاجتماعي الذي أمرنا به، ومن ناحية أخرى فإننا حينها نمارس المواطنة الصالحة في أروع صورها. هذا هو المنهج الإسلامي القائم على بناء النفس الإنسانية لتساهم في رسم خطوط الحضارة والرخاء البشري، والذي يعتبر الأرض وما عليها مسخر للإنسان بما فيه المال، الذي سنسأل عن أين أنفقناه !
غير أن هذه الأمور لا تتحقق لو استمر دين المترفين في مجتمعاتنا الإسلامية؛ إنّه من المخجل حقاً أن نسكن قصورنا العاجية ونتكلم عن مبادئ القناعة والعطاء والبذل، ثم ننفق الفائض من أموالنا على حاجاتنا المترفة وحاجات حيواناتنا ومظاهرنا الاجتماعية الكذابة، هل ترانا سنقترب حينها من روح الإسلام ؟؟!!
إنّ المرور على منازل الفقراء ومجالستهم وتفقّد حاجاتهم واحتياجاتهم وهذا اللمس المباشر والقرب من حيواتهم سيكون بلا شك جديرًا بأن يغير الكثير من أنماط حياتنا وسينقلنا إلى مرتبة الذين "يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " الحشر آية( 9) أليست هذه التوجيهات القرآنية هي أهدافنا السامية في الحياة ؟! أوليست مرضاة الله تعالى تنال من خلال السعي المتواصل لتطبيق ما أمرنا به الله تعالى ؟! إنّ هذه المراتب الإيمانية لا يتحصل عليها إلا من خلال مراجعة النفس على أي خط تسير؟ ومراجعة السلوك أيّ نهج يسلك ؟ أما الرضا والركون لما نحن عليه دون تنقيحه وتمحيصه، وعرضه على روح الإسلام فهذا قد يبعدنا شيئاً فشيئاً عن الهدف الذي رسمته لنا التوجيهات الإلهية.
وكم سيكون رائعاً لو استثمرنا فرصة الشهر الكريم لنفعل ذلك، والأجمل أن ننشئ أجيالاً تتشرب الشراكة الإنسانية منذ نعومة أظفارها وننتقي أياماً من شهر الخير هذا؛ نأخذ أبناءنا فيها لجولة تربوية هذه المرة إلى بيوت لم يعهدوا زيارة مثلها بدل قضاء طول الوقت في المجمعات التجارية ومجالس السمر، هذه البيوت التي تنتظر دخول أصحاب الأيادي البيضاء إليها، خاصة العفيفة منها، ثم لنر أثر ذلك على مر السنين عليهم وعلى المجتمع، وحتماً سنرى جميلاً.
هذا هو الفهم الحقيقي المطلوب منّا كمسلمين لديننا ولقوانينه المنظمة لعلاقة الفرد مع المجتمع، التي يقول عنها الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم :" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى ". إننا نكون كما أراد سيد البشر لنا أصحاب فكر مستقل وهوية واثقة تسير حياتها على أسس من تعاليم الإسلام عندما تتجاوز مجتمعاتنا شهواتها ومطالبها الدنيا إلى الأهداف العليا التي تحقق رخاء المجتمعات، حينها فقط سيكون الإسلام قوة ديناميكية يتحرك كل فرد فيه من خلال موقعه ليثري بالعمل المخلص المبدع الخلاّق مجاله ويبحث عن نقاط التلاقي بينه وبين الآخرين في تكاتف يوثق الصلات ويوحد الجهود للارتقاء بالعمل والإنتاج النافع الذي يسمو بالحياة الإنسانية ويمكن البشرية من الاستفادة المثلى من كنوز الأرض وثرواتها التي سخرها الله عزّ وجلّ للارتقاء بالرفاهية البشرية؛ ولكن للبشرية جمعاء، وليس لبعضهم فقط تحقيقاً لقوله – صلى الله عليه وآله وسلم -:" الناس سواسية كأسنان المشط " نحو حضارة حقيقية ينعم بفيئها البشر والحجر بل الكون بأسره بإسلام حركي فاعل في حياة الأمة، لا إسلام المترفين وآية قرآنية معلقة تراكم على تطبيق مفهومها غبار النسيان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق