السبت، 18 مايو 2013

طيف عبد الناصر يلوح في الربيع العربي




                                                                        
                                                         


 

                                                                         قراءة هيثم حسين



 
                                                                       سليمان المعمري

يستهلّ الروائيّ العُمانيّ سليمان المعمريّ روايته «الذي لا يحبّ جمال عبد الناصر»، «الانتشار العربي، بيروت، 2013»، بافتراض فانتازيّ فحواه نهوض الزعيم المصريّ الراحل جمال عبد الناصر من قبره، وطلبه من الحارس في عالم البرزخ السماح له بالخروج، وتردّد الحارس ثمّ القبول بإرجاعه شرطيّاً، إذ اشترط عليه الالتقاء بأحد كارهيه، وهو بسيوني سلطان؛ رجل مصريّ يُقيم في عُمان، يعمل كمدقّق لغوي في إحدى الصحف «المساء»، وحين يقبل عبد الناصر بالشرط يخرج من قبره ليزور بسيوني ويحاوره، ولكنّ اللقاء يتسبّب لبسيوني بالصدمة والإغماء ودخول المشفى. بسخرية ممزوجة بالأسى تكبر دوائر الفانتازيا المتداخلة مع الواقع، يقدّم الروائيّ صوراً للعصبيّة والتعصّب، بالموازاة مع السماحة والتفاهم، من خلال شخصيّاته بعامّة، وبسيوني بشكل خاصّ، وعبر شبكة العلاقات التي تربط بين الشخصيّات، ذلك أنّه بعد انتشار قصّة بسيوني ومرضه المفاجئ إثر صدمته برؤية الزعيم عبد الناصر أمامه، يحتلّ الواجهة، ويكون نقطة الوصل بين الماضي والراهن، وذلك بعقد بعض المقارنات، ثمّ محاولة الاتّعاظ والاعتبار.
تحتلّ أوضاع العالم العربيّ إبّان الثورات العربيّة محور الاهتمام والنقاش، لأنّ الجريدة تضمّ فريقاً من العرب من عدد من الدول العربيّة، السودان، تونس، مصر، عُمان، وتكون النقاشات متركّزة على راهن الثورات والنبش في الأسباب والنتائج، والعودة إلى جذور المشاكل المستعصية التي راكمها الطغيان والاستبداد.
ينوس بسيوني بين الحضور والغياب، يتناوبه الحبّ والكره، يتنازعه الواقع والخيال، يرهقه الماضي والحاضر، يضنيه تضييع المكتسبات الثوريّة بعد تحصيلها، يتناهبه الانتماء والغربة، يحتفظ بولائه لجماعة الإخوان وهو الذي يزعم أنّه لا ينتمي إليها، وتكون له أسبابه لكره عبد الناصر، ذلك أنّه ينحدر من عائلة إقطاعيّة تسبّب عبد الناصر بإفقارها بعد انتزاع أملاكها وتوزيعها على الفلّاحين، كما يكون لديه سبب آخر وهو معاداة عبد الناصر للإخوان المسلمين وإعدامه سيّد قطب، ما يبقيه لدى بسيوني العدوّ الأبديّ الذي يتعاظم كرهه في قلبه، ولا يفكّر أن يصفح عنه أو يلتمس له أيّة أعذار.
ينوّع الكاتب في رواته، يمنح الشخصيّات فرصاً للتعبير عن ذواتها، يقدّم كلّ فصل على لسان شخصيّة تتحدّث عن ذاتها، وعلاقتها مع محيطها، ولاسيّما مع بسيوني، تجدها متماهية معه في بعض التصرّفات ومختلفة في أخرى، ما يبدي الصور المختلفة للانطباعات عن بسيوني والمواقف منه ومن توجّهاته، وهو المتعصّب لرأيه وماضيه وأحكامه.
الشخصيّات التي تتكلّم بصوت مسموع، تجهر بالمهموس وتبوح به، ولا تتكتّم على المخبوء والدفين، بل تقدّمها بشفافيّة، لتكون مرايا الأفكار والمخاوف الموجودة. من الرواة: «الراوي العليم، جار النبيّ بسيوني سلطان، رئيس القسم الدينيّ، المصحّح السودانيّ، المصحّح التونسيّ، رئيسة القسم الاقتصاديّ، زينب العجمي، عبدالله حبيب، بسيوني سلطان، وغيرهم..».. بحيث أنّ كلّ واحد من هذه الشخصيّات يكون الشاهد على مجريات وأحداث مختلفة يسردها مكمّلاً مشاهد لوحة الواقع وخريطة المتغيّرات، وفق مكافئات سرديّة تتقابل وتعبّر عن تناقضات الواقع وما يعترك فيه من نقائض.
الجريدة التي تشكّل دائرة الأحداث، تكشف ممارسات تتمّ في أروقة التحرير يساهم الإعلام في ترويجها ونشرها، وما يشترك فيه من تحايل على الناس في بعض الأحيان، وتظهر التجاذبات التي تموج بها، بين طريقة صياغة الخبر، وانتقاء مفردات دون غيرها، للتخفيف من الدلالات أو توجيهها باتّجاه آخر، ويكون بسيوني الذي يعمل كمدقّق لغويّ فيها الأداة المنفّذة لبعض تلك الحالات، مدفوعاً بتعصّبه الدينيّ من جهة واللغويّ من جهة أخرى، فارضاً نفسه كرقيب لا كمدقّق فقط، ما يتسبّب للجريدة ببعض المشاكل والمشاحنات في كثير من الحالات، ويعكس من خلال ذلك صراع الحداثة والتعصّب والتضييق في الصحافة، كما يكون نافذة للإطلال على واقع الصحافة وما يتعرّض له من ضغوطات، وما يعتريه من فساد ومحسوبيّات.
يسلّط المعمريّ في روايته الضوء على الاختلافات التاريخيّة والخلافات المذهبيّة التي تصطخب بها المنطقة عامّة، وعُمان بالمثل، ويكون التركيز على عُمان باعتبارها مركز أحداث الرواية، ومكان اجتماع الشخصيّات بعيداً عن أوطانها، ما يمنحها فرصة للمراقبة عن بعد، وإبداء الآراء دون أن يكون لها تأثير واقعيّ فعّال، وتكون المحاججات المسرّبة، سواء بين الأطراف الدينيّة أو الاجتماعيّة أو الطبقيّة سبلاً لاكتشاف الحروب الخفيّة التي تدور داخل الشخصيّة نفسها، وبين الشخصيّات فيما بينها.
بسيوني الحامل التاريخيّ لحقده المتعاظم وكرهه الذي لا ينضب، يبتهج بوصول مرسي إلى سدّة الحكم في بلاده، ويرغم ابنه على التصويت له ويسعى لفرض رأيه على صديق ابنه أيضاً، لكنّه لا يفلح في ذلك، ما يخلق شرخاً في علاقته مع ابنه وصديقه، وباعتباره محور الاهتمام ومركز تحريك الخيوط التي تعود إليه من خلال الراوي العليم، فإنّه يتبدّى ديكتاتوراً بدوره، حاملاً للفيروس وناقلاً له، لا يخفّ حقده بالتقادم بل يكتسب ديمومة وتجدّداً، ويكون معبّراً عن حال المتوجّسين من إعادة الماضي حيث تمّ إقصاؤهم فيه، في حين أنّهم لا يلتفتون إلى توجّسات الآخرين بالخشية على المستقبل، من خلال زعم امتلاك الحقيقة المطلقة، وإرغام الآخرين على الالتزام بها، وممارسة الإقصاء والتهميش بحقّهم في خطوة ثأريّة لا تليق بالثورة.
في الختام، يظلّ بسيوني متأرجحاً بين الصحو والغياب، وتتأخّر نهضة عبدالناصر الذي يعاود المحاولة بعد سنين طويلة، بحسب الراوي العليم، وذلك في إشارة رمزيّة إلى إدامة الاستعداء، وفشل المصالحة التاريخيّة المنشودة، مع عدم إغفال إصرار الراحل على العودة لتحقيق النهضة التي ينشدها، والبحث عن سبل لتحقيقها ومدّ يده لتجسير الفجوات وتبديد الضغائن ونشر التسامح للانطلاق نحو الغد بثقة وقوّة.

ما يزال الأستاذ هيثم حسين متعاونا مع المدونة وهناك المزيد من القراءات للأعمال الأدبية العمانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق