الأربعاء، 9 يناير 2013

من جيل لجيل



 
 
وسط ضجيج الحياة الإنسانية الكبيرة هناك قوة عجيبة لها سلطان كبير وجوانب إيجابية وسلبية لا يمكن تجاهلها سواء شئنا أم أبينا وهي تتمثل في التأثر والتأثير في العديد من الأمور من حولنا وتتم هذه العملية عند الإنسان بإرادته واختياره والعكس صحيح أيضا. لا أود الخوض كثيرا في هذا الموضوع الفلسفي لكي لا أغرق في بحوره العميقة ولكن المواقف التي نمر بها بين مدة وأخرى تذكرني به وبسطوته باستمرار، على سبيل المثال قبل أيام قليلة قامت طالبة الدراسات العليا  الأمريكية كيرا بزيارة مكتبي للبحث عن معلومات عن قصص عمانية فلكلورية وتراثية لأجل موضوع دراستها وبقيت أكثر من ساعة تخبرني عن القصص العمانية التي أطلعت عليها باللغة الإنجليزية والعربية وكان هناك تنوع كبير في قصة "سندريلا العمانية" أي يوجد أكثر من 4 أو 5 نسخ لهذه القصة مع اختلاف الحبكة والحدث بين هذه القصص وأعتقد السبب يمكن في التأثر والتأثير والنكهات التي أضافها الرواة من جيل لآخر وأخبرتها القصة التي أعرفها وهي مسقطية النكهة، لقد انبهرت الباحثة بكل هذه الاختلافات في القصص، وقد لا يدعو الأمر للإبهار بسبب سطوة تلك القوة فالقصص التراثية والفلكلورية يتم نقلها من جيل إلى جيل عن طريق الرواية الشفهية غالبا وقد يقوم كل جيل بإضافة أشياء جديدة أو حذف أشياء لتتوافق في النهاية مع واقع حياته التي يعايشها في مجتمعه وقد تأتي مجموعة كبيرة من التأثيرات من خارج المجتمع من دول مجاورة أو بعيدة، وهذا الإبداع ليس من صنع فرد ولكنه نتاج الجماعة الإنسانية ككل. هناك مراجع عدة اعتمدت عليها الباحثة منها كتاب الأستاذة خديجة الذهب حكايات جدتي، ومجموعة القصص التي قام بتأليفها الأستاذ الدكتور علي التجاني وأخبرتها عن كتاب الأستاذ يوسف الشاروني ويبدو أن المراجع باللغة الإنجليزية وغيرها أكثر بكثير من المراجع العربية لأسباب كثيرة قد يعرفها القارئ أو يجهلها، لدينا الكثير من الأشياء التي تحتاج إلى توثيق وتسجيل باستمرار ويمكن استخدامها لاحقا لإنتاج روائع الأعمال الأدبية وكذلك التلفزيونية والسينمائية يمكن القيام بالكثير من الأشياء من خلالها قبل فقدانها أو ضياعها أو تبني مجتمعات أخرى لها وإعادة غربلتها وتحقيق مكاسب كبرى مادية ومعنوية من ورائها  ونأتي نحن لنتفرج على هذه الأعمال وندفع مبالغ لشراء الكتب التي تتناولها أو ندفع سعر تذكرة السينما أو سعر القرص الممغنط لمشاهدة المسلسل وغير ذلك.. لماذا لا نكون نحن المسجلين لها ومن ثم المنتجين؟
 
من مقالي المنشور في نشرة المسار الجامعية العدد رقم 358 والصادرة بتاريخ 10\1\2013م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق