الجمعة، 4 أبريل 2014

"ملح"بدرية و"بهارات"الاخرين




مقال للكاتب عبدالرزاق الربيعي



على شركات الإتصالات أن تشكر الكاتبة بدريّة الإسماعيلي ، للخدمة الجليلة التي قدّمتها لها ، لأنّها منحت وسائل التواصل الإجتماعي فرصة أن تنشط ، فتناقل مرتادوها مقاطع من مجموعتها القصصيّة"ملح" ، ومارافق ذلك من تعليقات ساخرة ،تارة،وغاضبة تارات أخرى، ومدافعة في أحيان قليلة، وخلال ساعات من بث تلك المقاطع ، قفز اسم الكاتبة بدريّة الإسماعيلي ،بسرعة صاروخيّة لتكون الكاتبة الأكثر قراءة في السلطنة، وهو اللقب الذي ناله الكاتب سليمان المعمري في استطلاع أجرته "الهيئة الوطنيّة لرعاية الشباب" خلال معرض مسقط الدولي للكتاب 2014م ،بل صارت أشهر من الشاعر سيف الرحبي ،على علوّ قدره ،ومنجزه ، والكاتب سعود المظفّر الذي أصدر أكثر من 15 كتابا بين رواية، ومجموعة قصصيّة !وهو أمر لم يخطر على بال أحد حتى الكاتبة نفسها التي تتعاطى الكتابة منذ سنوات عديدة ،وكثيرا ماشاركت في الملتقيات الأدبيّة دون أن يلتفت لها ناقد يقيّم مدوّنتها إلّا قلّة !
واليوم جاءتها الشهرة من أقصى مواقع التواصل الاجتماعي تسعى !
ورغم إنّ بعض "الواتسابيين" و" التويتريين" و"الفيسبوكيين" الغاضبين كانوا يؤكّدون إنّ هذا يمنح اسم الكاتبة سطوعا ، وشهرة ، لم تكن تتوقّعها ذات يوم ، وعليه ينبغي ألّا تُمنح هذا المجد ، مطالبين بنسيانها ، مثلما حصل في مسرحيّة "انسوا هيروسترات" بعد أن أحرق "هيروسترات " المغامر معبد المدينة ليعرف سكّنها اسمه ،بعد أن كان نسيا منسيّا ، فأصدر حاكمها أمرا بنسيان اسمه حمل عنوان "انسوا هيروسترات" لكنّ اسمه ازداد شهرة أكثر بعد إصدار الأمر ،وصار أشهر من الحاكم الذي أصدر الأمر ، على قاعدة كلّ ممنوع مرغوب!!
وهذا ماحصل مع الكاتبة "بدريّة " فقد منحها هؤلاء "الغاضبون" الكثير من الإهتمام ، بشكل فاق عدد الذي وقفوا إلى جانبها ، من الكتّاب الذين رأوا في نصوصها جرأة ، وكسرا لـ"التابوهات" ، وهو أمر لم تعتد عليه مجتمعاتنا العربيّة المحافظة ، رغم أنّ كتبا تراثيّة عديدة كـ"الف ليلة وليلة" وسواها ذهبت إلى أبعد ماذهبت إليه "بدرية" في "ملحها" الذي رشّته على طبقها ،فجاء طعمه مالحا لدرجة استفزّت "الفيسبوكيين " والواتسابيين " و"التويتريين" !
ردود الأفعال كشفت الكثير من "العورات " الثقافيّة ، فالمثقّفون، والمتابعون ، انقسموا على أنفسهم ، بزاوية مقدارها 180 درجة، ومثلما أظهرت وسائل التواصل الإجتماعي مايسمّى بـ"المواطن الصحفي" ، ظهرت ملامح مايمكن تسميته بـ"المواطن الناقد" ، فالكلّ صار ناقدا أدبيّا ، يضع المعايير الفنّيّة ،ويحكم على النص ، فنيّا ،وجماليّا !!
وبعد أن كانت صيحات التذمّر ترتفع ضدّ أجهزة الرقابة على الكتب والنصوص ، صار الكلّ رقيبا بامتياز!
وفي كلّ هذا الهرج والمرج ،غاب صوت الاعتدال ،والوسطيّة ،والعقل، الكثيرون خرجوا على النص ، وكاتبته التي وصفوها بأشنع الأوصاف ،ورموها بحجارة الغضب ،ناسين إنّها أنتجت نصّا قابلا للتأويل ، ولم تكتب مذكّرات ، أو مقالات تدعو بها إلى ماتهيّأ لهم من فسوق وفجور!!
أمّا عن "إشاعة الفاحشة" التي اتّهموا بها هذا النوع من الكتابة، فالفضائيّات ومواقع التواصل الإجتماعي، و"اليوتيوب" مليئة بـالفواحش" و"المنكرات" وكتب التراث ،كما أسلفنا، ولكلّ انسان حصانته الإخلاقيّة ، مثلما لكلّ مجتمع مايحصّن عاداته ،وتقاليده من الإساءة ،والمسّ ، بما يضمن حفظ كيانه .
علما بأنّ البعض استثمر الهجمة الغاضبة ، لينفّس عن عقده ، فبثّ مقاطع من الأدب المكشوف التقطها من كتب أخرى ونسبها لـ"ملح" بدريّة ، من باب الرفض والاستهجان ، رغم إنّني قرأت المجموعة ،ووجدتها بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف ! أليس في هذا تناقضا ؟
كيف نصدّق نوايا من يدّعي الفضيلة، من خلال نشر الرذيلة !!!؟
ألا يستحق أمثال هؤلاء المحاسبة بدلا من أن نحاسب الكاتبة ،والجهة التي أصدرته ،والتي موّلت مشروعا وطنيّا يدعم نشر الكتاب ؟ وهل وجدنا في هاتين الصفحتين ما يستحق أن ندين مؤسسات ثقافيّة لها خدماتها وبرامجها وسجلّها الحافل بالانجازات ؟ألا يدخل هذا في باب تصفية الحسابات التي تحرّكها نوايا مريضة مسبقة تقوم على وضع العصيّ في طريق عربات الحراك الثقافي ؟
أسئلة تستحق من الباحثين الوقوف عندها ، لكي لاتمرّ مثل هذه الظاهرة مرور الكرام في مجتمع ينشد الرقيّ والتقدّم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق