الاثنين، 25 أكتوبر 2010

الكتب بين السرقة والإعارة





*أد. محسن خضر

هل تعيد ما استعرته من كتب الآخرين؟
قبل 221 عاما مضت استعار جورج واشنطن أول رئيس أمريكي كتابين هما "خطب ذات شأن عظيم في العلاقات الدولية" والمنأشات البرلمانية"، على أن تتم أعادتهما في الثاني من نوفمبر من العام نفسه إلا أن الكتابين لم يعودا حتى اليوم.
حدث ذلك في عام 1789.
كانت بنيويورك مكتبة وحيدة، ويفرض نظام المكتبة غرامة على التأخير، وتبلغ حجم الغرامة حوالي 14 آلف دولار.
التأخير اكتشف أثناء محاولة إدخال نظام الترقيم الإلكتروني بالمكتبة. تأملت الواقعة ملياً.
السؤال: لماذا لا يعير البعض ما يستعيدونه من كتب الآخرين؟
للمفكر الكبير عباس محمود العقاد عبارة شهيرة ومفارقة:
" غبي من يعير كتابا، والأغبى من يعيده".
كثير ممن أعرفهم من المثقفين يشتكون بأن أصدقائهم لا يعيدون ما استعاره من مكتباتهم (جمال الغيطاني، بهاء طاهر) مثلاً، كما يشبه البعض بأنهم يسطون على مكتبات أصدقائهم ولا يرون عيباً في ذلك، بل ثمة رأي شائع مختلف بين الكثيرين بأن "سرقة الكتب حلال"، وهي مغالطة أخلاقية ومنطقية واضحة.
في تجربتي الخاصة أؤمن بأن تدوير العلم يشابه تدوير المال في المجتمع، سواء من منظور ديني أو من منظور أخلاقي، فاحتجازك أو اقتناؤك لكتاب يفرض عليك التزاما أخلاقيا تجاه الآخرين: تعلما أو اعارة أو اهداءا أو تبرعا، ولذلك فإن مساعدة طلابي في مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا بالمراجع موقف ثابت، وإن يبدو الأمر شاقا مع جامعة الأعداد الكبيرة مثل جامعة عين شمس، فتظل تحمل عشرات المراجع في كل فصل دراسي ذهابا وعودة ربما بسبب فقر مكتبات الجامعات أو إختفاء بعض المراجع المهمة، أو عدم كفايتها، ولم أسجل في مرة واحدة اسم طالب استعار أحد كتبي، وأحيانا يحدث ألا يعيد البعض المراجع تكاسلاً أو نسياناً، وبين الحين والحين أعيد شراء ما فقد من هذه الكتب.
يرهبني مسألة اكتناز العلم أو الكتب (مع أن شبكة الإنترنت يسرت المسألة نسبيا، وأرى أن على المثقف دورا خصباً ومعيناً تجاه نشر المعرفة في المجتمع، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر تأمين أوعية ومصادر المعرفة..
لا معنى في مجتمعاتنا الأمية أو المسطحة ثقافيا – لمنع إعارة كتب المرء للآخرين، بل لا يملك المثقف الملتزم أن يتجاهل حق الآذى في ما لديه من معرفة، فكراً ووسائط، وأن يد يده إلى مجتمعه بالرأي والنفوذ والإتصال والتغيير.
لا يعيد القراء كتبهم إلى الآخرين أو المكتبات طمعاً أو نسياناً أو تكاسلاً أو أستحلالاً، ولكن يتبقى حقيقة صعوبة وصول شباب القراء إلى الكتاب الجيد والمعقول ثمناً هي مسئولية مجتمعية مستمرة، أعني أن الدولة مسئولة من خلال أجهزة الثقافة والإعلام والتعليم من توفير الكتب وربما ساعد إمكانات المعرفة الرقمية على تيسير نشر الكتب حتى القديم منه، وثمة مبادرات مميزة على المستوى العربي نشر الكتاب المدعم للقراء وخاصة الشباب منه ، منها مشروع "القراءة للجميع" في مصر، وكتاب في جريدة الذي تتبناه اليونسكو بالتعاون مع صحف عربية، بالإضافة إلى سلسلة عالم المعرفة" الكويتية الناجحة، كما بدأت بعض المجلات الشهرية (دبي الثقافية، الرافد، الثقافة الجديدة، المجلة العربية) في إهداء كتاب مع كل عدد من المجلة..
عن نفسي فأنا ذلك الغبي الذي عناه العقاد الذي يعير كتبه، والأغبى منه، أنا أيضا الذي يعيد كتب الآخرين لأنها مكرمة أخلاقية.
يا ترى، أكان الرئيس جيفرسون ناسيا أو متناسيا عندما لم يعد كتب مكتبة نيويورك قبل قرنين أو أكثر من الرقابة؟.

*أستاذ بجامعة عين شمس
المصدر نشرة المسار العدد رقم 194

هناك 3 تعليقات:

  1. في الاعاره والاستعاره انا معها ان تحققت شروطها .

    استهجن تلك الحركة التي يفعلها الكثير في استحلال الكتب المستعارة هي سرقة بمعنى استعاره فكما احببت ذلك الكتاب احبه قبلي صاحبة الذي هو حقه وملكه اولا واخيراً
    حدثت لي مرتين حيث ارتحلت كتبي بلا عوده وفي المرة الثالثة تجاوزت خجلي برسالة اخبرت قريبتي انني احن لكتابي الدي يقطن بيتها منذ فترة بعيده .
    لي صديقة كريمة جداً اشرعت ابواب مكتبتها لي مازلت اتذكر في اول مره عندما قالت انا وهي لك شريطة ان تحافظي عليها تفهمت قصدها لأنني احب مكتبتي وكتبي ولا ارضى لغيري مالا ارضاه لنفسي
    وإن نعتني احدهم بالغبية لكوني اعيدكتب الآخرين :)

    تغريد

    ردحذف
  2. أهلا تغريد الكتاب أمانة وأنا اتفق معك ارجاعه ليس فيه أي غباء وبالمحافظة عليه وصونه بامكان العديد من الأجيال الاستفادة منه

    ردحذف
  3. شكرا على النقل الجميل .. ربما الموضوع طرح مسألة إعارة الكتب وإعادتها .. إلا أنه يحمل بين مفرداته الكثير من الدلالات والمعاني .. المسألة الجوهرية التي لفتت انتباهي في هذا المقال .. مسألة القراءة .. فكثيرا ما تزدحم معارض الكتب في بلادنا - إن وجدت طبعا - بالكثير من الزوار يعودون منها محملين بالكثر من الكتب يكون مصيرها النهائي تزيين وترصيع الرفوف الخشبية في المنزل لا أكثر .. نعم يوجد هناك مبادرات من قبل بعض الصحف إلا أن المسألة مسألة الكيف ليس الكم وما هية هذه المادة المنشورة

    ردحذف