الاثنين، 31 ديسمبر 2012

كلما حلم بمدينة مات فيها






اضاءات:


اسم الكتاب: حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها

المؤلف: طارق إمام

عدد صفحات الكتاب:83 صفحة

الكاتب في سطور:

هو من مواليد1977. حاصل على ليسانس آداب - قسم اللغة الإنجليزية – جامعة الإسكندرية.
حصل على خمس جوائز أدبية مصرية وعربية منها:


_
جائزة الدولة التشجيعية في الآداب، عن رواية (هدوء القتلة) 2010

ــ جائزة ساويرس في الرواية،2009، مواليد 12 / 8 / 1977
حاصل على ليسانس آداب - قسم اللغة الإنجليزية – جامعة الإسكندرية

صدر للكاتب:
---------------
-
طيور جديدة لم يفسدها الهواء - قصص - دار شرقيات القاهرة - 1995

-
شارع آخر لكائن - قصص - الهيئة العامة لقصور الثقافة القاهرة - 1997

-
ملك البحار الخمسة - قصص للأطفال - كتاب قطر الندى - القاهرة - 2000

-
شريعة القطة - رواية - دار ميريت - القاهرة - 2003

هدوء القتلة - رواية - دار ميريت - القاهرة - 2007

الأرملة تكتب الخطابات سراً - رواية - دار العين - القاهرة - 2009

حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها - قصص - دار نهضة مصر - القاهرة - يناير 2010



حصل على خمس جوائز أدبية مصرية وعربية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_
جائزة الدولة التشجيعية في الآداب، عن رواية (هدوء القتلة) 2010

ــ جائزة ساويرس في الرواية،2009،عن رواية هدوء القتلة

ــ الجائزة المركزية الأولى لوزارة الثقافة المصرية، عامي 2004و
2006
عن مجموعتين قصصيتين مخطوطتين

ــ جائزة سعاد الصباح للإبداع العربي لأفضل مجموعة قصصية، عام 2004(less)


مؤلفات الكاتب:
طيور جديدة لم يفسدها الهواء - قصص - دار شرقيات القاهرة - 1995

- شارع آخر لكائن - قصص - الهيئة العامة لقصور الثقافة القاهرة - 1997


-ملك البحار الخمسة - قصص للأطفال - كتاب قطر الندى - القاهرة - 2000

- شريعة القطة - رواية - دار ميريت - القاهرة - 2003

هدوء القتلة - رواية - دار ميريت - القاهرة - 2007

الأرملة تكتب الخطابات سراً - رواية - دار العين - القاهرة - 2009

حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها - قصص - دار نهضة مصر - القاهرة - يناير
2010



عرض الكتاب:

كثيرة هي النوافذ التي فتحتها تلك الليلة ،فكوخي  نقطة المركز في الغابة الكثيفة الأشجار أعيش اعمار كثيرة لأناس لا وقع لهم في حياتي سوى سطورهم ،وكلماتهم الراسخة في ذاكرتي ،تلك الليلة حين استيقظت  تعبت من الكوابيس التي راودتني وأي اناس أولئك الذين شاهدتهم في حلمي، لم يكن يخيفني الكوخ الذي ضمني لسنوات بعد وفاة والدتي بقدر ما أخافني ما وقع في مدى بصيرتي تلك الليلة بعد ان قررت أن أفتح نافذة ،من النوافذ التي لا عد لها المكونة لكوخي كل نافذة تطل علي بعالم خاص ،ورياح تجدد هواء الغرفة وأي مشاهد التي سأطل عليها في هذا الوقت المتأخر من الليل ببرده القارس وظلمته الموحشة؟، وأي مجموعة قصصية سأتصفح نوافذها بما يناسب هذه الظلمة الحالكة ،تنبأت بأن آخر مجموعة اخترتها من بين رفوف مكتبتي العتيقة بخشبها ،الزاخرة بكتبها ،هي ما ستكون عليه نوافذي هذه الليلة، وكما توقعت "حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها" للقاص  طارق إمام وقد انهيت قراءتها منذ يومين مضت، بدأت بالإطلال على نافذة اعتدت أن تقدم لي ما هو جميل ولكن الحال يختلف ،فهي تطل علي  بلوحة لظلمة قاتمة "لصانع الصور" اسم القصة التي افتتحت بها المجموعة القصصية حكاية العجوز بعين مفتوحة حدقة عمياء الذي لم يكف عن التساؤل ماذا لو جرب الناس التحديق في العتمة ؟ما الحال الذي سيؤولون عليه ؟اليس هذا يطيل من عمرهم فلن تكتظ ذاكرتهم بالدنيا وهمومها ؟.وكأن الراوي يرى أن عدم تغير الحال وعدم تزاحم الحياة وتغير الالوان تحفظ للإنسان شبابه ،فهو لن يرى إلا العتمة لا حراك فيها ولا حياة، ومن حيث لا حياة إلى حياة شبح الشاعر في "كفافيس" يعبر مقابر اليونان، يخطف الصحف في صباح كل يوم، فهو لا يمتلك النقود رحل عن الدنيا ترك خلفه الغرفة التي وجد لذته في كتابة الشعر فيها حيا كان أم شبحا ،يكتب على مكتبه العتيق ،ويترك النوافذ الضخمة مفتوحة لتحمل الريح أوراق شعره فما يلبث حتى تكون له عودة في اليوم التالي ؛ليرى ما تبقى على مكتبه من أوراق فيعلم أنه الجيد من الشعر ،وما حملته الرياح فلا مكان له بين شعره إذا كيف كان يميز ما تفوق من شعره حين كان حيا يرزق ،وكيف كان يقتني النسخ الجديدة من الكتب، وهو الآن شبح لم يترك نسخة إلا وامتلكها من مكتبات المدينة فهو لا يستطيع المقاومة ،ومن يقتني كتبه تحل عليه لعنته ،وهل يرى أن دور الأحياء في قراءة كتبه انتهت ،وبدأ الوقت الذي يحق للموتى بقراءة كتبه فقط ما حيرني كيف لشعر كتبه يسلمه للرياح دون مقابل ،وهل سأسمح  لنتاج فكري جيدا كان أم سيئا أن يبات بين مكب النفايات حملتها الرياح دون ان يقرأها أحد أو ينتقدها؟كأن الليل يأبى ان يتلاشى فالثواني صارت دقائق ،والدقائق صارت ساعات ،والزمن يمر ببطيء شديد فالحال هو الحال تتوالى القصص  التي تجعلني أبحر في أعماقها وأجد فضولي يجرني إلى المجهول  دون أن أسيطر على نفسي  فأقف بجانب   الطفل في قصة "كوليرا" الذي لا يحس بطعم المدينة إلا بعد ان يشاهد السفن ،ولوحة البحر تنتصب امام عينه ،والمدينة لوحة تتغير، الحمالون الذين يحملون أمتعة المسافرين ،أفواج  من الناس تأتي للمدينة وأفواج ترحل ،ونفوس تزهق أرواحها في حروب لا يعلم اسبابها ،أطلت  الوقوف بجانب الطفل وركضت معه في أرجاء المدينة  لأتبين أحوالها لكن سرعان ما وجدت نفسي أمام المدينة الغارقة في قصة "لأنه لم يعد يندهش" فمن يصدق أن  المدينة التي كانت تعيش بهدوء ،ورخاء أن تتحول مكانا للبحر تسبح فيها القطط ،والكلاب والهياكل العظمية ،لم يعلم أهلها أن الرفات الذي نقلته السلطات من المقبرة للبحر ،سترجعه أمواجه الغاضبة ،سيرجع رفات الموتى، ويغرق المدينة وأهلها الذين فقدوا الأمل بالنجاة،  أحداث هذه القصة ليست ببعيدة عن القصة التالية إلا أنها تطل علي من نافذة اخرى لربما تتغير الرياح التي تنعش رئتي ،وتحمل معها أعمار أناس تختلف عن تلك النافذة ،فقصة "قبل مجيئنا على الدنيا "أدخلتني في حيرة فهي تحكي عن القرد الذي يقف قرب الشواطئ يغري البحارة بأسلوبه المرح ،وما أن يصبح على السفينة ،ويتمكن منهم يستولي على السفينة ،ويقتلع عيونهم وهل هو أسد أم شيء آخر لا نستطيع حتى أن نتنبأ بكنهه ؟هل هو رمز له لذاك الغريب الذي يحل ضيفا في دولنا العربية ،فيتشرب أبنائنا بفكرهم يسكنون معنا ويأكلون مما نأكل إلى أن يغزونا، ويمحي عاداتنا وتقاليدنا من عقول أجيالنا ،وهل الخطأ في الغريب أم أبناء الوطن الذين رفضوا تشرب فكر بلدهم بعمق والاقتناع به؟ قد لا يخلصني من حيرتي إلا الكاتب الذي تميز بأسلوبه الممزوج بين الخيال والواقع  وفكه للرموز التي واجهتني في كل القصص تقريبا.لم أطل الوقوف كثيرا عند هذه النافذة فقد شعرت بالتعب عدت للنوم ،لأستيقظ وطرقات صديقي على الباب يعلن موعد ذهابنا لرؤية البناية التي سيعيد إصلاحها لمشروعه التجاري الذي خطط له منذ أن كنا رفاقا في المدرسة ،هو عادة لا يزورني كثيرا ،فكما ذكرت منزلي وسط الغابة بعيدا عن المدينة التي يقطن فيها صاحبي ، وصلنا إلى حيث البناية التي ترسم لوحة لخلفية السماء الزرقاء ،وجسر معلق في الهواء شاحبة بألوانها الأبيض ،والاسود نوافذها المتصدعة ،وأبوابها الثقيلة سيحتاج لأموال طائلة ؛ليعيد اصلاحها لم أستطع مناقشته فسريعا ما اعادتني الذاكرة للعجوز الذي عاش في ظلمة حدقتيه يعيش في طابقه الثاني حيث لا ضوء يتسلل للداخل ."عينا رجل عجوز "قصة تبدأ من الحادث الذي تعرض له الشاب الذي انقذه العجوز لتسكن بطاقة عنوانه جيبه  تعجب كيف لعجوز أعمى يعيش في ظلمة كهذه  بدون مصابيح ، والغريب أنه كلما تكررت زيارة الشاب لمنزل العجوز يجد  أن كل الأثاث قد غير مكانه ، نعم  عجوز لا يعيش إلا في حفرة مظلمة بفقدان بصره  لكنه عاش في نور  بفضل بصيرته.
وكانه مكتوب عليّ  أن أتذكر أحداث هذه المجموعة ،بدأت بها الكوابيس والله أعلم إلى أين ستنتهي وهل ما أمر به الآن يناسب هذا اليوم الشتائي الهادئ بثلوجه ،ولونه الابيض ،وهل تتماشى الظلمة ،والنور ؟وهل يصبحان يوما رفيقا ؟لم يكن مروري هنا عاديا، فقد كنت متأكداً أن طريقي هذا لن يفتقر للمواقف  التي تعلمني درسا أنتفع به في حياتي يوما فهو نور أن ترى الثلج لكنه ظلام حين يكسر النور بمشهد الجنازة التي تمر بجانبك لم تكن هذه أول مرة أمر بهذا الموقف فقد شاهدت واحدا مماثلا في قصة "رغم الظلمة رغم النور" تروي لنا  سطورها عن مجموعة موسيقية صاخبة تعشق الموسيقى يحلمون بأحلام يجدوها  قد تحققت على أرض واقعهم ، وذات يوم وجدوا أنفسهم  مكبلي الأيدي والدم اللزج في أفواههم ظنا منهم إنه بسبب الضرب الذي تعرضوا له لم يكونوا مدركين أن الدم الذي عليهم ،هو لضحاياهم التي وجدت أمام عتبات منازلهم ؟ لم يكونوا على علم أن ما يشاهدوه في منامهم ليس مجرد حلم وينتهي نعم نور أن تعيش بين  أجواء الفرح  وظلام حين تجد أن يديك تلطخت بالدماء؟
ويكمل عرض شريط المجموعة في ذاكرتي لتفتح أمامي تساؤلات عدة مثلا عن" الملاك الأسود" عنوان القصة التاسعة في الرواية فإن لم يكن هذا الملاك الذي يتسلل ليلا الى المدينة  شيطانا ،ولم يكن ملك الموت ،فهل يقصد به الليل ذاته الذي لا يستطيع أن يكشف عن نفسه ؟لن نفهم ما يعنيه القاص ،ولا إلى ماذا يرمي إلا بالوقوف خلف السطور فهو يستخدم لغة جزلة ،ورموز كثيرة قد لا يتمكن من فهمها إلا الأديب المتمكن من أمثاله ،والمتمرس في قراءة الأدب ،فقصة "غرفة يهوذا "جديرة بأن تبرهن ذلك. الاطفال هنا يستمتعون بأوقاتهم لا يتجاوز أعمارهم الثانية عشر ،والثالثة عشر فهم لا يشبهون الفتاة التي التقيتها في قصة "طيور بحدقة عمياء" التي قررت أن تهب نفسها للدير ،وإني لأجهل الدافع الذي دفعها لهذا التفكير، فهي مازالت صغيرة قصت شعرها ،ودفنته تراقبه بين الحين والآخر إلى أن صارت قديسة وماتت. لا يبدو لك الهدف واضحا في كثير من القصص ،ولا تستطيع أن تكشف عن الواقع الذي يصوره القاص باستخدام لغته الجزلة ،وصوره الفنية التي تقترب من الخيال أكثر من الواقع ففي قصة "عتمة كاتم الأسرار" ما الذي يصوره الكاتب شبح صار عشيقا لامرأة قضت عمرها تزوره في المقابر أم هو رجل قصد المقابر بيتا له ليعتزل عن عالمه ، ويراقب حبيبته حين تأتي في الليالي تصرخ وتشكي آلامها دون أن يرد عليها ؟
طويل هذا اليوم بقصصه التي لا تنتهي وطريقنا للغابة أطول يتيح للمجموعة أن تحكي لي ما تبقى ،رغم أن صاحبي لاحظ شرودي لساعات الا أنه يقف صامتا فهو يعلم أن الكتب هي رفيقتي ،وأن القراءة هي ما تمنحني أعمار كثيرة أعيشها وأرى بلدان لم تطأها  قدمي يوما ،فذهبت هنا وهناك الا انني لازلت بجانب صديقي ذهبت لأرى الصياد الذي خرج من منزله مرفقا معه عددا من الروايات العاطفية لم يدرك أنه آخر يوم يخرج فيه للصيد ،تحول هو للفريسة فكان ينتظر ليرى فريسته ويصطادها حتى شعر بألم لم يصدق  أن الفتق في جسمه وأن الفريسة انقضت عليه من الخلف هذا ما تحكيه قصة "الصياد والفريسة".، أكمل الرحلة  في جو تساقطت فيه حبات البرد لأجد نفسي  بين عدد غير غفير من الناس نشاهد في السينما وما يلفت انتباهنا "أنامل الأنثى" بانثناءاتها الصارمة والمدربة في ليل الخلفية السوداء بينما تتحرك الدمى كأنها تبدأ حياتها الخاصة، ومن بعيد قرب الشاطئ المجهول  وفي قصة "الحياة المكتوبة مرتين" أراقب  الفتى وهو يخط حياته التي لم يدرك انه يعيش مثل ما خطته يده  في المخطوط والذي سيسلمه في النهاية للعرافة  التي تنبأت بأن خطه الجميل ستكون لعنته الأبدية ،ومن هذا الجانب إلى غرفة العجوز الذي نام على سريره يدخل في منامات لا يستيقظ منها إلا بعد أن يرى مشهد دفنه في تلك المدينة. شاخ في سريره وشاخت معه ذكريات. وعلى أرض واقعي  بعد يوم شاق في رحلتي مع المجموعة أوصلني صاحبي إلى بداية الغابة  ،وخيوط الشمس تهم بالرحيل تسحب خيوطها المتسللة  بين الأشجار بخفية لتعلن بداية ليل جديد يبدأ بظلامه الدامس ومشاهد النوافذ التي تنقلنا لأزمان نجهلها ،لينتهي  بشمس ترى الدنيا وتستمتع بمواقفها.

قراءة آسمهان الخاطرية

فائزة بجائزة ساعي البريد للقراءة

 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق