الأحد، 8 فبراير 2015

مدينة الكتب









نخطط لمدننا بعناية حتى لا تفتقد لشيء من الأشياء التي نحتاجها والتي تعكس درجة التطور في الحياة التي وصلنا إليها، لكننا نمضي في تخطيطنا وننسى المكتبات العامة التي يحتاجها هؤلاء السكان فهم ليسوا مخلوقات استهلاكية فقط، يحتاجون للغذاء الجسدي فقط لكنهم يحتاجون للغذاء الفكري الذي ينهض بهممهم ويزيد من وعيهم، ويحرك الإبداع بداخلهم ألا يمكن في ظل التخصصية التي نخطط بها مدننا أن نخصص مدينة للكتب؟ قد يقول قائل هل نبني مدينة للكتاب عندما أصبح لدينا المكتبة الالكترونية يحملها الإنسان معه أينما ذهب؟ ولكن هل يفقد الكتاب قيمته في ظل التطور التكنولوجي ما الذي يحرك عمل دور النشر الكبيرة في العالم مثل "أمازون"؟ أليس الجديد من الكتب التي تنشر في مختلف أنحاء العالم؟ نحن أولى بتأسيس مدينة للكتب التي ربما يعتقد البعض أن من المحال أن توجد في هذا العالم الذي أصبح فيه الإنسان منجذباً للسوق والترفيه أكثر من انجذابه للمكتبة والكتاب، ولكن هذه المدينة موجودة بالفعل وتسمى مدينة "هاي أون واي". تقع هذه المدينة على ضفاف نهر واي في بوويز بويلز في بريطانيا، وبدأت قصتها مع الكتب في عام 1961 عندما افتتح ريتشارد يوث أول مكتبة للكتب المستعملة في حيه، إذ استثمر هذا الرجل تراجع سوق الكتب في الولايات المتحدة خلال تلك المدة حيث أغلقت مجموعة من المكتبات، فعمل على شراء الكتب وشحنها في حاويات إلى المدينة، مما زاد من انتشار الكتب في مختلف أنحاء المدينة، وجعلها تكتسب شهرة عالمية حتى حظيت بلقب "مدينة الكتب" في السبعينيات، مما زاد من دورها السياحي في المملكة المتحدة فهي تستقبل اليوم حوالي نصف مليون سائح سنوياً يبحثون عن أفضل الأسعار عبر أكثر من 40 مكتبة، كما أنهم يقصدون مهرجان "هاي للآداب والفنون" الذي يجلب 80 ألف كاتب وناشر وداعم للآداب من جميع أنحاء العالم كل عام، هذا المهرجان يعقد في نهاية شهر مايو من كل عام، واستقطب خلال تاريخه أشهر المفكرين مثل سلمان رشدي وديفيد سايمون، وشهد في عام 2001 حضور رئيس الولايات المتحدة الأسبق بيل كلينتون، وبالتالي يبرز منه التخصصية في النهوض بالمدن من خلال تميزها بمهرجان مختلف تماما عن المهرجانات التي تعقد في دول العالم الأخرى. ومن أشهر وأغرب مكتبات المدينة مكتبة أطلق عليها اسم "مكتبة الثقة" وهي عبارة عن رفوف منتشرة في أرجاء المدينة لا يحرسها أحد ويقوم المشتري باختيار الكتب التي يريدها ووضع المال في صندوق البريد، أنها مكتبة تؤكد على السمو الأخلاقي الذين يفترض أن يصاحب السمو الفكري، هل يمكن أن نحاكي هذه المدينة بمدنية أخرى في عمان، البلد الذي لا أحد يستطيع أن يحصي عدد مؤلفات علمائه الفكرية؟ الإجابة على هذا السؤال ليست صعبة نحتاج فقط الإرادة لعمل شيء مميز يحقق أهداف ثقافية واقتصادية في الوقت نفسه.


د سيف بن ناصر المعمري
كلية التربية
جامعة السلطان قابوس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق