الاثنين، 25 فبراير 2013

هدى حمد تُضيء الإشارة برتقالية الآن




 

في محاولة جديدة للتفتيش عن مناخات أكثر التصاقا وحميمية بالمرأة، وما يعتري عمقها الجواني من فوضى تُقدم هدى حمد شخصياتها التي تحمل قدرا هائلا من الارتباك أمام ظرفها الاجتماعي، ومزالقها النفسية الكثيرة عبر أربعة عشر نصا في مجموعة قصصية جديدة حملت عنوان "الإشارة برتقالية الآن"، وقد صدرت عن مؤسسة الانتشار العربي، وستكون من بين الكتب العمانية الحاضرة في معرض الكتاب القادم.
حيث تلعب المرأة بطولتها مع الحياة والرجل على حد سواء، إضافة إلى ما يتنامى بين جنبات النص من أحداث ومفارقات.
فثمة امرأة تدير مفتاح الكلام في فم ابنها المتأخر عن النطق، وأخرى تنبتُ فوق شفتها حبة الرمان، فتكبر كالفضيحة، وفتاة أخرى اسمها وردة تكبر اسئلتها ورسائلها كل يوم إلى أن تثقب شوكة شجرة البرتقال معدتها. بينما تمارس حنان ارتباكها أمام الاشارات التي يقدمها رجل ليس من ثوبها الاجتماعي، وثمة امرأة تقترف الخيانة سرا، فيطاردها وجه زوجها واسمه، وأخرى تصعق عندما ترى جسدها غير المتناسق في المرآة، من دون أن نعي ماذا كانت تنوي أن تقول لزوجها قبل تلك الصدمة!
فيما قصة "عرس" وقصة "مكياج" تكشفان عن ستار تناقض اجتماعي كبير، إذ يمكن للرجل أن يحضر حفلا راقصا مخصصا للنساء في مجتمع محافظ، كما يمكن لآخر أن يكون سببا في اختفاء علبة مكياج!
وتظهر "عاملة المنزل" في نصين اثنين هما: "ألوان شمعية"، "في بيت نفيسة" من دون وضوح كبير في نواياها، إذ نقرأ القصة إما من وجهة نظر "نفيسة" الممتلئة بالحذر، وإما من جهة الطفل "سيف" المأخوذ بها.
وقد يتفاجأ القارئ بوجود قصتين تبدوان من القراءة الأولى للأطفال، ولكن ربما ثمة إشارة ما تتخفى هنا أو هناك حول دلالات "الهلال" الذي يكبر ليغدو قمرا من دون أن يفتح عينيه أو يذهب إلى المدرسة، ودلالات أخرى لذاك الطفل الذي يُحول الأشياء العادية إلى أشياء خارقة بلفظة واحدة، وهو يردد: "أبركادبرا".
مجموعة تشتغل على طرح سؤالها الخاص بها، ذاك الذي لا يُعطي نفسه بسهولة للقارئ، وإنما يقترح عدّة مراوغات، ليتيح مجالا أكبر للتأويل.. في محاولة لقياس المسافة الواقفة بين المرأة وعثراتها الكثيرة في مجتمعات لا تزال تتربص بها مخاوفها الكثيرة من شرارة الفضائح، والتي غالبا ما يتم اختصارها في جسد المرأة.
لكن المرأة كما يبدو تستمر في محاولة إيجاد صيغ أجمل للحياة من زاوية أخرى، تستمر في حياكة التفاصيل التي قلّما يُنتبه لها.. كتلك المرأة المنشغلة باختراع أفكار كثيرة لتجد مدخلا جيدا تسدد من خلاله أحلامها وآمالها في الرجل الذي تتشاطر معه الحياة، أو تلك الهاربة من الكلمة التي يرددها زوجها كل يوم "اضربي برأسك في الحيطان الأربعة"..
وعلى كثرة الأسئلة.. إلا أنّ المجموعة لا تنشغل بالبحث عن إجابات بل تترك النهايات مفتوحة على الدهشة أو على مفارقات قد يتوقعها القارئ أو يتغافل عنها.. مما يعطي دلالة على أنها قصص مستمرة.. نتقاطع معها كل يوم في الشارع والبيت والوظيفة.. وأننا كثيرا ما نرى هذه الشخصيات المنتزعة من واقعها، وإن كانت بوجوه وملابس أخرى..
الجدير بالذكر أنّ "الإشارة برتقالية الآن".. هي المجموعة القصصية الثالثة للقاصة هدى حمد بعد صدور مجموعتيها "نميمة مالحة" عام 2006، "ليس بالضبط كما أريد" عام 2009 عن الدار نفسها.

المصدر: جريدة عمان والصادرة بتاريخ 25 \2\2013م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق